غابت الرؤية والفعالية والتنسيق بين مكونات المعارضة، مما عمّق من واقع التشرذم داخلها، وأكد أنها تُعد الأضعف عددياً، والأقل نجاعة من حيث المبادرة والتأثير في الحياة النيابية الوطنية.

*جمال بورفيسي

سقطت المعارضة في أول اختبار حقيقي لها في مواجهة الحكومة، التي أصبحت تتابع من بعيد فصول مشهد سياسي عبثي. 

فبدلاً من توحيد جهودها وممارسة وظائفها الدستورية في مراقبة العمل الحكومي، اختارت المعارضة الانخراط في صراعات داخلية، وتوجيه سهام النقد نحو مكوناتها، في سابقة غير مفهومة في تاريخ العمل السياسي المعارض بالمغرب.

كان من المنتظر أن تطوي المعارضة البرلمانية بمجلس النواب صفحة ملتمس الرقابة بعد فشلها في تقديمه، لكنها دخلت عوضاً عن ذلك في مسلسل من التراشق الكلامي وتبادل الاتهامات، متخلية بذلك عن أدوارها المؤسساتية، في مؤشر واضح على تهافتها وافتقادها لبوصلة المعارضة البناءة والمسؤولة.

لقد غابت الرؤية والفعالية والتنسيق بين مكونات المعارضة، مما عمّق من واقع التشرذم داخلها، وأكد أنها تُعد الأضعف عددياً، والأقل نجاعة من حيث المبادرة والتأثير في الحياة النيابية الوطنية. 

فبعد سقوط مبادرة ملتمس الرقابة، انخرطت المعارضة في لعبة “النهش المتبادل”، حيث سعى كل طرف إلى تحميل الآخر مسؤولية الفشل.

عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عاد يوم الخميس لاتهام الحكومة بإفشال ملتمس الرقابة، رغم أنه رفض استخدام مصطلح “الفشل”، ولوّح مجدداً بـ”لازمته” الشهيرة المرتبطة بحركة 20 فبراير، التي اعتاد استخدامها للضغط على الدولة.

وفي ندوة صحفية عقدها “البيجيدي” للحديث عن ملابسات “إفشال” ملتمس الرقابة، قال ابن كيران: “بالأمس القريب كنا على أبواب فوضى عارمة مع 20 فبراير، ومن قبلها مرات أخرى…”. محذّراً الحكومة من “تداعيات إفشال” هذه المبادرة، لكنه أصر في المقابل على نفي صفة “الفشل” عنها.

ورغم اعترافه بأن تمرير ملتمس الرقابة كان مستحيلاً، أكد ابن كيران أن تقديمه كان ضرورياً، مشيراً إلى أن قناعة داخل المعارضة كانت تقول باستحالة إسقاط الحكومة عبر هذا المسار، “لكن لا شيء مؤكد في السياسة… ما تعرف!”، على حد تعبيره.

وذهب ابن كيران أبعد من ذلك، موجهاً انتقادات إلى المواطنين والناخبين، معتبراً أن “البعض” منهم باع صوته، في حين أن عليهم، حسب قوله، الانخراط الدائم في السياسة والمشاركة في الانتخابات.

من جانبه، استغل عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، الندوة الصحفية لنفي أن يكون ملتمس الرقابة مبادرة “اتحادية”، مؤكداً أنه جاء في سياق “اتفاق جماعي”، قبل أن يشن هجوماً على الحكومة، متهماً إياها بـ”سحق الطبقة المتوسطة” و”توسيع دائرة الفقر”، رغم أن المعطيات الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط تشير إلى انخفاض نسبة الفقر، كما اتهم الحكومة برفض مقترحات القوانين، في حين أنها سجلت رقماً قياسياً في قبولها لمقترحات نواب البرلمان.

هكذا أعطت المعارضة الدليل مرة أخرى على غياب الرؤية والبدائل، وتأكد عجزها عن تجسيد مفهوم “القوة الاقتراحية”، وهو ما تعكسه هشاشة مواقفها وضعف مبادراتها، وانخراطها في خطاب شعبوي وصراعات داخلية لا تخدم المواطن ولا العمل البرلماني.

ويُذكر أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رد رسمياً على فشل تقديم ملتمس الرقابة من خلال “رسالة الاتحاد”، التي نشرت على موقعه الرسمي، والتي استنكر فيها ما وصفه بـ”تشنيج” موقف العدالة والتنمية تجاه انسحاب حزب الوردة من المبادرة.

وجاء في الرسالة أن قيادة البيجيدي “تصرفت وكأنها صاحبة المبادرة، في حين أن الحزب الذي تعرّض لمحاولة السطو المؤسساتي هو الاتحاد، الذي يُستهدف اليوم بالتشهير والتنمر والقذف بالكلام الرخيص”.

وأكدت رسالة الاتحاد أن “القرار الاتحادي، سواء في ما يتعلق بالمبادرة لتقديم الملتمس أو تعليق النقاش بشأنه، هو قرار سيادي، ويعكس استقلالية الحزب المعروفة والثابتة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *