وفي هذا السياق، يبرز كذلك سؤال مشروع: أين هي بعثة المينورسو؟ ولماذا تصمت عن هذا الانتهاك الجسيم، في الوقت الذي يحاول فيه النظام الجزائري بشتى الطرق الضغط داخل مجلس الأمن لتوسيع صلاحيات البعثة الاممية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية؟ .
*وليد كبير
في تصعيد خطير وغير مسبوق، شهد مخيم “الداخلة” الواقع على بُعد 178 كيلومترًا جنوب شرق مدينة تندوف أمس حادثة دامية تمثلت في إطلاق نار مباشر من قبل عناصر من الجيش الجزائري على مدنيين عُزّل من سكان المخيم، الخاضع لسيطرة جبهة البوليساريو الانفصالية.
اُرتكبت الجريمة البشعة داخل المخيمات، حيث أطلق النار وسط أحياء سكنية في منطقة ما بين دائرة العرگوب واجريفية بمخيم الداخلة، خلال مطاردته لبعض المنقبين.
وقد أسفر العمل الهجمي عن مقتل شخصين أحدهما المسمى سيد احمد غلام بلالي، فيما الآخر من جنسية موريتانية، وتمت اصابة عشرة أشخاص آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، وسط حالة من الذعر والرعب عمّت سكان المخيمات، خصوصاً النساء والأطفال.
الحادث وثّقته مقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع، خلّف صدمة عنيفة داخل المخيمات وفجّر موجة غضب شعبية خرجت على إثره احتجاجات غاضبة تطالب بمحاسبة الجناة، بل وذهب بعض الأهالي إلى التهديد بكسر الطوق الأمني المفروض عليهم والتوجه جماعيًا نحو الأراضي المغربية طلبًا للأمن والحرية.
ما يزيد من حساسية الموقع الذي عرف الحادثة، هو قرب مخيم الداخلة من منجم “غارا جبيلات” الغني بالحديد، والذي شرع النظام الجزائري مؤخرًا في التحضير لاستغلاله اقتصاديًا، في خرق واضح للمعاهدة الدولية التي وقعها مع المغرب سنة 1972.
هذا التطور الخطير تجلٍّ جديد لحالة الانفجار الاجتماعي والسياسي في صفوف ساكنة مخيمات تندوف، الذين بدأوا يدركون أنهم مجرد أوراق تُستغل في لعبة إقليمية قذرة.
تسجيلات الفيديو التي انتشرت كالنار في الهشيم، تكشف عن مناخ الرعب والخوف والاحتقان الشعبي، حيث سُمع صوت إطلاق النار، وصيحات الاستغاثة، وصرخات الغضب التي وُجهت مباشرة إلى الجيش الجزائري، باعتباره المسؤول الأول عن قمعهم وتجويعهم وعزلهم عن العالم لعقود.
كما رُفعت شعارات سخط تُدين جبهة البوليساريو باعتبارها واجهة مزيّفة لسلطة عسكرية جزائرية تُسيطر على المخيمات بالحديد والنار من اجل ابقاء صراعها المزمن مع المغرب.
هذه الحادثة، التي تُعد من أخطر الانتهاكات الميدانية في تاريخ النزاع حول الصحراء المغربية، تُسلّط الضوء من جديد على الوضع الكارثي واللاإنساني في مخيمات تندوف، حيث لا وجود لأي حماية قانونية أو رقابة دولية فعلية، في ظل استمرار الجزائر في التنصّل من مسؤولياتها الدولية تجاه من تحولوا إلى رهائن في قبضة مليشيا مسلحة مدعومة من نظام حكم يقدم نفسه كداعم لما يسميه زورا وبهتانا “حق تقرير مصير الشعب الصحراوي“.
وما يُثير الصدمة أكثر، هو الصمت المطبق من طرف النائب العام لدى محكمة تندوف، الذي لم يحرّك ساكنًا ولم يفتح أي تحقيق رسمي حول الحادث، وكأن دماء المدنيين لا تستحق العدالة في نظر مؤسسات الدولة الجزائرية.
هذا التجاهل القضائي يُرافقه تعتيم إعلامي ممنهج، حيث لم تُشر الصحافة الجزائرية الرسمية ولا الخاصة بأي شكل إلى هذا الحادث الخطير، رغم تداوله على نطاق واسع بوسائل التواصل الاجتماعي وعبر الإعلام الدولي، وهو ما يعكس حجم الرقابة المفروضة على كل ما يتعلق بمأساة مخيمات تندوف.
وفي هذا السياق، يبرز كذلك سؤال مشروع: أين هي بعثة المينورسو؟ ولماذا تصمت عن هذا الانتهاك الجسيم، في الوقت الذي يحاول فيه النظام الجزائري بشتى الطرق الضغط داخل مجلس الأمن لتوسيع صلاحيات البعثة الاممية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية؟ .
أليس الأولى أن تبدأ هذه الرقابة من داخل مخيمات تندوف التي تعاني منذ عقود من التعتيم، والانتهاكات، وغياب أي حضور أممي فعّال يكشف الحقيقة ويفضح الممارسات البغيضة؟!.
سياسيًا، يضع هذا التطور الجزائر في مأزق دولي وأخلاقي حاد، خصوصا مع التهديدات الصريحة التي أطلقها سكان المخيم بالتوجه نحو المغرب، ما يُعد تحولا رمزيًا عميقًا في وعي الساكنة التي ظلت لسنوات رهينة خطاب الانفصال والتضليل.
فحين يبدأ أبناء المخيمات في المطالبة بفتح الحدود نحو المغرب، فهو الانهيار التام لدعاية البوليساريو ويُصبح الحديث عن ما يسمونه بـ “الاحتلال المغربي” مجرد كذبة تطلقها بروباغندا الإعلام الجزائري.
إن ما جرى في مخيم الداخلة ليس مجرد حادث معزول، بل يحمل شرارة انفجار أكبر، قد يُعيد تشكيل خريطة النزاع حول الصحراء المغربية، ويُعجّل بتفكك منظومة “التحكم بالمخيمات” المجسدة في حركة ارهابية بنت وجودها لعقود على القمع، والتجويع، والتضليل.
وعلى المجتمع الدولي اليوم تحمل المسؤولية الأخلاقية لمساءلة الجزائر عن هذه الجريمة، ومطالبتها بفتح المخيمات أمام لجان التحقيق المستقلة، والكفّ عن استغلال ساكنتها كرهائن في لعبة جيوسياسية مكشوفة.
*صحفي جزائري