واقع جعل العقدة تزداد تجاه أخنوش، الذي واجه هذه الأدوات بالمعقول والجدية والعمل الميداني المتواصل وعدم الإنجرار إلى مستنقعهم الذي يجيدون الغوص فيه.
منير الأمني
قد يبدو العنوان للوهلة الأولى غريبًا وغير مألوف، وربما مثيرًا للدهشة والاستغراب. لكنه، في حقيقة الأمر، العنوان الأكثر تعبيرًا وتجسيدًا عما تبقى من حزب سقط من الطابق السابع عشر، بتعبير أمينه العام، حتى كُسرت ضلوعه و أرجله وفقد عقله.
حزب لم يبقَ فيه سوى اليدين و اللسان يضرب بهما خبط عشواء بدون بوصلة توجهه ولا رؤية سياسية تحكمه، حتى باتت أطروحته السياسية الوحيدة تتمثل في انتقاد “عزيز أخنوش”.
نعم، “عزيز أخنوش” على لسان ما تبقى من قيادات “البيجيدي”، بمناسبة ومن دون مناسبة، وسواء في المواضيع التي تتعلق بالحكومة أو حتى المواضيع التي لا تربطها أية صلة بالشأن الحكومي. حتى بات انتقاد عزيز أخنوش يُشكل البوصلة السياسية والخيط الناظم لما تبقى من قيادات الحزب.
يأتي ذلك، بعد أن جرب زعيمهم جميع أدوات الدَّجَل السياسي والتضليل الإعلامي، التي فشلت في النيل من الرجل أو التأثير عليه أو ثنيه عن مواصلة تنزيل مختلف السياسات والبرامج الحكومية، لتحقيق التحول الاجتماعي والاقتصادي المنشود.
أخنوش، بكاريزما رجل الدولة، واجه ذات الأدوات الترهيبية والتضليلية للحزب المعلوم قيادة وقواعد، التي كانت وراء الاغتيال الرمزي للعماري وشباط وكل من نافسهم سياسيًا وانتخابيًا.
واقع جعل العقدة تزداد تجاه أخنوش، الذي واجه هذه الأدوات بالمعقول والجدية والعمل الميداني المتواصل وعدم الإنجرار إلى مستنقعهم الذي يجيدون الغوص فيه.
بل إن زعيم الحزب المعلوم، عمل على إستغلال إسم “عزيز أخنوش” حتى في محطة المؤتمر الوطني للحزب التي حاول أن يروج لها ويعطيها الإشعاع المفقود من خلال تصريحه بعدم توجيه الدعوة إليه، رغم أنه يعلم جيدًا أن الرجل، بحكم مسؤولياته ومهامه المتعددة، لا يمكن أن يُضِيع نصف يوم في “خيمة” حزب يتذيل ترتيب الأحزاب السياسية.
علمًا أن هذه “الخيمة” لا أحد يتوقع حجم التصريحات غير المسؤولة التي قد تنبعث منها، خصوصًا في المواضيع المتعلقة بالسياسة الخارجية للدولة، التي يحاول الحزب المتاجرة بها تماهيا مع أجندات خارجية في إطار تبعيته الفكرية العابرة للحدود.
لكن المثير للاستغراب والسخرية في ذات الوقت هو أن الحزب الذي هرول للتباهي بعدم توجيه الدعوات، وحوَّل مؤتمره من محطة سياسية رصينة للنقاش إلى ما يشبه “زردة” لتوزيع “العراضات”، لم يوفر حتى مصاريف “تريتور” هذا المؤتمر أو هذه “العراضة” بعبارة أدق كما وصفها عدد من منتسبيه الساخطين في مواقع التواصل الاجتماعي.
ليخرج بعدها “مول العراضات” بأيام في “لايف” على الفيسبوك، يتباكى بأسلوب “متسولي الحافلات ” لجمع الإعانات، موظفًا في ذلك خطاب الجنة والنار الذي اعتاد “السعاية” استعماله لجمع الصدقات، معتبرًا أن المساهمين ماديًا سيدخلون الجنة! وأن مساهمتهم هي مساهمة في الدعوة!.
لقد إستحضر كبيرهم الذي بات والحالة هاته يعلمهم «الصينية»، الخطابات الدينية التي كان يوظفها قبل أن يصل للمناصب في المرحلة السابقة، رغم أنها لم تعد تنطلي على أنصاره قبل خصومه، بعد أن انكشف زيفها بمسار متسلسل من الفضائح، من مغامرات “الكبيدة والمدلكة”، و رقصة “الطاحونة الحمراء”، إلى قصص “الكوبل الدعوي” و فضيحة “كلينكس الشاطئ”.
لقد كان حرياً بابن كيران التطوع باقتطاع جزء بسيط من معاشه السخي، الذي يبلغ 7 ملايين سنتيم شهريًا، وتخصيص 2.7 مليون سنتيم شهريًا منه فقط على مدار أربع سنوات (48 شهرًا) التي يطمح لتزعم الحزب خلالها من جديد ليتمكن من جمع مبلغ 130 مليون سنتيم بكل سهولة. عوض السعاية والتباكي والتشكي في “الفيسبوك”، والدعوة بالهداية لوزارة الداخلية لتتغاضى عن أخطائه التدبيرية، عوض أن يقدم نموذجا في التطوع وتحمل المسؤولية.
لكنه أبى إلا أن يطلق عملية “الصينية” لتغطية مصاريف “تريتور” المؤتمر، وحاول مرة أخرى استحضار “عزيز أخنوش” في لايف “السعاية”، معتبرًا حصوله على مقعد في الانتخابات الجزئية ترشح فيه أحد منتسبي حزب أخنوش نتيجة إيجابية تبشر بعودة الحزب للصدارة والريادة! علمًا أن الأحرار اكتسح الانتخابات الجزئية بالطول والعرض وحصل على الرتبة الأولى بـ61 مقعدًا في 58 دائرة، في الوقت الذي تذيل “البيجيدي” النتائج بمقعدين يتيمين.
إنها أطروحة “عزيز أخنوش” التي يراهن بنكيران ومن تبقى معه من القيادات ليسلب بها العقول ويبيع بها الأوهام، رغم علمه اليقين أن التموقع ضمن المراتب الثلاث الأولى بات من سابع المستحيلات، بعد أن لفظ المغاربة حزبه في 8 شتنبر، وبعدها في جميع الانتخابات الجزئية التشريعية التي جربها أو التي هرب منها.
إن المنافسة الحقيقية التي ينبغي عليه أن يخوضها اليوم هي منافسة مع الحاج بن عبد الله والأحزاب السياسية الصغيرة التي تلج البرلمان من أجل عدم احتلال المرتبة الأخيرة، وليس في تصدر المشهد السياسي والعودة للتدبير الحكومي!.
فمن “حَصَلَ” في تدبير محطة تنظيمية عادية في مسار الأحزاب السياسية، وارتكب أخطاء إدارية ساذجة حرم بها حزبه من الدعم العمومي، بديهي وطبيعي أنه لم يعد يملك أدنى مقومات التدبير التنظيمي فبالأحرى الحكومي.
والظاهر مما سبق، أن أقصى ما يراهن عليه ابن كيران في «مؤتمر الصينية»، هو مواصلة إحتكار القرار التنظيمي للحزب من جديد، وتكريس الجمود، والمضي بما تبقى من العدالة والتنمية نحو مجهول…