على الغلاة المتنطّعين، الذين يُلبس عليهم الشيطان في مثل هذه الأحوال، كما على “عباد الدوّارة” – الذين يذبحون من باب العادة لا العبادة – أن يعلموا أن الذبح في هذه الظروف، خلافًا لعموم الناس، هو إيذاءٌ للجيران، وقد قال النبي ﷺ: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره”.

* المصطفى الرميد

من المؤكد أن الملك، أمير المؤمنين، المُقلَّد بالأمانة العظمى، والمُطوَّق بالبيعة الوثقى على توفير كل ما يلزم لشعبه الوفي للقيام بشروط الدين، فرائضه وسننه، عباداته ومعاملاته – كما جاء في رسالته الموجَّهة إلى الشعب بتاريخ 26 فبراير 2025 – لم يُقدِم على دعوة شعبه إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة إلا بعد تفكير عميق، وتردّد واضح، واستشارة واسعة.

ذلك أنه يعلم حقّ العلم أن الأمر يتعلّق بشعيرة مستحبّة، أصبحت مع مرور الزمن عادة راسخة، بل مستحكمة، ويعلم أن هذه الدعوة، بقدر ما سيتقبّلها الكثيرون، فإن البعض سيقول فيها ما سيقولون!

لكن واجب رفع الحرج عن الناس، ودفع الضرر عنهم، انطلاقًا مما تقرّره الشريعة الغرّاء من ضرورة جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها – امتثالًا لقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} – هو ما دفعه إلى توجيه شعبه لما دعاه إليه.

ومن المعلوم أن توالي سنوات الجفاف على المغرب أدى إلى نقصان كبير في أعداد قطيع الماشية، مما تسبب في ارتفاع أسعار اللحوم.

ومن المعلوم أيضًا أن الحكومة فشلت، خلال السنة الماضية، في توفير الأضاحي بشكل كافٍ لتخفيف حدة غلاء أسعارها، رغم ما خُصص لذلك من دعم مالي كبير، استفادت منه قلة قليلة، دون أثر واضح على الأسعار.

ومعلوم أنه لو لم يُقدِم الملك على ما أقدم عليه من دعوة إلى عدم القيام بشعيرة الذبح يوم العيد، لتسابق الناس إلى اقتناء الأضاحي، ولتفاحشت أسعارها، ولتضرر الفقراء والمساكين، وتقلبوا في مضاجعهم حسرة وألمًا، لا سيما من كان منهم من ذوي الأبناء الصغار.

كما أن عدد رؤوس الماشية التي تُذبح يوم العيد يتراوح عادة بين خمسة إلى ستة ملايين رأس من الغنم. ويمكن لنا أن نتخيّل المستوى الذي كانت ستبلغه أسعار اللحوم بعد العيد، وهي التي بلغت قبل صدور الرسالة الملكية يوم 26 فبراير ما يناهز 150 درهمًا للكيلوغرام الواحد!

إن من واجب الملك أن يُقدِّر المصلحة العامة للناس، كما يُقدِّر الناس مصالحهم الخاصة. ولذلك، فإن المصلحة العامة اقتضت حتمًا أن يُبادر الملك بمبادرته المذكورة، دفعًا للضرر المحقّق الذي كان سيلحق بفئات واسعة من الشعب، خاصة ذوي الدخل المحدود.

وقد قرر فقهاؤنا أن “الحاجة العامة تُنزّل منزلة الضرورة الخاصة”، وكما يحقّ للأفراد اتخاذ قرارات في شأن ضرورياتهم الخاصة بعد استفتاء العلماء، فإن من واجب ملك البلاد أن يقرّر في شأن الحاجة العامة التي تهمّ البلاد والعباد، بعد استحضار المعطيات الواقعية، وعلى رأسها التراجع الكبير في أعداد القطيع، واستيفاء الرأي الشرعي اللازم في مثل هذه النوازل.

لذلك، فإن من واجب الناس – كل الناس – احترام التوجيه الملكي، خاصة وأن الدولة حريصة على إحياء جميع سنن العيد ومظاهره، باستثناء الذبح، الذي سيتولاه الملك، أمير المؤمنين، بالنيابة عن عموم المواطنين.

وعلى الغلاة المتنطّعين، الذين يُلبس عليهم الشيطان في مثل هذه الأحوال، كما على “عباد الدوّارة” – الذين يذبحون من باب العادة لا العبادة – أن يعلموا أن الذبح في هذه الظروف، خلافًا لعموم الناس، هو إيذاءٌ للجيران، وقد قال النبي ﷺ: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره”.

وليس ثمة أذى أعظم في يوم العيد من أن يسمع أبناء الجيران أصوات الشياه أو يشمّوا رائحة الشواء تتصاعد من نوافذهم وهم محرومون.

فليعلم من يُقدِم على الذبح في هذه الظروف أنه مواطن سيّئ، وأن تديّنه مغشوش، بل إنه مريض يحتاج إلى علاج… شفاه الله، وغفر له.

*وزير دولة سابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *