من غرائب المشهد السياسي في المغرب، أن تجمع المعارضة متأخرة شتاتها في محاولة  لتقديم ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة، فيحدث أن تسقط مصداقية هذه المعارضة في أعين الرأي العام، دون أن تسقط حكومة أخنوش من سدة تدبير الشأن العام.

الرباط- جمال بورفيسي le12.ma

بعد انكشاف “مخطط” المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية للسطو على ملتمس الرقابة الذي تقدم به حزب الاتحاد الاشتراكي، حاول عبد الإله ابن كيران، امس السبت في نشاط حزبي في الرباط،  مداراة فشله في “إسقاط” الحكومة من خلال تبرير واهٍ وسخيف يكشف حجم اليأس الذي يسيطر على قيادة “البيجيدي” ومخاوفها من الاستحقاقات المقبلة.

لقد توهم ابن كيران،  وقوف الاغراء وراء نسف الملتمس، وهو اتهام يثير السخرية والشفقة على “شيخ” بات يدخل ويخرج في الكلام.

وعوض أن يصارح الناس بالحقيقة، اختار ابن كيران أسلوب التضليل والمراوغة والهروب إلى الأمام، محاولًا توجيه الرأي العام الوطني نحو مبررات واهية لفشل ملتمس رقابة وُلد ميتًا.

لم تَسعفه صراحته في أن يعترف بأن مجموعته النيابية، التي تتذيّل قائمة التنظيمات السياسية الممثلة في البرلمان، ومعها باقي أطياف المعارضة، لا تملك لا القوة العددية ولا المصداقية الكافية لمواجهة الأغلبية أو إزعاجها، وأنها عجزت عن تقديم حلول واقعية وبدائل سياسية، وأن هدفها من ركوب موجة ملتمس الرقابة لم يكن سوى محاولة يائسة لتلميع صورة الحزب واسترجاع بعض ما فقده من ثقة الناخبين ودعمهم، وهو دعم يبدو أنه قد ضاع إلى غير رجعة.

كان ابن كيران يدرك تمامًا أن الملتمس لا حظ له في النجاح، وأنه لم يكن صاحب المبادرة أصلًا، لكنه رآها مناسبة للظهور الإعلامي وللتغطية على التراجع الكبير للحزب في أداء دوره كمعارضة مسؤولة وبنّاءة.

منذ فترة، بدأ ابن كيران، في محاولة لتبرير ضعف حزبه، يروّج زورًا لمسألة “استعمال المال” في الاستحقاقات الانتخابية، حتى أصبحت هذه اللازمة حاضرة في كل تصريحاته وخطاباته، وكأنه يهيئ قواعد الحزب ومسانديه لتقبّل هزيمة جديدة مرتقبة في انتخابات 2026، عبر الادعاء المسبق بأن الهزيمة ستكون بسبب وهم إستعمال“المال”، لا ضعف التنظيم. 

وهي مغالطة لم تعد تنطلي على أحد، بقدر  تشكل ترديدها على لسان ابن كيران تحديداً، هدية إلى خصوم الوطن من أجل النيل من مسلسل المغرب الديموقراطي.

في الواقع، لم تعرف أية ولاية تشريعية سابقة ما تعرفه الولاية الحالية من هشاشة وتشتّت في صفوف المعارضة البرلمانية، التي تتشكل من أربعة مكونات: الفريق الاشتراكي (المعارضة الاتحادية)، الحركة الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية، ثم المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية.

وخلال السنوات الأربع الماضية، أثبتت المعارضة فشلها في فرض وجودها داخل المشهد البرلماني، وعجزها عن تقديم بدائل ملموسة، أو ممارسة ضغط حقيقي على الأغلبية، فظلت في الظل، وكان ملتمس الرقابة آخر أمل لها في فرض الذات وتهديد الحكومة وحتى محاولة “ابتزازها” سياسياً، لكنه سرعان ما تهاوى بسبب عدم الجدية والافتقار إلى التماسك.

جاء الملتمس في “الدقيقة التسعين” من عمر الحكومة، وفي سياق سياسي واقتصادي واجتماعي يخدمها أكثر مما يضعفها، ما يجعل المبادرة تفتقر إلى خلفية موضوعية قوية، بل يكرس انطباعًا بأنها لم تكن سوى “فرقعة إعلامية” لا أكثر.

المعارضة نفسها كانت تدرك منذ البداية أن الملتمس لن يمر، وأنه مجرد رسالة سياسية، وهذا دليل إضافي على افتقادها للجدية والمسؤولية. 

فالمعارضة الجادة لا تكتفي بإرسال “رسائل” رمزية، بل تمارس دورها الكامل بما يقتضيه من صرامة في المواقف، وواقعية في تبني آليات الرقابة والتأثير الفعلي.

لكن مع هذه المعارضة، سجل التاريخ أن جشع فريق حزب العدالة والتنمية بقيادة عبد الله بوانو، أسقط تحالف المعارضة في رفع ملتمس الرقابة للإطاحة بالحكومة. فسقطت مصداقية هذه المعارضة في أعين المواطنين ولم تسقط الحكومة من سدة تدبير الشأن العام. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *