ما فشلت فيه الجزائر على مدى سنوات، كاد أن ينجح فيه – ويا للمفارقة – بعض المحسوبين على الصفّ الوطني، حين انزلقوا، عن جهل أو عن سطحية، إلى خطابٍ يربط بين القضية الفلسطينية وملف الصحراء من جهة التضاد.
*ميمونة الحاج داهي
على امتداد العقود التي شغل فيها ملف الصحراء حيزًا من الاهتمام الإقليمي والدولي، لم تألُ الجزائر جهدًا في السعي إلى بناء سردية تُربك التصور العام، عبر ربط هذا الملف – عمدًا – بالقضية الفلسطينية، محاولةً بذلك أن تنقل أثر المشاعر المتراكمة من قضية عادلة إلى ملف لا يمتّ إليها لا في الأصل ولا في السياق ولا في الشرعية بصلة.
منذ البدايات، لم يكن خيار تشابه علم “الجبهة” مع العلم الفلسطيني اعتباطيًا.
لقد كان فعلًا رمزيًا محسوبًا، هدفه التأثير في اللاوعي الجمعي العربي والإسلامي، عبر بثّ تشابهات بصرية تُنشئ ترابطًا ذهنيًا ضمنيًا بين الملفين. فالجزائر تدرك أن الرأي العام العربي شديد الحساسية تجاه قضية فلسطين، ولذلك حاولت استثمار هذا الرصيد العاطفي الكبير لتغليف مشروعها الانفصالي بقداسة لا يملكها، ولتبرير تدخّلها الفجّ في ملف لا يعنيها سياديًا.
لم تكتفِ الجزائر بالرموز البصرية، بل استعارت القاموس السياسي والحقوقي ذاته: “المخيمات” “اللاجئين”، “مساعدات دولية”، “الصليب الأحمر”، “قرارات الأمم المتحدة”، “تقرير المصير ” “المقاومة” “بث الأغاني ذات الطابع الثوري” ” الإحتلال”، حتى الشعارات التي يرفعها الإنفصاليون عبر الشاشات تحيل المتتبع مباشرة إلى مشاهد من فلسطين في محاولةٍ واعية لزرع نوع من التشابه المصطنع مع قضية فلسطين.
وهو أسلوبٌ يهدف إلى تصوير المغرب في دور “المحتل”، وتشبيهه بدولة إسرائيل، في خلطٍ متعمّد للسياقات السياسية والقانونية والتاريخية، وتزييفٍ ممنهج لوقائع الجغرافيا والشرعية الدولية، والهدف عزل المغرب عن العالم الإسلامي والعربي وإضعافه سياسيا قوميا وإقليميا.
لكنّ ما فشلت فيه الجزائر على مدى سنوات، كاد أن ينجح فيه – ويا للمفارقة – بعض المحسوبين على الصفّ الوطني، حين انزلقوا، عن جهل أو عن سطحية، إلى خطابٍ يربط بين القضية الفلسطينية وملف الصحراء من جهة التضاد، معتبرين أن من يناصر فلسطين يخون الوحدة الترابية للمغرب.
لقد أعطى هؤلاء، من حيث لا يشعرون، الذخيرة التي عجز الخصم عن إنتاجها، وقدّموا له ما أراده دومًا: جعل المغاربة يتعاملون مع قضية فلسطين كخصم، في حين أن الرباط لم تكن يومًا سوى عاصمة للموقف الثابت من فلسطين، كما عبّر عنه الملك محمد السادس مرارًا، بصفته رئيس لجنة القدس، وبصفته قائدًا سياسيًا حذرًا في التوازن بين القيم القومية والالتزامات الوطنية.
القضية الفلسطينية، في وجدان المغاربة، ليست عبئًا على ملف الصحراء، بل جزء من نسق أخلاقي راسخ، لا ينبغي أن يُستخدم كفزاعة ولا كأداة ابتزاز.
وفي المقابل، فإن ملف الصحراء المغربية هو قضية سيادة وطنية كاملة، مؤيدة بمرجعيات قانونية وتاريخية، لا تحتاج إلى استعارات خارجية لتبريرها، بل إلى صلابة الخطاب، واتزان الفعل، ووحدة الجبهة الداخلية.
من الخطأ الفادح أن ننساق إلى معادلات زائفة يصوغها الآخر، ثم نتبنّاها ونغذّيها.
فبين أن يُستخدم علمٌ مزوّر لتشويش الإدراك، وبين أن يتطوّع البعض لهدم الثوابت الوطنية من داخلها، تضيع البوصلة ما لم نتحصّن بالوعي العميق بالسياقات، وبالتفريق بين القضايا العادلة والمشاريع المصطنعة.
لقد آن الأوان لتفكيك هذه اللغة المسمومة التي تخلط الأوراق، فلا نكون جسرًا يعبر عليه الخصم ليبلغ هدفه، ولا سلاحًا يُشهره بعض الجهلة في وجه وطنهم، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا.