في المغرب، عندما يخرج مسؤول حكومي، بقيمة نزار بركة، زعيم حزب الاستقلال، إلى الشعب يتباكى وينتقد الحكومة التي ينتمي اليه، يعلق المواطن البسيط على هذا السلوك بتعبير دارجي بليغ. إذ يقول:” باركا من القوالب إلا ما عاجباكش الحكومة حط السوارت”.
*جمال بورفيسي -le12.ma
يجسد نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، مقولة: “مع الحكومة بداية الأسبوع، وضدها في نهايته”. إذ يمارس مهامه كحليف داخل الحكومة طيلة أيام الأسبوع، ثم يتحول إلى معارض في نهايته.
ورغم محاولاته الظهور بمظهر السياسي الناضج والحليف الموثوق ضمن الأغلبية الحكومية، من خلال تأكيده على “التجانس الحكومي”، وتشديده على أنه “ليس من مصلحة الاستقلال الانخراط المبكر في أي سباق أو صراع قد يؤثر على العمل الحكومي”، فإن بركة، وهو يتمسك بشعرة معاوية مع الحكومة، يفضل في مناسبات عدة أن يضع إحدى قدميه خارجها، خصوصاً في المهرجانات والتجمعات الخطابية التي يؤطرها وتحظى بمتابعة واسعة، في مسعى واضح لضرب عصفورين بحجر واحد.
ويُجسّد خروجه المتكرر عن “الإجماع الحكومي” في انتقادات يوجهها للأداء العام للحكومة، كما حدث في احتفالات فاتح ماي، وتكرر خلال الدورة العادية الأخيرة للمجلس الوطني لحزب الاستقلال التي انعقدت السبت الماضي بمدينة سلا.
ورغم الخلافات بينه وبين سلفه حميد شباط، على مستوى المزاج والسلوك السياسي، فإن نزار بركة يسير، بطريقة أو بأخرى، على خطى شباط، الذي أنهك حكومة عبد الإله بنكيران ـ التي كان حزب الاستقلال أحد مكوناتها ـ بانتقاداته المستمرة والمستفزة، قبل أن يقرر الانسحاب منها في ماي 2013، بدعوى “وجود اختلالات عميقة داخل الأداء الحكومي”.
بركة، بطبيعة الحال، لن ينسحب من الحكومة، فهو “أرزن وأعقل” من شباط، كما أن الولاية الحكومية دخلت خريفها ولم يتبقَّ منها سوى عام واحد.
لكنه شرع منذ مدة في اتخاذ مسافة واضحة من الحكومة، في خطوة لا تخفى خلفياتها السياسية والانتخابية، إذ يبدو واضحاً أنه بصدد التمهيد لتموقع مختلف استعداداً للاستحقاقات المقبلة.
وعوض أن يدافع نزار بركة عن الحصيلة الحكومية، كما تقتضي ذلك مواثيق وأخلاقيات التحالفات، يركز في خطاباته على ما يعتبره “إخفاقات”، من قبيل فشل الحكومة في الوفاء بوعد خلق مليون منصب شغل خلال الولاية الحالية، مؤكداً أنه “من المستحيل تحقيق هذا الهدف في أفق سنة 2026”.
كما انتقد بركة غلاء الأسعار، مهاجماً ما سماه بـ”الجشع التضخمي” لبعض المضاربين والوسطاء، قائلاً: “نحن نواجه سلوكيات غير مواطِنة، لأشخاص استغلوا السياق التضخمي لرفع الهوامش التجارية وتحقيق أرباح مفرطة على حساب المواطنات والمواطنين… وهذا لن نقبله”.
على خلاف كلامه غير مسموع عند الشعب، جاء بيان الدورة العادية الثانية للمجلس الوطني لحزب الاستقلال “مفصلاً على مقاس الحزب”، حيث ميّز بوضوح بين الحزب والحكومة، إذ أكد البيان أن الحزب سيواصل، “انطلاقاً من رصيده التاريخي والفكري، ومرجعيته التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، وتجربته في تدبير الشأن العام، وباعتباره مكوناً فاعلاً في الأغلبية الحكومية، بذل مزيد من الجهود لتحسين الأوضاع المعيشية للمغاربة، وتعزيز حمايتهم الاجتماعية، وقدرتهم الشرائية، وحماية الطبقة الوسطى، وتوفير سبل الارتقاء الاجتماعي، وخلق فرص الشغل، والقضاء على الهشاشة، وتقليص الفوارق المجالية، ومجابهة تحدي الإجهاد المائي”.
ويُلاحظ أيضاً أن البيان ربط إنجازات الحكومة حصرياً بالرؤية الاستراتيجية لجلالة الملك محمد السادس، خاصة ما يتعلق بورش الدولة الاجتماعية، والمشاريع الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والرياضية، وجلب وتحفيز الاستثمار.
وهو ربط صحيح، يؤكد عليه رئيس الحكومة في كل مناسبة، لكن اللافت هو غياب الإشارة إلى الحكومة كائتلاف سياسي، وإلى الدور المركزي الذي يفترض أن يضطلع به الحزب القائد للأغلبية، وهو التجمع الوطني للأحرار، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول خلفيات هذا التجاهل.
كما خص البيان بالثناء وزراء الحزب، وعلى رأسهم الأمين العام ووزير التجهيز والماء، مشيداً بـ”بلورة مقاربات جديدة ترتكز على القطائع، والتي شكلت نقط تحول هيكلية في القطاعات المعنية”.
لقد أصبح نزار بركة معارضاً داخل الحكومة، ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، من المرجح أن يُكثف من خرجاته الإعلامية، في محاولة لاستمالة الناخبين عبر لعب دور “المعارض من الداخل”، والزعيم “الصريح” الذي يدافع عن القدرة الشرائية للمواطنين، رغم كونه شريكاً رئيسياً في الحكومة، ما يُفترض معه أن يتحمل مسؤولية وتبعات هذه المشاركة، لا أن يتنصل منها بهذا الشكل، في استهتار واضح بميثاق الأغلبية والمبادئ الأخلاقية التي تؤطره.
تبقى الإشارة إلى أن سير نزار بركة، على خطى شباط وابن كيران، في لعق حلاوة السلطة وسب الملة، طريق لا يليق بزعيم حزب الاستقلال، والتجربة أكدت أن هذه المناورة لا تأثير لها في دغدغة مشاعر الناخبين.
لماذا؟.
لأن الشعب عندما يخرج اليه مسؤول حكومي، بقيمة زعيم حزب الاستقلال، يتباكى وينتقد الحكومة التي ينتمي اليه، يعلق المواطن البسيط على هذا السلوك بتعبير دارجي بليغ. إذ يقول:” باركا من القوالب إلا ما عاجباكش الحكومة حط السوارت، إلا كنتي صادق في كلامك “.