تابعتُ الليلة الماضية اغتيال عضو المكتب السياسي لحماس، صلاح البردويل، الذي يُعدّ من قادة الصف الأول في الحركة.
*محمد سيعلي
تابعتُ الليلة الماضية اغتيال عضو المكتب السياسي لحماس، صلاح البردويل، الذي يُعدّ من قادة الصف الأول في الحركة.
لم أتفاجأ عندما علمتُ أنه قُتل بينما كان مختبئًا في وكرٍ أعدّه لنفسه في المنطقة الإنسانية “المَواصي”، غرب خان يونس، وسط النساء والأطفال.
كان صلاح البردويل يعلم أنه هدف عسكري مشروع، ويدرك أيضًا أنه يظل كذلك وفق القانون الدولي الإنساني، حتى لو كان مُحاطًا بالمدنيين العزّل. لكنه اختار، دون أي حرج أخلاقي أو ديني أو إنساني أو وطني، أن يتترّس بالأطفال والنساء.
ما تقوم به حركة حماس، سواء من خلال احتجازها المستمر للمخطوفين الإسرائيليين أو استخدامها الدروع البشرية الفلسطينية، يُمثّل شرعنةً لاستمرار العنف الشديد في غزة، مما تسبب – ولا يزال يتسبب – في انعكاسات كارثية وغير مسبوقة على المدنيين الغزاويين.
تتعمد حماس خوض الحرب بطريقة تؤدي إلى أكبر قدر من الخسائر في صفوف المدنيين، بهدف استغلال الورقة الإنسانية في مواجهة إسرائيل والضغط على المجتمع الدولي عبر إثارة العاطفة لدى الرأي العام العالمي، رغم أن هذه الاستراتيجية قد فشلت فشلًا ذريّعًا، وتحولت إلى ما يشبه الانتحار الجماعي العبثي.
تحتجز حماس نحو خمسين مخطوفًا إسرائيليًا، ويُرجَّح مصرع نصفهم، فيما بلغت تكلفة استمرار احتجازهم 50.000 قتيل غزّاوي، و 180.000 جريح، من بينهم – على سبيل المثال – 17.000 شابة وطفلة دون سن 22 عامًا بُترت أطرافهن، و 15.000 طفل لا يتجاوز عمرهم خمس سنوات مبتورو الأطراف.
إلى جانب ذلك، هناك أكثر من 15.000 مفقود، بعضهم ما زال تحت الأنقاض، وآخرون قُتلوا و تحللّت جثثهم بعيدًا عن الأنظار أو أكلتها الكلاب، أو دُفنوا كمجهولي الهوية، أو أُسروا. في الوقت نفسه، فقد 80٪ من سكان غزة منازلهم.
ورغم كل ذلك، ما تزال حماس ترفض تسليم 25 مخطوفًا و 25 جثة إلى إسرائيل لوقف الحرب. هكذا هم الإسلاميون، انتحاريون بطبعهم، مهما حاولوا إضمار ذلك.
في تعليقٍ تلفزيوني على استئناف العمليات العسكرية في غزة، قال المحلل الإسلاموي الفلسطيني في قناة “الجزيرة”، سعيد زياد، إن الفلسطينيين لا خيار لهم سوى “القتال بلحم أطفالهم”.
لكن في تدوينة سابقة له على حسابه في منصة “إكس”، كتب: “هنيئًا لمن يُحشرون من بطون الوحوش”، في تمجيدٍ للقتلى الذين تُركت جثثهم في العراء فاقتاتت عليها الحيوانات، بعد تداول مقاطع مصورة تُظهر جثث غزّاويين مُلقاة على جوانب الطرق بينما تلتهمها الكلاب.
استشهد سعيد زياد بمقولة نسبها إلى نبي الإسلام لتمجيد هذا المشهد، حيث كتب: “ولِفرط انشغالي بالأمر، تذكرت مقولة النبي عند جثمان حمزة يوم أُحد، عندما قال باكيًا: ‘لولا أن تجد صفية في نفسها، لتركته حتى تأكله السباع والطيور الجارحة، حتى يُحشر يوم القيامة من بطونها'”.
يضاف هذا الكلام إلى تصريحات أخرى أدلى بها قادة حماس، أظهروا فيها استخفافًا بحياة ودماء الغزاويين، مثل وصف خالد مشعل قتلى حرب غزة بأنهم “خسائر تكتيكية”، وتصريح أسامة حمدان (المقيم في موريتانيا): “الخسائر تُعتبر حين تصيب المقاتلين، وليس المدنيين”، وغازي حمد: “الشعوب ورقة ضغط، حتى لو مات منها عشرون ألفًا”، وإسماعيل هنية: “نحتاج إلى دمائكم لتوقظ فينا روح العناد”، وصالح العروري: “المدنيون هم المسؤولون عن أخطاء 7 أكتوبر” (رغم أنه في ذلك اليوم قال: “الآن كسرنا الجدار، ومن لديه ثأر في إسرائيل فليدخل لجبايته”)، ويحيى السنوار: “سنُحارب حتى آخر طفل لتعيش أفكارنا”، وباسم نعيم: “من يفقد بيته في غزة، سيأخذ بيتًا أفضل منه في الجنة”.
أثارت تصريحات سعيد زياد حفيظة النخب الفلسطينية الحرة، بما في ذلك تلك المقيمة في غزة، التي استحضرت بدورها مواقف قادة حماس المستهترة بدماء الفلسطينيين. وقد أدى ذلك إلى خروج سرديات من غزة منفلتة من رقابة الحركة، مما دفع حماس إلى إصدار بيان تهديدي وصفت فيه منتقديها بأنهم “عملاء لإسرائيل”، بدلًا من ممارسة النقد الذاتي.
*محلل سياسي -مغربي