منذ سقوطه في مقبرة المعارضة، على خلفية نتائج انتخابات 8 سبتمبر من عام 2021، فقد حزب التقدم والاشتراكية قدرته على إنتاج خطاب المعارضة، كما كان الحال قبل 20 سنة قضاها فوق كرسي السلطة.  

الرباط – جمال بورفيسي

بعد أكثر من عشرين عامًا من المشاركة المتواصلة في الحكومات المتعاقبة، يواجه حزب التقدم والاشتراكية صعوبات واضحة في التأقلم مع موقعه الجديد داخل المعارضة البرلمانية، وهو ما تُظهره لغة الخطاب السياسي التي تبنّاها منذ الانتخابات التشريعية لـ8 شتنبر 2021، والتي وضعته خارج معادلة الحكم لأول مرة منذ عقود.

البلاغ الأخير الصادر عن المكتب السياسي للحزب أعاد طرح أسئلة ملحّة حول قدرة الحزب على بلورة خطاب معارض متماسك ومتجدد، بعدما اكتفى بتكرار الاتهامات التقليدية للحكومة، مركزًا على ما وصفه بـ”الغلاء المتفاقم” و”تدهور القدرة الشرائية للمواطنين”. وهي مواقف يعتبرها عدد من المتتبعين للشأن السياسي مبالغًا فيها، ولا تعكس التطورات الأخيرة المرتبطة بمؤشرات الأسعار ومستوى المعيشة.

ففي الوقت الذي تحدث فيه الحزب عن أزمة معيشية خانقة، تؤكد تقارير رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط وجود تراجع في نسب الفقر وتحسن نسبي في القدرة الشرائية، بفضل استقرار أسعار عدد من المواد الأساسية، نتيجة لتدخلات حكومية استهدفت ضبط سلاسل التوريد وتحجيم دور الوسطاء والمضاربين.

هذا التناقض بين المعطيات الرسمية وخطاب حزب التقدم والاشتراكية، يسلط الضوء على ارتباك الخط السياسي للحزب، لا سيما مع استمرار تأثير أزمة فشل المعارضة في تقديم ملتمس الرقابة، الذي كان الحزب أحد دعاته الأساسيين قبل أن يُجهض بسبب انسحاب مفاجئ لأحد مكونات المعارضة.

وفي بلاغه الأخير، أبدى الحزب أسفه لما اعتبره “إفشالًا لمبادرة تقديم الملتمس لأسباب هامشية”، موجّهًا انتقادات مبطنة لحلفائه في المعارضة، وهو ما يكشف عن استمرار التصدع داخل هذا المعسكر، وغياب رؤية موحدة في مواجهة الأغلبية.

ورغم كونه شريكًا في حكومات سابقة، خاصة في نسختي حكومة العدالة والتنمية، لم يسجّل للحزب خلال تلك الفترات مواقف نقدية واضحة تجاه عدد من القرارات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، بل ظل صامتًا إزاء قضايا أثارت جدلًا واسعًا، كتعليق الترقيات وتجميد الأجور وتراجع الحوار الاجتماعي، وهو ما يطرح تساؤلات حول منطق التحول المفاجئ في خطابه بعد خروجه من الحكومة.

مراقبون يرون أن حزب التقدم والاشتراكية مطالب اليوم، إن أراد أن يستعيد مكانته في المشهد السياسي، بإعادة بناء خطابه على أسس واقعية ومسؤولة، تعكس فعليًا تطلعات المواطنين وتقدم بدائل واقعية، بدل الاكتفاء بترديد شعارات المعارضة دون سند واقعي أو تقييم ذاتي لأداء الحزب سنوات جلوسه فوق كرسي السلطة.

يُذكر أن الحزب ظل صامتًا إزاء العديد من القرارات الاجتماعية والاقتصادية المثيرة للجدل خلال مشاركته في حكومات سابقة، وخاصة خلال فترة ما بعد 2011، وهو ما يعتبره البعض مفارقة سياسية تستدعي التوقف والنقاش، خصوصًا في سياق التحولات التي تعرفها الساحة الحزبية الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *