بين القطيعة على عهد حكومتي عبد الاله ابن كيران وسلفه سعد الدين العثماني (العدالة والتنمية)، إلى الشراكة، على عهد حكومة عزيز أخنوش.
الرباط – جمال الريفي le12.ma
حقيقة تكرست بعودة “الروح” إلى الحوار الاجتماعي في المغرب تحت سقف الشراكة، بعد أكثر من عقد أو أكثر من التعثر والقطيعة.
لقد شكلت جولة أبريل 2025، محطة من محطات وفاء حكومة تنزيل ركائز الدولة الاجتماعية، بالتزامها بجعل هذا الحوار موعدًا قارًا ضمن أجندتها السياسية والاجتماعية، بعد أن ظل لعقود رهين المناسبات والظرفيات.
ومن أبرز مكاسب هذه الحكومة مأسسة الحوار الاجتماعي، بعد أن عرف تعثّرًا في عهد حكومات سابقة، وتوقفًا شبه كلي خلال الولايتين السابقتين لحزب العدالة والتنمية.
فعلى خلاف الممارسات السابقة التي كانت تؤجل الحوار إلى مشارف فاتح ماي لامتصاص غضب النقابات، حرصت الحكومة الحالية على الحفاظ على انتظام هذا الحوار، وجعله محطة أساسية لمعالجة قضايا الشغل وتحسين الأوضاع الاجتماعية.
وأكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، خلال افتتاح جولة أبريل الجارية، يوم الثلاثاء 22 أبريل 2025، أن الحكومة تعتبر الحوار الاجتماعي “خيارًا استراتيجيًا لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين”، مشددًا على “متانة العلاقة” التي تجمع الحكومة بشركائها الاجتماعيين والاقتصاديين، وابتعادها عن “الطابع الموسمي” في التعامل مع الملفات الاجتماعية.
وأوضح أخنوش أن الحكومة، خلال نصف ولايتها فقط، نجحت في التوصل إلى اتفاقين اجتماعيين “تاريخيين”، نتيجة التزام جماعي ونضج في التعاطي مع القضايا الكبرى، بما يخدم مصالح الشغيلة ويعزز ركائز الدولة الاجتماعية، انسجامًا مع التوجيهات الملكية.
ومنذ تنصيبها، أولت الحكومة اهتمامًا خاصًا للحوار الاجتماعي باعتباره رافعة للسلم الاجتماعي وآلية لتحسين أوضاع الشغيلة. وفي هذا السياق، صرّح أخنوش، خلال جلسة برلمانية في 29 نونبر 2022، أن الحكومة عملت على وضع تصور جديد شامل للحوار الاجتماعي، كخيار توافقي ومقاربة تشاركية تضمن الحكامة والاستدامة.
وقد ساهم هذا النهج في تهدئة الأوضاع الاجتماعية التي كانت متوترة في السنوات السابقة، حيث كانت الاحتجاجات تملأ الشوارع، بسبب غياب قنوات الحوار الفعالة. أما اليوم، فقد أصبح الحوار وسيلة لتقليص التشنجات وبناء توافقات تعزز الاستقرار الاجتماعي وتخلق مناخًا مناسبًا للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.
ومن ثمار هذا التوافق، حسب رئيس الحكومة، بلورة نموذج مغربي للحوار الاجتماعي قائم على الثقة المتبادلة، والرؤية الواضحة، والاستمرارية، مع توسيع دائرة النقاش لتشمل قضايا قطاعية ومجالية، فضلاً عن التأسيس لجيل جديد من التشاور يعزز ثقة المواطنين في المؤسسات.
ويجسد توقيع الميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، بتاريخ 30 أبريل 2024، تتويجًا لهذه الدينامية الجديدة، حيث اعتبره أخنوش دليلاً على “النية الصادقة” لكل الأطراف في الانخراط في مسار إصلاحي جاد بعيدًا عن “الموسمية والاستغلال السياسوي”.
ورغم الكلفة المالية المرتفعة لهذا المسار، والتي بلغت نحو 27 مليار درهم حتى مارس 2024، تواصل الحكومة التزامها بجولاته المنتظمة، في إطار سياسة اجتماعية طموحة تهدف إلى تحسين مستوى العيش والاستجابة للانتظارات.
وفي هذا الإطار، كشف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن الحكومة واجهت منذ الجولة الأولى في فبراير 2022 تحديات جسيمة، حيث قدمت النقابات قائمة بـ78 إجراءً غير مفعل منذ عقود. إلا أن التوافق مع المركزيات النقابية على مأسسة الحوار بلقائين سنويًا، شكّل نقطة انطلاق حاسمة في هذا المسار.
ومن أبرز نتائج هذه المأسسة، إلى جانب ترسيخ السلم الاجتماعي، المصادقة على القانون التنظيمي المؤطر للحق في الإضراب، بعد مشاورات طويلة تحت قبة البرلمان، في انتظار المصادقة المقبلة على مشروع القانون المؤطر للمنظمات النقابية.