لا شيء يفسّر تناقض مواقف النقابات وازدواجية خطابها سوى سلوكها “النَّفاقي”، الذي يدفعها إلى التوافق مع الحكومة لتمرير إصلاحات وقوانين، ثم تعود للاحتجاج في الشارع ضد ما تم التوافق عليه، في محاولة لإرضاء قواعدها النقابية، والظهور بمظهر المدافع عن الحقوق الرافض لأي تنازل!.
*جمال بورفيسي
غريبٌ أمر النقابات في المغرب! فلم تمضِ سوى أيام قليلة على جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، التي أفضت إلى مجموعة من التوافقات والمكاسب، كما لم تمر إلا بضعة أشهر على جولات الحوار السابقة التي أسفرت عن مكتسبات مادية ومهنية واجتماعية هامة للطبقة العاملة والموظفين والمستخدمين، حتى عادت النقابات إلى استعمال تلك اللغة الخشبية المعهودة، وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن الحكومة لم تنفتح على مطالبها ولم تستجب لغالبية هذه المطالب، وكأنها لم تُعر الحوار الاجتماعي أو الأوضاع الاجتماعية لمهنيي مختلف القطاعات أي اهتمام.
لقد عرّت احتفالات فاتح ماي، مرة أخرى، الواقع المزري للنقابات، التي ما زالت تتعامل بأسلوب عفا عليه الزمن؛ حيث تصبح مطالب من قبيل الزيادة في الأجور والحريات النقابية مطالب آلية ميكانيكية تُرفع كل سنة في فاتح ماي، بغضّ النظر عن المكتسبات المتحققة عبر الحوار الاجتماعي، حتى وإن كانت كلفته تُثقل كاهل ميزانية الدولة بالمليارات من الدراهم. المهم، بالنسبة للنقابات، هو تكرار المطالب ذاتها! كأن هذه التنظيمات لا تستطيع العيش دون شعار “الزيادة العامة في الأجور”!.
لذلك، فإن من يطّلع على المطالب التي رفعتها النقابات بمناسبة عيد الشغل لسنة 2025 يُصاب بالدوار، إذ هي ذاتها التي كانت تُرفع منذ عقود، وكأن شيئًا لم يتغير في حياة الشغيلة!.
لم تُجدّد النقابات آليات اشتغالها مع مرور الوقت، وكأن الزمن توقف. فلا يُتصوَّر، في نظرها، حوار اجتماعي بدون مطلب الزيادة في الأجور، ولا بدّ قبل رفع هذا المطلب من تنفيذ إضرابات أو احتجاجات، أو كليهما! وكأن قضايا الشغيلة تنحصر في الجانب المادي، بينما تُهمل قضايا جوهرية أخرى تتعلق بتطوير بيئة العمل، وتحسين التكوين، ورفع الإنتاجية، وتعزيز الحكامة داخل المؤسسات.
ولذلك، حتى حين تستجيب الحكومة لمطلب الزيادة في الأجور، لا تتردد النقابات في تكراره مجددًا في شعاراتها خلال احتفالات عيد العمال، وكأن فاتح ماي يفقد معناه دون هذا الشعار!.
لقد استجابت الحكومة الحالية لغالبية مطالب النقابات، بما فيها الزيادات في الأجور، ومع ذلك، كان أول ما شددت عليه النقابات في مسيرات فاتح ماي (الخميس) هو الزيادة العامة في الأجور! بل وحتى بعد التقاء إرادة الحكومة والنقابات في اعتماد قانون الإضراب، في إطار مشاورات واسعة انخرط فيها الشركاء الاجتماعيون، عادت النقابات لتردّد أسطوانتها بشأن رفض هذا القانون، رغم أنه لم تمر على المصادقة عليه سوى بضعة أسابيع!.
لا شيء يفسّر تناقض مواقف النقابات وازدواجية خطابها سوى سلوكها “النَّفاقي”، الذي يدفعها إلى التوافق مع الحكومة لتمرير إصلاحات وقوانين، ثم تعود للاحتجاج في الشارع ضد ما تم التوافق عليه، في محاولة لإرضاء قواعدها النقابية، والظهور بمظهر المدافع عن الحقوق الرافض لأي تنازل!.