خصصت إفتتاحية جريدة الإتحاد الاشتراكي، كامل مساحتها لتقديم رد سياسي على منتقدي إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الإتحاد الإشتراكي، على خلفية موقفه من المقاومة الفلسطينية وحماس واسر.ائيل.

وتعميما للفائدة تعيد جريدة le12.ma، نشر «رسالة الإتحاد»، نقلا عن لسان حزب الإتحاد الاشتراكي. والبداية من هنا:

اختار الكاتب الأول للاتحاد،الأستاذ إدريس لشكر، مناسبة لقائه بالصحافة، مساء يوم الأربعاء الماضي، لكي يقدم رؤية حزب القوات الشعبية حول القضايا التي تشغل الرأي العام الوطني، وفي قلبها القضية الفلسطينية، التي جعلها الاتحاد الاشتراكي، على غرار الشعب المغربي قاطبة وملكه، قضيةً وطنية على قدم المساواة مع قضيته الترابية.

حق المقاومة وحقيقة الميدان

واختار أن يقول على مضض وبِلُغة واصفةٍ، أن ما تعيشه القضية منذ سابع أكتوبر 2023 يعد، في تقدير تاريخ القضية نفسها، «نكسة  عميقة».

1ـ هل كان إدريس لشكر هو أول من استعمل مصطلح «النكسة» ورديفتها «النكبة» في توصيف الحال الفلسطيني، حالتنا جميعا معها، بعد حرب الإبادة والجريمة؟

أبدا ! لقد قالها الكثيرون، منظمات وهيئات وأفرادا، وصدرت بيانات تنبه إلى توفر كل شروط نكبة أربعينية جديدة تفقد فيها فلسطين ما تبقى من أرضها، أو يدخل شعبها إلى نفق الجحيم واللجوء مجددا بما لم يسبق له مثيل. ويكفي العودة إلى كل الأدبيات التي رافقت عودة دونالد ترامب وسياقات تقديم اقتراحه بتهجير أهل غزة والضفة.

هل كان الوحيد الذي هاله الدمار الذي حدث، وما ترتب عنه من تراجع في ترتيب القضية على سلم الأولويات في العالم وفي المنطقة 

أبدا! لقد كان أول من سبقه إلى ذلك هو أول رئيس للمكتب السياسي لحماس نفسها في الفترة 1992(  ـ1996) ورئيس مكتبها في العلاقات الخارجية اليوم السيد موسى أبو مرزوق الذي أدلى بعد الهدنة، وقبل استئناف الحرب، بتصريح نقلته كل المنابر الدولية، مفاده بأنه لم يكن «ليدعم هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل، لو كان يعرف الدمار الذي سيخلفه على قطاع غزة»! .

وقال أبو مرزوق في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”( نقلناها عن صحيفة القدس وقناة روسيا اليوم، يوم  24.02.2025  ) ، إنه «لم يكن ليدعم الهجوم لو كان يعرف الفوضى التي سيخلفها على غزة». وقال إن «معرفة العواقب كانت ستجعل من المستحيل عليه دعم الهجوم».أليس في هذا استشعار للنكسة ولحجمها الرهيب؟

2ـ  كان الموقف المعبر عنه من طرف قائد الاتحاد، في عمقه، الشكل البلاغي لصرخة من الأعماق، أكثر منه مجرد تصريح سياسي محايد ، بارد ومتعالٍ، وإنْ استوفى كل عناصر التحليل  الجيوسياسي المبني على التقدير الموضوعي .

كانت صرخة تعبر عن انحياز صاحبها إلى الشعب الضحية، إلى شهدائه، لا سيما الأطفال والنساء منهم، ومشرديه ومعطوبيه وكل أبنائه المهددين اليوم بالتهجير.

 ولعل من عناصر التفكير :أن المراهنة على فعل المقاومة المشروع، كان الهدف منه إعادة ترتيب الأولويات في الشرق الأوسط، بما يجعل القضية في صدارة الاهتمام الدولي.

وكان من عناصر التحليل كذلك أن فتح جبهات متعددة ضد إسرائيل، سيخلق موازين قوة لصالح الشعب في غزة والضفة والقدس، ويخرج الفلسطينيين من الدونية الاستراتيجية، وكان من عناصر تقدير الموقف كذلك، أن السجون الإسرائيلية سيتم تبييضها بالكامل من الأسرى الفلسطينيين.؟

هل حصل ذلك ؟

لسنا في موقع أن نعطي للفلسطينيين دروسا، كما هي عادتنا، ولا أن نملي عليهم شبكة القراءة التي يجب الانقياد لها، ولكن التوصيف قد  يجعل من يعارض قيادة الاتحاد نفسه، إذا صدقت النية، يتفق معها .

فالصورة الواضحة التي نرى هي أن المقاومة ذاتها فقدت كل قيادتها، بمن فيها الموجودة في الصف الثاني، وحزب الله لا يختلف وضعه عن وضع «حماس»، والمشهد السياسي صارت كل موازينه مختلة لصالح الاحتلال مما يعقد من صعوبة العمل الوطني الفلسطيني.

كان طبيعيا على مناضل اتحادي، في القيادة كما في القاعدة، أن يستشعر الحاجة إلى القول بأن الدم الفلسطيني النفيس والغالي لا يقبل التبذير في أية تجريبية ثورية تغفل بيان النتائج  !

3- هل أسقط إدريس لشكر صفة المقاومة عن أي فصيل، هل هلل لانتصار اليمين الفاشي في إسرائيل ؟

حاشا:

لقد تعلم الكاتب الأول ومعه كل الاتحاديين والاتحاديات من تاريخ حركتهم الخاص بأن الشهداء دوما على حق! وأن الأحياء مطالبون بواجب التقدير الجيد لثمن استشهادهم.

ولهذا كان لكل كلامه معنى واحد هو أن الاحتلال لا يجب أن يخرج منتصرا، وأن الواجب الكفاحي والإنساني، يقتضي العمل من أجل أن تعود موازين القوة لصالح فلسطين بوسائل أخرى قد تكون امتدادا للوسيلة العسكرية كما قد تكون بديلا لها.كما في كل معارك التحرر الوطني.

بيد أن الفلول التي لم تكن أبدا صادقة في تقدير مواقف الاتحاد على مدى عقود وقبل هذا اليوم، وتعودت تبخيس مواقف القوي التقدمية   ، لم تر حقيقة الموقف، بل أشهرت الرايات السوداء التي حركتها رياح الحقد ونفخت فيها النوايا السيئة.

والحال أنه كان يكفي العودة إلى تصريح الكاتب الأول للاتحاد، في أول يوم من بعد سابع أكتوبر، وقتها والكثيرون في العالم يسبحون في موجة التعاطف مع شعب إسرائيل ودولته، فيما آخرون تحت الصدمة . يومها كان الكاتب الأول للاتحاد واضحا في انحيازه وصرح بما نشرناه في عدد الجريدة بتاريخ9. أكتوبر 2023 تحت عنوان.:«.الكاتب الأول للاتحاد إدريس لشكر يحمل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة مسؤولية انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة.

ويحذر من دفع المدنيين الثمن»، وفيه قال إدريس لشكر :إن تنكر دولة الاحتلال لحقوق الفلسطينيين وانغلاق أفق التسوية السياسية ووأد آمال السلام وغطرسة قوات الاحتلال والمستوطنين بفرض الإجراءات الأحادية الجانب وتمدد الاستيطان والضم واستهداف المدن والمخيمات الفلسطينية بالاقتحامات اليومية والاغتيال والاعتقال، والانتهاكات اليومية ضد المقدسات الدينية المسيحية والإسلامية وخاصة في القدس، قد وضع المنطقة على فوهة بركان كان انفجاره حتميا». وبعدها توالت المواقف، الصادرة عنه أو عن المكتب السياسي أو عن الهياكل التنظيمية الأخرى في حزب القوات الشعبية..

4ـ لقد أثبت الكاتب الأول للاتحاد، خلال اللقاء الإعلامي المذكور أعلاه، ثباته في الانحياز لقضية الشعب الفلسطيني الأعزل، الذي استفردت به قوات الاحتلال، تقتيلا وإبادة وتجويعا وتشريدا، متهما رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو وفريقه اليميني الفاشي،. وككل سياسي لا يدس رأسه في الرمال.

ويملك من الشجاعة ما يكفي في طرح السؤال عندما تكون عاطفة وضمير الشعب المغربي، في قلب المعادلة، عبَّر عن المواقف التي يراها ضرورية في تقدير الموقف: ذكَّر بالتاريخ الاتحادي الطويل في دعم القضية الفلسطينية، وأعاد إلى الأذهان ما قام به الحزب، وهو شخصيا على رأسه، إلى جانب قادة يساريين واشتراكيين محترمين عالميا، إنصافا ودفاعا عن حقوق الشعب الفلسطيني، في المنظمات الدولية والتكتلات السياسية، التي ظلت إلى عهد قريب مرتعا للفكر المساند لأطروحة  دولة إسرائيل، وحتى صارت قلاعا تتبوأ فيها القضية المكانة التي لا بد منها في قلب المنابر العالمية اليسارية.

 وإذا كنا نجد لبعض ذوي النيات الحسنة بعض العذر في السقوط في فخ أحكمته عليهم شبكات الفاشيست التيوقراطي حتى نسوا حقيقة المواقف، فإننا ندرك بأن كل ذلك أسقطته الجحافل المتنمرة في النسيان، عن عمد، من أجل تحيين موقف مسبق وقديم من الرجل ومن حزبه ومن التيار الذي ينتسبان إليه كله.  وهؤلاء الذين أشهروا سيوف التنكيل، ومطارق التفتيش، لم يكونوا ينتظرون تصريح إدريس لشكر لكي يبادروا إلى الهجوم عليه وعلى حزبه، بل قفزوا على عنوان مبتسر، كتب تحت ضغط مهني تقتضيه شروط المنافسة والسبق، قاموا بتجزيء ما صرح به، واختزلوا كل التاريخ بسرعة مذهلة والانتقال بسرعة لا تقل عنها إلى التدمير المعنوي المبرمج سابقا، ولم يكن هذا« الكسل» سوى تَعلَّة جديدة للتجريح والتلفيق والكذب البواح، وللهجوم على سياسي وطني مغربي امتلك الشجاعة لكي يعبر عن قلق مشروع، الرجل، الذي يعد من قادة العالم العربي القلائل الذين ما زالوا يضعون القضية الفلسطينية على جدول أعمال التجمعات السياسية في الأممية الاشتراكية وفي التحالف التقدمي وفي المنتدى العربي التقدمي، أو من خلال الفعل اليومي إلى جانب القوى الفلسطينية من خلال تواجده في مؤسسة الشهيد ياسر عرفات( والذي تم تخوينه بالمناسبة من طرف الفلول ذاتها أكثر من مرة)   فمن هم يا ترى الذين تداعوا إلى التكالب الهجين وإلى مأدبة الفسوق السياسي واللغوي؟

أ ـ منهم الذين وصلوا بعد البطولة بخمسة أعوام!   الذين التزموا تقية ما عهدناها فيهم وما رعوْها حق رعايتها عند تجسير العلاقات لتوقيع الاتفاق الثلاثي حتى أنهم نسوا بأنهم كانوا وراء توقيع قرار استئناف العلاقة مع إسرائيل.

وقتها اعتقدنا أن الإطار المرجعي عندهم تحسَّن، وتحقق من ورائه فهمهم لمصالح الدولة، والحقيقة «لم نسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا» لأنهم لم يستطيعوا رفض التوقيع في شجاعة وبطولة، حفاظا على موقع في السلطة (هؤلاء الذين يمجدون الموت في سبيل المبادئ ويعيبون علينا أننا نجدف في الذات المقاومة لحماس»)  ولعلهم يودون اليوم استعادة البكارة السياسية والأخلاقية المفقودة بمهاجمة الاتحاد الاشتراكي وقيادته !  ويدهشنا بعض الوزراء منهم الذين اكتشفوا الراديكالية والموقف الجذري بعد .. مغادرتهم كرسيهم الوثير! لهؤلاء نقول :  البطولة لا تعود بأثر رجعي.. بالمعنيين القانوني والفكري..!كما أن الذي لم يتورع في توظيف الدين كله من أجل مكاسب سياسية عابرة لن يتورع عن توظيف دماء الشهداء بغرض تأمين العودة من جديد إلى المشهد السياسي!

ب  ـ ومنهم الحقوقي، الذي لم يسعفه حسه في العدالة وتبجيله للمقاومة أبدا في الدفاع عن عدالة قضية وطنه والدفاع عن تراب وطنه وما سالت فوقه من دماء طاهرة، ولطالما سوغت له نفسه أن يسافر إلى أوطان بديلة، لا شرط في ارتيادها سوى أن تكون ضد بلاده، ليجعل منها وطنا بديلا يهاجم منه بلده أولا ثم قيادة وطنية، معروفة بالدفاع عن القضيتين معا المغربية والفلسطينية .

ج ـ ومنهم من اعتبر بأن أفضل طريقة لخدمة المقاومة وكفاح شعب فلسطين من أجل الحرية هو … «قلة الحيا»، والسقوط الأخلاقي  وفحش في النعوت، والتردي السياسي، لا لشيء إلا لإرضاء نزوعات لا علاقة لها بكرامة شعب وحقه في الحرية، ولهؤلاء نقول: الشعوب الحية نبيلة دوما وهي تنبذ الفسوق!

ختاما، لقد سبق لقيادة الاتحاد، أن التقت بقادة «حماس نفسها، »وسمعت هاته الأخيرة، أيام السلم والهدنة، الآراء التي تعارض نظرتها إلى واقع موازين القوى والمعادلات السياسية الإقليمية والدولية، وسمعت التحذير من أن تتحول المقاومة مجرد حبة في سبحة شيعية في الشرق الأوسط، ولا نستبعد أبدا أن تلتقي القيادة الاتحادية مستقبلا، في المغرب أو خارجه، مع قيادات المقاومة وتسمع منها، في زمن الحرب أيضا، هذا التحليل الموضوعي الذي لا يروم إثارة الإعجاب بقدر ما يريد إيجاد الوسيلة الجديرة بالوصول إلى دحر الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *