يحدث كل هذا في في تونس بينما تتسابق أكبر الدول لخطب ودّ قارة فهم قبلنا إخوتنا المغاربة أين هو  مستقبل صناعتهم وإشعاعهم الثقافي والسياسي. 

*الدكتور منصف المرزوقي 

أول  مأساة فشل المنقلب المغتصب  في الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقلال وهو يخضع في كل المجالات  لسلطات الجزائر التي ساقت الأفارقة كالقطعان نحو حدودنا لعلمهم أن عميلهم لن يحتج . 

أضف لهذا خضوعه لمصالح  الإيطاليين الذين أوكلوا له مهمة حراسة حدودهم والاحتفاظ بالأفارقة مقابل بقشيش رخيص. 

عجز عن وقف التدفق لجبنه أمام الجزائرين

 وعجز عن ترك الأفارقة يرحلون لجبنه أمام الايطالييين.ويدعي أن هناك مؤامرة لتغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد وهو أكبر مساهم فيها .

إنها أيضا مأساة دولة تقف عاجزة أمام ظاهرة لا تعرف لها ابسط الحلول مثل فتح مخيمات تتوفر فيها أبسط شروط الحياة الكريمة من رعاية صحية خاصة للأطفال والنساء  كما حصل إبان الثورة في مخيم  شوشة بدل تركهم يهيمون في بساتين المواطنين  وذلك بانتظار حلول تفاوضية مع أوروبا  لترحيلهم إما لبلدانهم أو لأوروبا . 

أضف لهذا عجزها المشين عن ضمان الحرمة الجسدية لبشر مثلنا وهي تتجاهل اتهامات كثيرة من منظمات دولية بالاغتصاب والقتل من طرف بعض أعوان  هذه الدولة الغائبة.

إنها  مأساة جزء من شعبنا فضحت هذه الازمة ما فبه من عنصرية فجة . 

من يستطيع مستقبلاً لوم  الأوروبيين  من اليمين المتطرف على موقفهم  تجاه ابناؤنا الذين تقطعت بهم السبل؟.

عندما أقرأ ما يكتبه البعض شعور واحد : التقزّز . 

إنها مأساة بلاد أصبح في كل إفريقيا موسوما بالعنصرية، بلد ستغلق أمامه كل فرص التجارة والاستثمار وهو ما بدأته إبان رئاستي وأعطى سريعا أكله، بلد لن يأتيه الطلبة والمرضى كما كان هدف إلغاء التأشيرات على بعض الدول.

كل هذا في الوقت الذي تتسابق فيه أكبر الدول لخطب ودّ قارة فهم قبلنا إخوتنا المغاربة أين هو  مستقبل صناعتهم وإشعاعهم الثقافي والسياسي. 

كم محزن هذا السقوط المدوي لصورة تونس.

كم مهين  هذا الإنهيار الأخلاقي لجزء من شعبها.

كم مخيف هذا العجز المشين لدولتها، كم مضحك أن المنقلب المغتصب المسؤول عن كل هذه التبعية  المشينة، عن كل هذا العجز المفضوح، عن  كل هذه القدوة  الأخلاقية السيئة ،عن  كل هذا التحريض المقيت ضد ضعفاء.

نعم كم مضحك أنه هو وأنصاره من يوزعون اليوم شهادات النظافة والوطنية …حقا انه زمن الرويبضة.

لن أردّ على الاتهامات الرخيصة أنني سبب الظاهرة فقد فنّدها  حتى خصومي السياسيين والحمد لله أن ما زال يوجد رجال سياسة شرفاء في هذه البلاد .

سنة 2012  بعد بضعة أشهر من انتخابي من المجلس التأسيسي استقبلني في مكتبة في جنيف  أنطونيو غوتيريش السكرتير العام للأمم المتحدة حاليا وكان يومها المسؤول الأول في  المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 

قال لي بالحرف الواحد أنه أبهر باستقبال التونسيين لمليوني لاجئ ليبي وأنه لم يرى في حياته شيئا كهذا. 

عندما ودعني في باب المبنى سمعت التصفيق يتصاعد من الشرفات وبالطبع لم يكن التصفيق لي وإنما لتونس الثورة الديمقراطية السلمية، 

لتونس التي فتحت قلبها وكل إمكانياتها لمليوني  إنسان تقطعت بهم السبل. 

واليوم ؟ بعد أن كنا مفخرة شعوب الأمة أصبحنا معرة شعوب القارة.

شرفنا جميعا لم يحافظ عليه إلا أقلية من مواطنين ومواطنات لم يفقدوا انسانيتهم فحموا وأعانوا اخوتنا الأفارقة بما استطاعوا . قبلة احترام ومحبة  على جبينهم . 

انهضوا ، تونس لا  تستأهل كل هذا العار .

ولا بد لليل ان ينجلي. 

*رئيس دولة تونس الأسبق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *