يُعرَف أتباع الزاوية الدلائية بأهل الدلاء (أيت إديلا) أو الدلائيين، والدلائية زاوية مغربية كانت حركة دينية علمية ثم حركة سياسية، جمعت بقايا قبائل صنهاجة، وبالضبط أيت مجاط.
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
“المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصّوفيان إلى أزمنة بعيدة..
لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.
بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزوايا والطرق الصّوفية في المغرب.
يُعرَف أتباع الزاوية الدلائية بأهل الدلاء (أيت إديلا) أو الدلائيين، والدلائية زاوية مغربية كانت حركة دينية علمية ثم حركة سياسية، جمعت بقايا قبائل صنهاجة، وبالضبط أيت مجاط.
وكان موطنهم ملوية، وانتقلوا خلال القرن الرابع عشر الهجري إلى منطقة أيت إديلا الواقعة غرب الأطلس المتوسط، حيث أسس أحد أحفادهم، وهو أبو بكر المجاطي، الزاوية الدلالية في 1566م، وانقطع فيها للعبادة والوعظ والإرشاد.
ونمت الزاوية وتطورت، خصوصًا في عهد ابنه محمد أبي بكر، الذي تولى قيادة الزاوية في 1612 م. واقتصر اهتمام الدلائيين في بداية الأمر على الجانب العلمي والديني وحافظوا على ولائهم للدولة السعدية رغم تدهور سلطتها.
فاستقطبت الزاوية العلماء من مختلف بقاع العالم الإسلامي، ووفرت لهم سبل الاستقرار لتصبح الزاوية الدلائية البكرية
مغرب الزوايا.. الزّاوية الدلائية. ترسيخ أسس التربية الروحية (الحلقة 21)
يُعرَف أتباع الزاوية الدلائية بأهل الدلاء (أيت إديلا) أو الدلائيين، والدلائية زاوية مغربية كانت حركة دينية علمية ثم حركة سياسية، جمعت بقايا قبائل صنهاجة، وبالضبط أيت مجاط.
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
“المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصّوفيان إلى أزمنة بعيدة..
لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.
بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزوايا والطرق الصّوفية في المغرب.
يُعرَف أتباع الزاوية الدلائية بأهل الدلاء (أيت إديلا) أو الدلائيين، والدلائية زاوية مغربية كانت حركة دينية علمية ثم حركة سياسية، جمعت بقايا قبائل صنهاجة، وبالضبط أيت مجاط.
وكان موطنهم ملوية، وانتقلوا خلال القرن الرابع عشر الهجري إلى منطقة أيت إديلا الواقعة غرب الأطلس المتوسط، حيث أسس أحد أحفادهم، وهو أبو بكر المجاطي، الزاوية الدلالية في 1566م، وانقطع فيها للعبادة والوعظ والإرشاد.
ونمت الزاوية وتطورت، خصوصًا في عهد ابنه محمد أبي بكر، الذي تولى قيادة الزاوية في 1612 م. واقتصر اهتمام الدلائيين في بداية الأمر على الجانب العلمي والديني وحافظوا على ولائهم للدولة السعدية رغم تدهور سلطتها. فاستقطبت الزاوية العلماء من مختلف بقاع العالم الإسلامي، ووفرت لهم سبل الاستقرار لتصبح الزاوية الدلائية البكرية مركزا رائدا في المغرب، خاصة من الناحية العلمية. بل تجاوزت في بعض الأحيان مدينة فاس من الناحية العلمية.
وبدأ تطلعهم إلى القيادة السياسية بعد تولي محمد الحاج زعامة الزاوية في 1637 م، فقد جهّز قوة عسكرية واجه بها السعديين وانتصر عليهم واقتطع منهم منطقة ملوية وتادلا. ثم وجه أنظاره نحو المناطق الشمالية وتافيلالت والواجهة الأطلسية. وبايعه أهل فاس سلطانا على المغرب. لكنْ سرعان ما تشتّتت قواتهم وتراجع نفوذهم أمام تكاثر وانفتاح عدة جبهات للصراع أمامهم. وتم تدميرها على يد الرشيد بن الشريف ونفي الدلائيين إلى فاس وتلمسان.
ولفظ “الدلاء” عربي من جمع دلو، أي إناء يستقى به، استعمله بهذا المعنى مؤلفين عاشوا في الزاوية الدلائية كالحسن اليوسي ومحمد المرابط الدلائي. وحسب بعض المستشرقين سموا بالدلائيين انتسابا إلى منطقة “أيت إديلا”، الواقعة بين منابع نهر مولوية وخنيفرة.
بسبب التخريب الذي طالها، يوجد اضطراب في تحديد موقع الزاوية الدلائية، إذ يشير بعض المؤرخين إشارات عامة، كقولهم إنها تقع على ثلاث مراحل من فاس بين بجاناة وهسكورة وتادلة، أو أنها تقع بناحية وادي أم الربيع قريبا من تادلة.
وظل الغموض سيد الموقف إلى أن جاء محمد حجي، الذي أكد أن هناك زاويتين قديمة وحديثة لا تزال أطلالها قائمة الذات، مائلة للعيان حتى اليوم، ويعرف سكان ناحية خنيفرة الزاوية القديمة باسم «أيت بدلا» أي أهل الدلاء، وتقع الزاوية الدلائية القديمة على ربوة في سفح «جبل بو ثور» بينه وبين جبل تاغوليت، وتنفجر في شرقيها شعبة أقا إيزم أي شعبة الأسد. أما الزاوية الدلائية الحديثة التي بناها السلطان محمد الحاج الدلائي فهي التي تقوم على أنقاضها زاوية آيت إسحاق الحالية، في الطريق التي تربط بين خنيفرة وقصبة تادلة.
وقد تم تأسيس الزاوية الدلائية في الثلث الأخير من القرن العاشر الهجري (حوالي عام 974 هـ/ 1566م) على يد أبي بكر الدلائي بإشارة من شيخه أبي عمرو القسطلي، لذلك تدعى أيضا “الزاوية البكرية”، نسبة إلى اسم مُؤسّسها.
وعمل مُؤسّسها في البداية على إطعام الطعام على نحو ما يفعله شيخه القسطلي بمراكش، حتى ذاع صيتها، وتزايد قاصدوها مما دفع مُؤسّسها إلى الاجتهاد، فعمل الشيخ أبو بكر الدلائي على تشييد المباني حول هذا المسجد الذي أسسه، وحفر العيون وأجرى ماءها، ووسع الأودية، واشترى الرباع في غالب البلاد وحبسها على الطلبة والضعفاء والمساكين. وتحولت إلى جامعة علمية ضخمة احتضنت خلال القرن الـ16 م أكثر من 5 آلاف عالم في مختلف التخصصات، من فقه وحديث ومنطق وجبر وكيمياء.
توسط مُؤسّسها أبوبكر الدلائي في إنقاد مولاي علي الشريفـ جد السلاطين العلويين الفلاليين، من السجن الذي أودعه فيه أبو حسون السملالي، حاكم سوس، بعدما نقض أهل تافيلالت بيعته. وجعل أبوبكر الدلائي أهل الغرب ينتظمون تحت لواء المجاهد العياشي لقتال النصارى بعدما وصفه في رسالة لهم بأنه، أي العياش، “قبس نور النبوة”.
وبعد موت أبي بكر خلفه ابنه محمد في رياستها، فسلك نهج أبيه في رعاية شؤون الدين في هذه المنطقة، وجعل منها قبلة للعلماء والطلبة. وقام بتقوية نفوذ الزّاوية حتّى جنوب الأطلس الكبير. وقد عاصر زمانَه عدد من أقطاب العلم، كالمقرّي، الذي أقام بالزاوية الدلائية ردحا من الزمن، وتتلمذ على شيوخها ورجالها.
بعد وفاة محمد في 1046 هـ/ 1637 م، خلفه ابنه محمد الحاج، الذي يعدّ أبرز رؤساء الزّاوية، ففي عهده امتدّت سلطة الدلاّئيّين إلى فاس ومكناس. ولم يكن الدلائيون طلاب سلطة، غير أن استغاثة أهل فاس والغرب وباقي قبائل المغرب بهم لتأمين البلاد هو ما دفعهم إلى قبول بيعة القبائل لمحمد الحاج الدلائي، الذي نُصّب سلطانا على المغرب.
وانتصر على محمد العياشي، بعد أن لجأ بعض الأندلسيين الفارين من العياشي إلى الزاوية الدلائية. وقد حاول الدلائيون أن يشفعوا للفارين من الجالية الأندلسية عند محمد العياشي، الذي حاربهم بعد اتهامه لهم بالخيانة والتقاعس في محاربة الإسبان. ولم يقبل العياشي فيهم شفاعة، ويبدو أن الدلائيين لم يتعودوا أن ترد شفاعتهم. فأعلن الدلائيون الحرب عليه، وسيطر بذلك محمد الحاج على سلا.
وخلال فترة حكمه كان العلويّون يحاولون بسط سيطرتهم على بلاد المغرب، فاتّفق الدلائيون مع العلويين على إقامة حدود فاصلة بينهما تمثّل مناطق نفوذهما، فالمناطق ما بين الصّحراء وجبل العياشي للعلويّين وما وراء الأطلس الكبير للدّلاّئيّين. لكن تمرّد سكان فاس على عامل الدلاّئيّين واستغاثتهم بالمولى محمد بن الشريف عاد بالنزاع واشتبك الدلائيين بالعلويين، فهزمهم محمّد الحاج الدلائي.
أقام الدلائيون علاقات مع الدول الأوروبية، كفرنسا وإنجلترا وهولندا، فأبرم الدلائيون مع هذه الأطراف عدة معاهدات تجارية، بالإضافة إلى عقد معاهدات سلم وصلح. ومن تلك الاتصالات المفاوضات التي أجراها محمد فنيش برفقة إبراهيم معنينو مع هولندا سنة 1659 م لصالح الزاوية الدلائية من أجل ضمان سلامة بحارها وتجارها.
لكنْ ما إن تولّي المولى الرشيد العرش العلوي في 1076 هـ حتى اشتبك مع الدلائيين في معاركَ متواليةٍ حتّى انتصر عليهم في معركة “بطن الرمان” واحتل زاويتهم في 1079 هـ/ 1668 م وعفا عن سكّانها، ومنهم محمّد الحاج، الذي ارتحل إلى فاس، ومنها إلى تلمسان التي توفي بها في 1082 هـ ودفن في ضريح سيدي السنوسي، وانتهت به عصر الزاوية الدلائية.
ويذكر الناصري أن السلطان إسماعيل عند تجميعه جيش عبيد البخاري أنزل عبيد تامسنا بزاوية أهل الدلاء.
تعدّ الزاوية الدلائية من أهم الزوايا في المغرب، ظلت قبلة العلماء في وقتئذ، وكان دورها حاسما في الحفاظ على العلم المغربي متوهجا رغم الأزمات التي عمّت البلاد، وكان توجهها ثقافيا أكثر من ما هو صوفي.
وقد كان عنصر الموسوعية حاضرا بقوة في منهج التدريس، بحيث تم الجمع بين علوم المقال وعلوم الحال، وتم التركيز بالأساس على الرياضيات والفلك والهندسة والطب والمنطق والتاريخ، إضافة إلى علوم الشرع والأدب. وتخرج منها عدد كبير من العلماء، أمثال أحمد بن يعقوب الولالي والحسن اليوسي، الذي قضى ما يزيد عن عشرين عاما في الزاوية الدلائية تلميذا، ثم مدرسا بعد ذلك.
ومن أسباب إشعاعها العلمي هدوء الزاوية وبعدها عن ضجيج الاضطرابات السياسية الحادة التي كانت تعاني منها باقي حواضر المغرب في تلك الفترة. كما وفرت الزاوية المأكل والمسكن للطلبة، إذ كانت تحتوي على 1400 مسكن للطلبة، ولم تكن تستوعب جميع الطلبة.
وكان كرم رؤساء الزاوية الدلائية واعتناؤهم بطلاب العلم والضيوف سببا في جلب عددا من الأساتذة من مختلف أنحاء المغرب. وعزز مكانتها وجود مكتبة علمية ضخمة، بلغ عددها أكثر من 10 آلاف كتاب.
ويعترف محمد بن الشريف العلوي، وهو أحد مُؤسّسي الدولة العلوية، في رسالة إلى محمد الحاج الدلائي، بالمكانة العلمية والأدبية لزاوية خصومه:
“لم يعرفكم أهل المغرب إلا بإطعام قصاع العصائد، وهجوِ بعضكم لبعض بما لا يسمع من بشيع القصائد، أما العلوم فقد أقررنا لكم فيها إنصافا بالتسليم، لو قصدتم بها العمل وأجرَ التعليم”.
وقد تواصل الإشعاع الثقافي للزاوية حتى بعد خرابها ودمارها على يد الرشيد بن الشريف. فأدرك العلماء الدلائيون منزلة ورفيعة في العاصمة فاس وزاحموا علماءها على منابر التدريس والخطابة في المساجد والمدارس، إلى أن تصدروا هذا الميدان. فتولى كثير من الفقهاء الدلائيين خطة القضاء والإفتاء في فاس ومكناس وتارودانت، ودَرَّسَ علماؤها في هذه المدن وفي غيرها، كمراكش. وتتلمذ لهم كثير من الناس من جميع الطبقات، حتى الأمراء العلويون، مثل محمد العالم بن السلطان إسماعيل، وعبد السلام بن السلطان محمد بن عبد الله.
خلال مخاض الدولة المركزية العلوية، التي حاولَ المولى إسماعيل وأخوه المولى الرشيد، من قبله، بناءها على أنقاض الزاوية الدلائية التي تميزت سلطتها بالطابع المعرفي الديني والعلمي، كانت إجراءات العلويين مثيرة، خصوصا بالنسبة إلى علماء الزاوية الدلائية الذين حاولت السلطة الجديدة استيعابهم تحت المراقبة بنقلهم إلى مدينة فاس.
ورسم زوال هذه الزاوية طريقا ازدهر فيه أدب المأساة، وأهم وأشهر من ألف في ذلك هو كبير فقهاء الدلائيين الحسن اليوسي، الذي نظم في 1078 هـ “القصيدة الرائية في رثاء الزاوية الدلائية” في 162 بيتا من بحر الطويل، يتأسف فيها لمصير الزاوية الدلائية. فكان لهذه القصيدة صدى في العصر عند أبناء الزاوية، إذ لم يمض غير وقت قصير حتى تصدّى لها عالمان دلائيان بالشرح في مجلد كامل، وهما محمد الشاذلي ومحمد البكري.
كما ألف المؤرخ والفقيه والأديب محمد المسناوي الدلائي «مقامة» أدبية تصف رحلة خيالية إلى أطلال الزاوية الدلائية عناونها “المقامة الفكرية في محاسن الزاوية البكرية”. رغم أنه هاجر الزاوية وهو ابن سبع سنين عند خرابها.
وقد استمرت الزاوية الدلائية موجودة في مخيلة أدباء لم يَرَوْها ولا عاشوا في أكنافها، مثل الأديب المؤرخ محمد الإفراني، الذي أشاد بها وبرجالها.
، خاصة من الناحية العلمية. بل تجاوزت في بعض الأحيان مدينة فاس من الناحية العلمية.
وبدأ تطلعهم إلى القيادة السياسية بعد تولي محمد الحاج زعامة الزاوية في 1637 م، فقد جهّز قوة عسكرية واجه بها السعديين وانتصر عليهم واقتطع منهم منطقة ملوية وتادلا. ثم وجه أنظاره نحو المناطق الشمالية وتافيلالت والواجهة الأطلسية. وبايعه أهل فاس سلطانا على المغرب. لكنْ سرعان ما تشتّتت قواتهم وتراجع نفوذهم أمام تكاثر وانفتاح عدة جبهات للصراع أمامهم. وتم تدميرها على يد الرشيد بن الشريف ونفي الدلائيين إلى فاس وتلمسان.
ولفظ “الدلاء” عربي من جمع دلو، أي إناء يستقى به، استعمله بهذا المعنى مؤلفين عاشوا في الزاوية الدلائية كالحسن اليوسي ومحمد المرابط الدلائي. وحسب بعض المستشرقين سموا بالدلائيين انتسابا إلى منطقة “أيت إديلا”، الواقعة بين منابع نهر مولوية وخنيفرة.
بسبب التخريب الذي طالها، يوجد اضطراب في تحديد موقع الزاوية الدلائية، إذ يشير بعض المؤرخين إشارات عامة، كقولهم إنها تقع على ثلاث مراحل من فاس بين بجاناة وهسكورة وتادلة، أو أنها تقع بناحية وادي أم الربيع قريبا من تادلة.
وظل الغموض سيد الموقف إلى أن جاء محمد حجي، الذي أكد أن هناك زاويتين قديمة وحديثة لا تزال أطلالها قائمة الذات، مائلة للعيان حتى اليوم، ويعرف سكان ناحية خنيفرة الزاوية القديمة باسم «أيت بدلا» أي أهل الدلاء، وتقع الزاوية الدلائية القديمة على ربوة في سفح «جبل بو ثور» بينه وبين جبل تاغوليت، وتنفجر في شرقيها شعبة أقا إيزم أي شعبة الأسد. أما الزاوية الدلائية الحديثة التي بناها السلطان محمد الحاج الدلائي فهي التي تقوم على أنقاضها زاوية آيت إسحاق الحالية، في الطريق التي تربط بين خنيفرة وقصبة تادلة.
وقد تم تأسيس الزاوية الدلائية في الثلث الأخير من القرن العاشر الهجري (حوالي عام 974 هـ/ 1566م) على يد أبي بكر الدلائي بإشارة من شيخه أبي عمرو القسطلي، لذلك تدعى أيضا “الزاوية البكرية”، نسبة إلى اسم مُؤسّسها.
وعمل مُؤسّسها في البداية على إطعام الطعام على نحو ما يفعله شيخه القسطلي بمراكش، حتى ذاع صيتها، وتزايد قاصدوها مما دفع مُؤسّسها إلى الاجتهاد، فعمل الشيخ أبو بكر الدلائي على تشييد المباني حول هذا المسجد الذي أسسه، وحفر العيون وأجرى ماءها، ووسع الأودية، واشترى الرباع في غالب البلاد وحبسها على الطلبة والضعفاء والمساكين. وتحولت إلى جامعة علمية ضخمة احتضنت خلال القرن الـ16 م أكثر من 5 آلاف عالم في مختلف التخصصات، من فقه وحديث ومنطق وجبر وكيمياء.
توسط مُؤسّسها أبوبكر الدلائي في إنقاد مولاي علي الشريفـ جد السلاطين العلويين الفلاليين، من السجن الذي أودعه فيه أبو حسون السملالي، حاكم سوس، بعدما نقض أهل تافيلالت بيعته. وجعل أبوبكر الدلائي أهل الغرب ينتظمون تحت لواء المجاهد العياشي لقتال النصارى بعدما وصفه في رسالة لهم بأنه، أي العياش، “قبس نور النبوة”.
وبعد موت أبي بكر خلفه ابنه محمد في رياستها، فسلك نهج أبيه في رعاية شؤون الدين في هذه المنطقة، وجعل منها قبلة للعلماء والطلبة. وقام بتقوية نفوذ الزّاوية حتّى جنوب الأطلس الكبير. وقد عاصر زمانَه عدد من أقطاب العلم، كالمقرّي، الذي أقام بالزاوية الدلائية ردحا من الزمن، وتتلمذ على شيوخها ورجالها.
بعد وفاة محمد في 1046 هـ/ 1637 م، خلفه ابنه محمد الحاج، الذي يعدّ أبرز رؤساء الزّاوية، ففي عهده امتدّت سلطة الدلاّئيّين إلى فاس ومكناس. ولم يكن الدلائيون طلاب سلطة، غير أن استغاثة أهل فاس والغرب وباقي قبائل المغرب بهم لتأمين البلاد هو ما دفعهم إلى قبول بيعة القبائل لمحمد الحاج الدلائي، الذي نُصّب سلطانا على المغرب.
وانتصر على محمد العياشي، بعد أن لجأ بعض الأندلسيين الفارين من العياشي إلى الزاوية الدلائية. وقد حاول الدلائيون أن يشفعوا للفارين من الجالية الأندلسية عند محمد العياشي، الذي حاربهم بعد اتهامه لهم بالخيانة والتقاعس في محاربة الإسبان. ولم يقبل العياشي فيهم شفاعة، ويبدو أن الدلائيين لم يتعودوا أن ترد شفاعتهم. فأعلن الدلائيون الحرب عليه، وسيطر بذلك محمد الحاج على سلا.
وخلال فترة حكمه كان العلويّون يحاولون بسط سيطرتهم على بلاد المغرب، فاتّفق الدلائيون مع العلويين على إقامة حدود فاصلة بينهما تمثّل مناطق نفوذهما، فالمناطق ما بين الصّحراء وجبل العياشي للعلويّين وما وراء الأطلس الكبير للدّلاّئيّين. لكن تمرّد سكان فاس على عامل الدلاّئيّين واستغاثتهم بالمولى محمد بن الشريف عاد بالنزاع واشتبك الدلائيين بالعلويين، فهزمهم محمّد الحاج الدلائي.
أقام الدلائيون علاقات مع الدول الأوروبية، كفرنسا وإنجلترا وهولندا، فأبرم الدلائيون مع هذه الأطراف عدة معاهدات تجارية، بالإضافة إلى عقد معاهدات سلم وصلح. ومن تلك الاتصالات المفاوضات التي أجراها محمد فنيش برفقة إبراهيم معنينو مع هولندا سنة 1659 م لصالح الزاوية الدلائية من أجل ضمان سلامة بحارها وتجارها.
لكنْ ما إن تولّي المولى الرشيد العرش العلوي في 1076 هـ حتى اشتبك مع الدلائيين في معاركَ متواليةٍ حتّى انتصر عليهم في معركة “بطن الرمان” واحتل زاويتهم في 1079 هـ/ 1668 م وعفا عن سكّانها، ومنهم محمّد الحاج، الذي ارتحل إلى فاس، ومنها إلى تلمسان التي توفي بها في 1082 هـ ودفن في ضريح سيدي السنوسي، وانتهت به عصر الزاوية الدلائية.
ويذكر الناصري أن السلطان إسماعيل عند تجميعه جيش عبيد البخاري أنزل عبيد تامسنا بزاوية أهل الدلاء.
تعدّ الزاوية الدلائية من أهم الزوايا في المغرب، ظلت قبلة العلماء في وقتئذ، وكان دورها حاسما في الحفاظ على العلم المغربي متوهجا رغم الأزمات التي عمّت البلاد، وكان توجهها ثقافيا أكثر من ما هو صوفي.
وقد كان عنصر الموسوعية حاضرا بقوة في منهج التدريس، بحيث تم الجمع بين علوم المقال وعلوم الحال، وتم التركيز بالأساس على الرياضيات والفلك والهندسة والطب والمنطق والتاريخ، إضافة إلى علوم الشرع والأدب. وتخرج منها عدد كبير من العلماء، أمثال أحمد بن يعقوب الولالي والحسن اليوسي، الذي قضى ما يزيد عن عشرين عاما في الزاوية الدلائية تلميذا، ثم مدرسا بعد ذلك.
ومن أسباب إشعاعها العلمي هدوء الزاوية وبعدها عن ضجيج الاضطرابات السياسية الحادة التي كانت تعاني منها باقي حواضر المغرب في تلك الفترة. كما وفرت الزاوية المأكل والمسكن للطلبة، إذ كانت تحتوي على 1400 مسكن للطلبة، ولم تكن تستوعب جميع الطلبة.
وكان كرم رؤساء الزاوية الدلائية واعتناؤهم بطلاب العلم والضيوف سببا في جلب عددا من الأساتذة من مختلف أنحاء المغرب. وعزز مكانتها وجود مكتبة علمية ضخمة، بلغ عددها أكثر من 10 آلاف كتاب.
ويعترف محمد بن الشريف العلوي، وهو أحد مُؤسّسي الدولة العلوية، في رسالة إلى محمد الحاج الدلائي، بالمكانة العلمية والأدبية لزاوية خصومه:
“لم يعرفكم أهل المغرب إلا بإطعام قصاع العصائد، وهجوِ بعضكم لبعض بما لا يسمع من بشيع القصائد، أما العلوم فقد أقررنا لكم فيها إنصافا بالتسليم، لو قصدتم بها العمل وأجرَ التعليم”.
وقد تواصل الإشعاع الثقافي للزاوية حتى بعد خرابها ودمارها على يد الرشيد بن الشريف. فأدرك العلماء الدلائيون منزلة ورفيعة في العاصمة فاس وزاحموا علماءها على منابر التدريس والخطابة في المساجد والمدارس، إلى أن تصدروا هذا الميدان. فتولى كثير من الفقهاء الدلائيين خطة القضاء والإفتاء في فاس ومكناس وتارودانت، ودَرَّسَ علماؤها في هذه المدن وفي غيرها، كمراكش. وتتلمذ لهم كثير من الناس من جميع الطبقات، حتى الأمراء العلويون، مثل محمد العالم بن السلطان إسماعيل، وعبد السلام بن السلطان محمد بن عبد الله.
خلال مخاض الدولة المركزية العلوية، التي حاولَ المولى إسماعيل وأخوه المولى الرشيد، من قبله، بناءها على أنقاض الزاوية الدلائية التي تميزت سلطتها بالطابع المعرفي الديني والعلمي، كانت إجراءات العلويين مثيرة، خصوصا بالنسبة إلى علماء الزاوية الدلائية الذين حاولت السلطة الجديدة استيعابهم تحت المراقبة بنقلهم إلى مدينة فاس.
ورسم زوال هذه الزاوية طريقا ازدهر فيه أدب المأساة، وأهم وأشهر من ألف في ذلك هو كبير فقهاء الدلائيين الحسن اليوسي، الذي نظم في 1078 هـ “القصيدة الرائية في رثاء الزاوية الدلائية” في 162 بيتا من بحر الطويل، يتأسف فيها لمصير الزاوية الدلائية. فكان لهذه القصيدة صدى في العصر عند أبناء الزاوية، إذ لم يمض غير وقت قصير حتى تصدّى لها عالمان دلائيان بالشرح في مجلد كامل، وهما محمد الشاذلي ومحمد البكري.
كما ألف المؤرخ والفقيه والأديب محمد المسناوي الدلائي «مقامة» أدبية تصف رحلة خيالية إلى أطلال الزاوية الدلائية عناونها “المقامة الفكرية في محاسن الزاوية البكرية”. رغم أنه هاجر الزاوية وهو ابن سبع سنين عند خرابها.
وقد استمرت الزاوية الدلائية موجودة في مخيلة أدباء لم يَرَوْها ولا عاشوا في أكنافها، مثل الأديب المؤرخ محمد الإفراني، الذي أشاد بها وبرجالها.