استعاد سكان قطاع غزة الثلاثاء ذكريات الفوضى والذعر التي عمت مناطقهم خلال الحرب الأخيرة، مع انفجارات قوية وصافرات سيارات الإسعاف والجثث في الشوارع إثر الضربات الإسرائيلية العنيفة التي أوقعت مئات القتلى.
وقال رامز العمارين المقيم في خيمة في منطقة الزيتون في جنوب شرق مدينة غزة “الجثث والأشلاء على الأرض، والمصابون لا يجدون أي طبيب يعالجهم”.
ويضيف الشاب البالغ 25 عاما والذي استيقظ مذعورا على دوي الانفجارات جراء الضربات، إن الإسرائيليين “فتحوا نار جهنم من جديد على غزة”.
ويتابع “نقلت عددا من الأطفال الجرحى من الجيران إلى مستشفى (الأهلي) المعمداني، ولكن لا يوجد أي سرير لاستقبال المصابين”.
وأمام المستشفى الذي يعمل بطاقة استيعابية منخفضة جراء الحصار الإسرائيلي على المساعدات الإنسانية والوقود، وُضعت عشرات الجثث على الأرض، وقد غُطي بعضها ببطانيات برزت منها أقدام. والى جانبها، جلس بعض الأقارب الذي بدا الحزن والذهول على وجوههم.
يقول العمارين إنه لم يكن يتوقع “أن تعود الحرب لأن (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب لا يريد حروبا”.
نفذت إسرائيل خلال الليل الغارات الأعنف على قطاع غزة منذ بدء الهدنة بينها وبين حركة حماس في 19 يناير، متهمة الحركة الفلسطينية بعرقلة البحث في المراحل التالية من الاتفاق ورفض إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة.
وفيما كرّرت حماس نفيها لذلك، اتهمت الدولة العبرية بعدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار ورفض البحث في المرحلة الثانية من الاتفاق التي يفترض بها أن تضع حدا نهائيا للحرب.
وبحسب وزارة الصحة التابعة للحركة الفلسطينية، فقد أدّت الضربات الإسرائيلية إلى مقتل 413 شخصا.
ومنذ أسابيع، يؤكد الدفاع المدني في القطاع المحاصر أنّه يفتقر إلى الموارد اللازمة لمساعدة سكان غزة الذين يبلغ عددهم 2,4 مليون نسمة، والمنهكين بفعل الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023
– “صراخ ونيران” –
وتقول جيهان النحال التي تسكن في حي النصر شمال غرب مدينة غزة، إلى أنّه “لا يوجد دفاع مدني والقصف مستمر”، مضيفة “لدينا شهداء وجرحى من أقاربي”.
وتتابع “كنت أجهّز السحور للأولاد، وكنت أسمع طائرات إسرائيلية فوق غزة”، وفجأة “صارت انفجارات ضخمة، وكأنها أول يوم في الحرب، وفي كل مكان صراخ ونيران تشتعل والغالبية (الضحايا) أطفال”.
وتعتبر أن هذه “حرب إبادة حقيقية”.
في بلدة بيت حانون المحاذية لجنوب إسرائيل، بدأ سكان في النزوح وهم يحملون أكياسا وبطانيات فوق رؤوسهم، قبل أن يصدر الجيش الإسرائيلي أمرا بالإخلاء صباح الثلاثاء.
وفي مدينة غزة الواقعة أيضا في شمال القطاع، بدأ سكان بمغادرة مدرسة كان قد تمّ تحويلها إلى مركز إيواء للنازحين، فيما انهارت بعض المباني بعد الضربات الليلية.
وفي المكان، وقفت امرأة ممتقعة الوجه تتأمل وسط الأنقاض أشياء غطاها الغبار الذي يخرج من بين كتل خرسانية وقضبان من الحديد بارزة من الجدران.
في ممر مجاور لفصول دراسية كانت تكتظ بالأسر النازحة، سار رجل حاملا فرشة إسفنجية لفّها تحت ذراعه.
ولم يخف السكان الذين تحدثت إليهم فرانس برس صدمتهم من عودة الضربات، بينما استمرّ تحليق المروحيات والطائرات المسيّرة في سماء القطاع.
في المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا، تنظر فتاة صغيرة ضُمّدت يداها وغطت وجهها خدوش، بحزن بالغ إلى وجه شقيقها الصغير الذي برز من كيس جثث موضوع على نقالة.
حولها، كان الكبار مشغولون، كثر يبكون بينما كانت إحدى الشابات تنهار وتصرخ بين الجثث.