سُمي هذا المسجد “الجامع الأبيض” لأنه مصبوغ باللون الأبيض، ولأن بناءه بسيط، خال من أيّة زخرفة، يحمل بين طياته عمقا متعدد الأبعاد، كمنارة دينية كانت تؤدّى فيها الصلوات الخمس.
أعدها للنشر- عبد المراكشيle12
اشتهر المغرب بكونه يتوفر على عدد كبير جدا من المساجد، حتى لَتجد من ينتقذون هذه الوفرة “الملحوظة” لـ”بيوت الله” على حساب مرافق حيوية أخرى ضرورية لحياة المواطن البسيط، مثل المدارس والمستشفيات والمصانع.
بناء على هذه المعطيات لا تكاد تخلو أية قرية نائية أو مدشر موغل في أعماق “المغرب غير النافع” من مساجدَ يُذكر فيها اسم الله، فما بالك بمُدن المركز وباقي الحواضر الكبرى في بلاد الـ مسجد.
سنأخذكم، من خلال هذه الفسحة الرمضانية “حكاية مسجد” في جولات عللا بساط من كلمات خطّتها أقلام مغربية مختلفة عن أشهر مساجد المغرب وجوامعه.
سُمي هذا المسجد “الجامع الأبيض” لأنه مصبوغ باللون الأبيض، ولأن بناءه بسيط، خال من أيّة زخرفة، يحمل بين طياته عمقا متعدد الأبعاد، كمنارة دينية كانت تؤدّى فيها الصلوات الخمس.
شيد السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله (1187 هجرية /1773 ميلادية) “الجامع الأبيض” بعد خمس سنوات من بنائه قصبة فضالة في 1182 هـ/ 1768 م.
وشيّد السلطان العلوي “فضالة” على مساحة بلغت خمسة هكتارات، محاطة بسور متوسط السمك والارتفاع. ووفّر لها بابين/ الأول في اتجاه أنفا، والثاني في اتجاه الرباط. ومن المنشآت الأساسية التي سجلها مؤرخو هذه الفترة التاريخية في إعمار فضالة معلمة “المسجد العتيق“.
وقد شهدت قصبة فضالة إنشاء الكتاتيب القرآنية بجوار هذا المسجد، مع اقتصار المدرسة الملحقة به على تعميق المعارف، قبل توجيه النوابغ من شبابها إلى الرباط وفاس.
ويعدّ المسجد العتيق في قلب القصبة في المحمدية تحفة معمارية ودينية بنت مجدها على عبق التراث والبساطة في كل شيء، دون أن تفقد بريقها وحمولتها الدينية والمعمارية والمعرفية مع مرور العصور.
ومن الروافد وأهمّ الكتاتيب التي يعود تاريخها إلى ما قبل 1840 م “زاوية الغازين” في “البرادعة”، التي كانت تُعدّ مجموعة من الطلبة للالتحاق إما بالمسجد العتيق للتكوين أو إرسالهم مباشرة إلى مدينة فاس.
وصرّح صالح العداوي، خطيب الجمعة في المسجد العتيق، بأنه فضلا عن الجانب العلمي المعرفي، فإن هذا المسجد كان يولي أهمية للجانب المتعلق بالقضاء، إذ كان القاضي يجلس في أحد مرافق المسجد للبتّ في النزاعات التي تنشب بين الناس بين الفينة والأخرى، ومن هؤلاء الذين اشتهروا على ألسنة الناس القاضي بوشعيب بن عبد السلام .
وق تعاقب على هذا المسجد العديد من الخطباء، منهم الخطيب المشهور الألمعي السيد مبارك الغازي، الذي عين خطيبا لصلاة الجمعة والعيدين بهذا المسجد شهر مارس 1965. وجرت أول خطبة يلقيها بهذه المعلمة بحضور الفقيه العالم مولاي عبد الواحد العلوي (من علماء القرويين)، والعالم الفقيه السيد بوشعرة، الذي كان قاضيا للتوثيق في المحمدية.
وظلّ الفقيه والخطيب مبارك الغازي، الذي مارس الخطابة مدة خمسين عاما، ملازما لهذه المَهَمّة النبيلة إلى أن وافته المنية في 1436 هجرية الموافق لـ28 فبراير 2015. كما مر من هذا المسجد العديد من الأئمة الذين طبعوا تاريخ هذه المعلمة الدينية التي ما تزال تشكل قبلة للمصلين.