كشفت تقارير علمية، أن شجرة البرتقال تستهلك  ما بين 20 إلى 50 لترًا من الماء كل 3 أيام، حسب الموسم. فلطالما كانت أشجار البرتقال رمزًا لفلاحة مدينة سيدي سليمان، نظرًا لتكيّفها مع مناخ المنطقة وتربتها الخصبة.

وتقع مدينة سيدي سليمان وسط سهل الغرب، فهي مدينة فلاحية بامتياز، أين يقف البرتقال والأفوكادو فيها على طرفي نقيض، فاكهتان تتصارعان، واختيار تفرضه الأرض، الفاكهة الأولى متجذّرة في تاريخ المنطقة وتُروى باعتدال، والثانية وافدة تُدرّ أرباحًا عالية لكنها تُروى بالعطش وتستهلك من الماء ما لا تحتمله الأرض.

فهل تستمر المنطقة في سباق الربح السريع مع “الذهب الأخضر”؟ أم تعود إلى البرتقال كخيار بيئي واقتصادي أكثر توازنًا؟

وفي أطار مشاركتهم في برنامج الصحافيون الشباب من أجل البيئة، قام تلاميذ مؤسسة   Anassys 2 privé بإنجاز تقرير يكشف الحقيقة بالأرقام، بالشهادات، وبالصورة… ويضع الزراعة في ميزان الماء.

البرتقال: هوية فلاحية راسخة

وفق تقارير محلية، تستهلك شجرة البرتقال ما بين 20 إلى 50 لترًا من الماء كل 3 أيام، حسب الموسم. فلطالما كانت أشجار البرتقال رمزًا لفلاحة مدينة سيدي سليمان، نظرًا لتكيّفها مع مناخ المنطقة وتربتها الخصبة. هذه الزراعة التقليدية مثّلت لسنوات طويلة مصدر رزق قارّ للفلاحين، وتغذت عليها الصناعات التحويلية والأسواق الداخلية والخارجية، خاصة في قطاع التصدير.

الأفوكادو: بين الأرباح العالية… واستنزاف الماء

خلال السنوات الأخيرة، شهدت سيدي سليمان تحولًا واضحًا نحو زراعة الأفوكادو، الفاكهة الفاخرة التي يُطلق عليها لقب “الذهب الأخضر”، لكن هذا التحول لم يأتِ دون كلفة باهظة: إذ يحتاج كل كيلوغرام من الأفوكادو إلى حوالي 1000 لتر من الماء، ما جعلها واحدة من أكثر الزراعات استنزافًا للفرشة المائية في المنطقة.

تُقدّر كمية الماء المستهلكة في زراعة الأفوكادو بالمغرب بنحو 70 مليار لتر سنويًا.

مقارنة مباشرة: من يربح معركة الماء؟

يتّضح من المقارنة أن البرتقال خيار أكثر استدامة في ظل التغيرات المناخية.

ناقوس الخطر: أزمة مائية خانقة

تعيش مدينة سيدي سليمان اليوم على وقع أزمة مائية متفاقمة، فقلة التساقطات، والاعتماد على مياه الآبار وغياب سياسات فلاحية مائية رشيدة، كلها عوامل أدت إلى تراجع منسوب الفرشة المائية. وقد ناقشت ندوة علمية محلية هذا الإشكال بعنوان: “الجفاف وندرة المياه بالمغرب”، مطالبة بإعادة النظر في أنماط الزراعة المعتمدة.                      

صورة من الواقع: عندما تتحدث العدسة

لتقريب الصورة أكثر من القارئ، أعدّ تلاميذ مؤسسة أناسي 2 الخصوصية فيديو ميدانيًا ضمن مشاركتهم في برنامج “الصحافيون الشباب من أجل البيئة”.

يوثّق الفيديو بالصوت والصورة واقع زراعة الأفوكادو في سيدي سليمان، ويبرز عبر شهادات حقيقية حجم الاستنزاف المائي والخطر المحدق بمستقبل الفلاحة في المنطقة

العودة إلى البرتقال: خيار استراتيجي للمستقبل

أمام هذا الوضع البيئي المقلق، يقترح الفريق الصحفي من مؤسسة  Anassys 2 privé زراعة البرتقال كبديل ذكي يجمع بين الفعالية الاقتصادية والمرونة البيئية، لأنه:

– يوفر دخلًا مستقرًا للفلاح؛

– يستهلك كميات ماء أقل؛

– يتماشى مع هوية سيدي سليمان الفلاحية؛

– يحظى بطلب محلي وخارجي دائم.

خارطة طريق لإنقاذ ما تبقى من الماء

فيما يلي مجموعة من التوصيات التي يقترحها الخبراء والفاعلون البيئيون:

1- تنويع المزروعات لتفادي الاعتماد على محاصيل تستهلك الماء الكثير.

2- اعتماد الري بالتنقيط والتكنولوجيا الذكية في التسيير الفلاحي.

3- تكوين الفلاحين حول تقنيات الزراعة المستدامة.

4- سنّ قوانين صارمة لتنظيم استعمال المياه الجوفية.

5- تحفيز الانتقال إلى الزراعة البيئية عبر دعم مالي مباشر.

فلاحة تحترم الحياة

في سيدي سليمان، كل قطرة ماء مهدورة هي تهديد لحياة الأرض، صحيح أن الأفوكادو يدرّ مالًا، لكنه يترك خلفه أرضًا عطشى.

أما البرتقال، فثمارُه أقل ربحًا لكنه لا يخذل التربة… ولا يُعطّش الأجيال القادمة. فالزراعة ليست تجارة فقط، بل مسؤولية. ومن لا يحمي الماء اليوم… لن يزرع شيئًا غدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *