في مجلس النواب، يضع الضعف العددي للمعارضة يضع ملتمس الرقابة في مهب الريح، ويجعل في المحصلة مسعى الإطاحة بالحكومة مجرد وهم صدقته المعارضة.
*جمال بورفيسي
“الإطاحة” بالحكومة تبدو كآخر ورقة تبقّت في جعبة المعارضة لتسجيل حضورها وإرباك الأغلبية، بعد فشلها في التأثير عبر باقي آليات الرقابة البرلمانية.
وتشرع فرق المعارضة بمجلس النواب، الأسبوع المقبل، في جمع التوقيعات لتقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة. وكان من المفترض أن تبدأ العملية في مطلع هذا الأسبوع، لولا انشغال رؤساء الفرق بمهمة رسمية في نواكشوط، للمشاركة في المنتدى الاقتصادي المغربي–الموريتاني، المزمع عقده يومي 9 و10 ماي الجاري.
وبحسب مقتضيات الفصل 105 من الدستور، لا يُقبل ملتمس الرقابة إلا إذا وقّعه على الأقل خُمس أعضاء مجلس النواب. كما يُحدد مكتب المجلس تاريخ مناقشة الملتمس، على ألا يتجاوز سبعة أيام من تاريخ إيداعه لدى رئيس المجلس.
غير أن المعضلة تكمن في الشق الثاني من الفصل نفسه، إذ لا تصح الموافقة على الملتمس إلا بأغلبية مطلقة من أعضاء المجلس، وهي أغلبية لا تتوفر لدى المعارضة، التي لا يتجاوز عدد مقاعدها، حسب نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021، 125 مقعدًا. في المقابل، تتوفر الأغلبية على 270 مقعدًا، إضافة إلى 18 مقعدًا لحزب الاتحاد الدستوري، الحليف السياسي للأغلبية، مما يرفع الرصيد العددي إلى 288 مقعدًا. وهو ما يجعل إسقاط الحكومة أقرب إلى المستحيل.
ورغم التوصل إلى توافق نادر بين مكونات المعارضة، بعد أسابيع من مشاورات مضنية، حول ملتمس الرقابة، فإن دوافع هذا التوافق لا ترتكز على مبررات موضوعية أو حصيلة حكومية فاشلة، بل تبدو مدفوعة باعتبارات سياسية ظرفية، يسودها ما يمكن تسميته بـ”وهم” زعزعة استقرار الأغلبية، التي كرّست خلال ولايتها أداءً وازنًا على أكثر من صعيد.
لقد اضطرّت المعارضة إلى تفعيل هذه الآلية القوية من آليات الرقابة، بعد عجزها عن تقديم بدائل واقعية أو مقترحات تشريعية وازنة، وذلك في محاولة أخيرة لإرباك الحكومة إعلاميًا وسياسيًا، لا أكثر. في المقابل، لا توجَد مؤشرات فشل حكومي تُبرر هذه الخطوة؛ فالأداء الاقتصادي والاجتماعي للحكومة، بحسب أغلب التقديرات، يسير في اتجاه إيجابي.
ولعل ما يفسّر لجوء المعارضة إلى هذا الملتمس هو شعورها بتراجع وزنها السياسي مع اقتراب انتخابات 2026، في ظل مشهد سياسي تهيمن عليه ثلاثة أحزاب تشكّل التحالف الحكومي الحالي، والتي تبدو مرشحة للاستمرار في قيادة المشهد إلى ما بعد 2026.
وعلى امتداد أكثر من ستة عقود من التجربة البرلمانية المغربية، لم تُسفر محاولات تقديم ملتمسات الرقابة عن إسقاط أي حكومة. إذ سُجلت حالتان فقط: الأولى سنة 1964، في عهد أول برلمان مغربي، لكنها فشلت بسبب عدم بلوغ النصاب المطلوب وفق دستور 1962. أما الحالة الثانية فكانت سنة 1990 ضد حكومة عز الدين العراقي، وقد فشلت كذلك لعدم استيفاء الشروط التي نص عليها دستور 1972.
ورغم السياقات الوطنية والإقليمية الصعبة التي صاحبت المحاولتين السابقتين، لم تنجح أي منهما. واليوم، تبدو كل المؤشرات تصب في اتجاه فشل التجربة الثالثة، إذا ما قُدّم الملتمس فعلًا خلال الأسبوع المقبل.
مرة أخرى، تُلوّح المعارضة بورقة ملتمس الرقابة، لا من أجل ممارسة حقيقية للرقابة الديمقراطية، بل في محاولة لتسجيل الحضور والظهور السياسي، وسط مشهد يزداد وضوحًا في تراتبيته وميزان قواه.