لاتدع قناة الجزيرة التابعة لحكومة قطر كبيرة المستثمرين في الموانئ  الاستراتيجية عبر العالم، فرصة تمر دون أن  تطلق حملات شحن أدمغة بعض شباب المغرب، من أجل الاحتجاج ضد رسو سفن معينة في موانىء مغربية بعينها. 

حملات قناة الجزيرة ومنصاتها، إتخذت خلال الايام الماضية، طابعا يمكن وصفه ب “التحريضي” لدفع تيارات معينة في المجتمع المغربي إلى الاحتجاج على  رسو سفن شركة ميرسك الدانماركية للملاحة البحرية، تحت ذريعة شحنها أسلحة نحو جيش الكيان. 

في الجزء الثاني من هذا التقرير، يضع الكاتب الصحفي  والخبير الإعلامي الدكتور أحمد الدافري، قضية سفن الموانئ المغربية وخلفيات شحن أدمغة بعض شبابنا للاحتجاج.. تحت إضاءات حجاجية في محاولة للفهم.  

غرافيك الجزيرة يفضح خلفيات التحريض ضد الموانيء المغربية
غرافيك الجزيرة يفضح خلفيات التحريض ضد الموانيء المغربية

*تقديم : le12.ma 

تحرير: الدكتور أحمد الدافري

“عندما يتم ذر الغبار في عيون الأتباع بواسطة الإشاعات، ويتحولون إلى أسلحة عمياء لكسب معارك لا يعرفون فصلها ولا أصلها”. 

ملحوظة هامة :  من أجل التمهيد لفهم طبيعة الصراع بين شركة QTerminals القطرية وشركة ميرسك Mearsk  الدنماركية، يُرجي الاطلاع على المعطيات الواردة في الجزء1. 

لماذا هناك هجوم في المغرب على شركة ميرسك للملاحة البحرية من قِبل جماعات يتم شحنها بأخبار لم يعط أي أحد دليلا واحدا على صحتها، وهي أخبار تدخل في إطار الإشاعات التي تعد واحدة من أخطر الأسلحة في مجال الحرب الإعلامية المرتبطة بالحروب السياسية والاقتصادية والإيديولوجة، وهي أداة قاهرة في مجال البروباغندا، كما نظّر لها وأصّل لها الأمريكي إدوارد بيرنيز، الذي أٌطلق عليه لقب “أب البروباغندا” بعد أن أصدر كتابه PROPAGANDA  سنة 1928، وأثر من خلاله بشكل كبير على العلوم الاجتماعية وعلى أدب التلاعب النفسي بالجماهير عن طريق تقنيات التواصل العام؟.

ربما أن عددا من التنظيمات النقابية والجماعات السياسية في المغرب، وهي تحرك عناصرها من أجل الاحتجاج على شركة ميرسك الدنماركية التي هي واحدة من أكبر شركات الملاحة العالمية التي تستثمر في ميناء طنجة المتوسط وفي ميناء مدينة الدار البيضاء بدينامية كبيرة، تفعل ذلك وفق منظور عاطفي صرف، يجعلها مجرد أدوات تتحرك بوعي أو بدون وعي،  لتأجيج حرب اقتصادية كبيرة دائرة حاليا بين الشركات الدولية الكبرى المستثمرة في قطاع الموانئ العالمية، ومن بين هذه الشركات المتنافسة بشراسة في قطاع الموانئ العالمية، هناك كما أسلفنا في الجزء الأول، شركة Qterminals القطرية، التي تملك نسبة 90 % من حصة شركة Kramer الألمانية في محطات ميناء روتردام الهولندي، والتي تخوض حاليا منافسة شرسة مع شركة Mearsk الدنماركية التي سنعطي في هذا الجزء معطيات منقولة من مواقع الموانئ العالمية ومن أخبار تم تداولها في جرائد متخصصة في التجارة الدولية وفي تتبع أخبار الشركات المستثمرة في قطاع الموانئ في العالم. 

ما تم ترويجه حول نقل سفن شركة ميرسك الدنماركية التي ترسو في ميناء طنجة المتوسط وفي ميناء الدار البيضاء، لأسلحة وقطع غيار في اتجاه الشرق الأوسط لفائدة إسRائيل، هو إلى حد الآن مجرد إشاعات،  مادام لم يعط أي أحد الدليل بعد على أن الأمر يتعلق بأخبار صحيحة، ولم يكشف أي أحد بالوثائق أو بتسجيلات مصورة صحيحة وغير مفبركة على أن  سفن ميرسك تقوم بنقل الأسلحة المزعومة لممارسة الإبادة. 

التقنية المستعملة في إشاعات من هذا القبيل هي اللعب على الجانب العاطفي المتصل مباشرة بالدين وبالقومية، العمل على إثارة العواطف وتصعيد مشاعر الكراهية ضد الشركة الدنماركية، وهي شركة عالمية كبرى لديها اسثمارات هائلة في ميناء روتردام وتمثل المنافس الشرس لشركة كيوتيرمينالز QTerminals القطرية.  

 شركة ميرسك الدنماركية التي تملك سفنًا وتقوم بعمليات نقل السلع والبضائع عبر موانئ العالم، تدير أيضا محطات حاويات في العديد من الموانئ الرئيسية حول العالم من خلال ذراعها المتخصص في إدارة الموانئ APM Terminals.

 المعطيات المتوفرة في تقارير عدد من الموانئ العالمية، توضح أن ميرسك هي شركة عالمية رائدة في إدارة وتشغيل محطات الحاويات عبر شركة APM TERMINALS التابعة لها، والتي تقوم بتصميم وبناء وتشغيل مجموعة واسعة من المحطات البحرية والبرية، بالإضافة إلى تقديم عدد من الخدمات المتعلقة بالموانئ، حيث تتولى مسؤولية التخطيط والتنفيذ والمراقبة بالنسبة إلى كل عمليات تحميل وتنزيل الحاويات من وإلى السفن، وتقدم خدمات لوجستية كثيرة داخل الميناء وخارجه، منها التخزين، والنقل الداخلي، وخدمات القيمة المضافة من قبيل فحص الحاويات وإصلاحها. وتقوم أيضا بتنظيم وإدارة فضاءات تخزين الحاويات، وتستثمر في أحدث المعدات والتقنيات لضمان كفاءة وسلامة العمليات، مثل الرافعات الجسرية وأنظمة إدارة المحطات الرقمية، وتعمل بتنسيق وثيق مع شركات الشحن، والجمارك، والسلطات المينائية الأخرى لضمان انسيابية حركة البضائع.

هذه معلومات متوفرة عن هذه الشركة وموجودة في المواقع الإلكترونية المتخصصة في مواكبة أخبار شركات الملاحة البحرية والشركات المشرفة على إدارة المحطات البحرية في الموانئ. 

إن شركة ميرسك، من خلال APM Terminals، تؤدي وظيفة حيويًة في إدارة وتشغيل جزء كبير من البنية التحتية للموانئ العالمية، وهو ما يساهم بشكل كبير في تسهيل حركة التجارة الدولية وتقديم خدمات لوجستية متكاملة.

في المغرب، APM Terminals التابعة لشركة ميرسك، تدير محطة حاويات حديثة ومتطورة في ميناء طنجة المتوسط (Tanger Med)، وهي من أكبر وأهم المحطات في البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، حيث تقوم بتشغيل محطات (APM Terminals MedPort Tangier و APM Terminals Tangier)، وتقوم في الدار البيضاء بتشغيل محطات  (APM Terminals Casablanca). 

إن APM Terminals التابعة لشركة ميرسك تٌعدّ مساهمًا رئيسيًا في ميناء الدار البيضاء وهي المشغل الرئيسي للمحطة المعروفة باسم TC3 (المحطة à Conteneurs 3)، حيث تقوم الشركة في هذه المحطة بتحميل وتفريغ الحاويات من السفن، وبتخزين الحاويات داخل المحطة، وبتنظيم حركة الحاويات داخل المحطة، وبإدارة رسو السفن ونقل البضائع، وبالتحكم في دخول وخروج الشاحنات والبضائع، وبضمان جاهزية الرافعات والشاحنات والمعدات الأخرى للعمل، وبتطبيق بروتوكولات السلامة والأمن والحفاظ عليها داخل المحط، وهي معلومات موجودة في موقع الشركة حول المهام التي تقوم بها في ميناء الدار البيضاء من خلال محطة TC3.

وبذلك تُعتبر ميرسك شركة ذات استثمارات قوية في قطاع الموانئ المغربية، وهي موانئ تعتبر محورية بالنسبة إلى التجارة البحرية في المنطقة.

وفي الوقت الذي استطاعت فيه شركة ميرسك عبر ذراعها الإداري APM Terminals أن تجد لها موطئ قدم في الموانئ المغربية، فإن شركة QTerminals القطرية التي تشرف على إدارة وتشغيل ميناء حمد في قطر، راهنت على الاستثمار في موانئ أوروبية، منها ميناء أولفيا OLVIA بأوكرانيا الذي وقعت بخصوصه سنة 2020 مع أوكرانيا اتفاقية امتياز مدتها 35 سنة على أساس أن تستثمر فيه مبلغ 140 مليون دولار لتطوير البنية التحتية من خلال إنشاء محطات جديدة، منها محطة للحبوب، ومبلغ 3،5 مليون دولار خصصتها للبنية التحتية لمدينة MyKOLAIV ميكولايف حيث يوجد الميناء. 

وكما ذكرنا في الجزء 1، كانت شركة  QTerminals القطرية  قد استحوذت على 90 % من حصة مجموعة كرامر Kramer Group الألمانية في ميناء روتردام في شهر غشت 2023، بمبلغ لم يتم الكشف عنه، علما أن مجموعة كرامر الألمانية المتخصصة في تشغيل وإدارة المحطات في الموانئ، كانت تحقق أرباحا كبيرة أعلنت عنها في نهاية سنتها المالية قبل أن تشتري الشركة القطرية 90 في المئة منها.

وزيادة في المعلومات التي تفيد بأن قطر تهتم بالاستثمار في قطاع الموانئ العالمية، وخصوصا الموانئ الموجودة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، نجد مقالا باللغة الإنجليزية صدر بتاريخ 22 أكتوبر 2020 في موقع “الدوحة نيوز DOHANEWS ” 

 مقالا بعنوان :

A $140m deal to purchase Turkey’s Port Akdeniz was signed with Qatar’s QTerminals. 

أي : “تم توقيع صفقة بقيمة 140 مليون دولار هي قيمة الصفقة التي وقعتها الشركة القطرية QTerminals لشراء ميناء أكدنيز التركي”

وهو خبر موجود في الكثير من المواقع والمنصات الإخبارية باللغة الإنجليزية. 

المبلغ الذي اشترت به شركة QTerminals  القطرية حصة 90% من شركة كرامر الألمانية التي تدير وتشغل محطات في ميناء روتردام الهولندي لم يتم الإعلان عنه من أية جهة، ويبقى غير معلوم. 

لكن الأساس، هو أن الشركة القطرية وجدت نفسها تشتغل في ميناء روتردام إلى جانب الذراع الإداري APM TERMINALS لشركة ميرسك الدنماركية، في مناخ تسوده منافسة قوية، وهي منافسة متعددة الأوجه، منها المنافسة على استقطاب شركات الشحن العالمية بما في ذلك سفنها، لاستخدام محطات الشركتين في ميناء روتردام الذي يعتبر مركزاً بحرياً رئيسياً في أوروبا، تدير فيه APM TERMINALS التابعة لشركة ميرسك محطة متطورة هي  APM Terminals Maasvlakte II، القادرة على استقبال أكبر سفن الحاويات وتقديم خدمات متكاملة، بينما شركة QTERMINALS القطرية من خلال استحواذها على  Kramer Group فهي تُشغّل محطتين اثنين هما :

 Rotterdam Container Terminal – RCT

 و Delta Container Services – DCS

بالإضافة إلى مستودعات متعددة، وهي تنافس بهما الشركة الدنماركية على جذب شركات الشحن، وكل شركة منهما تسعى لإبراز مزايا محطاتها من حيث الكفاءة التشغيلية، وسرعة المناولة، والقدرة الاستيعابية، والموقع الاستراتيجي داخل الميناء لجذب المزيد من السفن والتعامل مع أحجام أكبر من الحاويات، زيادة على المنافسة بينهما على مستوى أسعار الخدمات وجودتها في أحد أهم الموانئ في العالم.

إن تقنية دفع المغاربة إلى التهجم على شركة ميرسك الدنماركية والاحتجاج ضدها باعتبار أنها ترسو بسفنها في ميناء طنجة المتوسط وعلى متنها أسلحة إبادة، هي تقنية تدخل في إطار الحروب الاقتصادية الكلاسيكية المعروفة، التي يتسبب فيها التدافع لتحقيق الربح من الرأسمال العابر للقارات، وتترتب عن التهافت على الأسواق والتسابق على جلب العملاء الذين يحتاجون إلى خدمات الشركات المتنافسة فيما بينها. 

مع بداية هذه السنة، تم تطبيق القانون الأوروبي الجديد على الموانئ الأوروبية، الذي أصبحت سفن شركات الشحن والتفريغ بمقتضاه ملزمة بأداء ضرائب جديدة للموانئ الأوروبية على انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وهي ضرائب عالية ومنهكة. 

هذا القانون كما أسلفنا في الجزء الأول ليس في مصلحة الشركات التي تدير محطات في موانئ أوروبية، مثل شركة QTerminals القطرية التي تملك محطات وتديرها وتشغلها في ميناء روتردام الهولندي، وميناء أكدنيز AGDENIZ التركي، وليس حتى في مصلحة شركة ميرسك Maersk الدنماركية بحكم أن  شركة  APM TERMINALS التابعة لها تملك محطات في روتردام، حيث منذ تطبيق قانون الضريبة على انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على موانئ أوروبا، أصبحت شركات نقل السلع عبر البحر تبحث عن محطات في موانئ أقل تكلفة، وهي تتنقل في ممرات العبور البحري بين أمريكا وأوروبا وآسيا، منها ميناء طنجة وميناء الدار البيضاء، اللذان تملك فيهما شركة ميرسك محطات تقوم بإداراتها وتشغيلها، بأسعار تفضيلية.

المعلومة الهامة التي ينبغي ذكرها في علاقة مع الهجمة التي تتعرض لها شركة ميرسك في طنجة والدار البيضاء، هي أن ميناء روتردام يشهد يوميا رحلات عبر سفن تقوم بنقل السلع ذهابا وإيابا بين ميناء روتردام في هولندا وإS رائيل. 

 إن عددا من خطوط الشحن التي تعمل بين ميناء روتردام وميناء حيفا، وتنقل البضائع المعبأة في حاويات وغيرها من البضائع بين الميناءين، تستخدم محطات أو خدمات مجموعة كرامر kramer التي أصبحت معروفة الآن باسم كيو تيرمينلز كرامر روتردام، والتي هي مملوكة بنسبة 90% لقطر. 

ومن بين خطوط الشحن المعروفة بتقديم خدماتها بين روتردام وحيفا هناك :

● شركة زيم ZIM لخدمات الشحن المتكاملة (زيم): وهي  شركة شحن إSرا ئيلية، وتعتبر فاعلا أساسيا في المسارات التي تربط إS رائيل بأوروبا، بما في ذلك روتردام، ويمكن الاطلاع على جداول رحلات زيم على موقعها الإلكتروني لمعرفة المحطات التي تتوقف فيها في روتردام.

● شركة MSC إم إس سي (شركة الشحن المتوسطي): تقوم برحلات بين ميناء حيفا وميناء روتردام، وهي عميل رئيسي للعديد من مشغلي المحطات في ميناء روتردام، ومنها محطات كيوتيرمينالز القطرية.

● شركة HAPPAG LLOYD هاباغ لويد: وهي شركة ألمانية لديها خط بحري يربط روتردام بحيفا، وهي عميل لمرافق كيو تيرمينالز القطرية في روتردام.  

●  توركون لاين Turkon Line وهي شركة تركية تتعامل في ميناء روتردام مع محطات شركة كيوتيمينالز القطرية، وتقوم برحلات من روتردام إلى ميناء حيفا وميناء أشدود في إ S رائيل، ولديها في هذين المدينتين وكيل مكلف بأعمالها، هو شركة TIRAN SHIPPINH. 

(انظر الصورة 👇).

هذه كلها معطيات ينبغي أخذها بعين الاعتبار قبل الانقياد للعواطف، ولكي تكون الرؤية واضحة حول هذا الصراع الذي تدور رحاه بشراسة بين الشركات العالمية المتنافسة فيما بينها في قطاع الموانئ، وهي معطيات مادية وملموسة ومسجلة في المواقع المتخصصة في أخبار شركات الملاحة البحرية وفي مواقع الموانئ المذكورة، وفي مواقع الجرائد المهتمة بهذا المجال، وليست مجرد إشاعات الهدف منها التضليل أو تصفية حسابات أو زرع الفتنة والبلبلة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *