اشتقّت تسمية الزاوية الحنصالية من كنية مؤسسها الأول: أحنصال، دادَّا سعيد (سعيد الكبير) الذي عاش خلال القرن السابع الهجري، مريد سيدي أبي محمد صالح الماجري (ت. 631 هـ)، دفين أسفي.

تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le12

المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصوفيان إلى أزمنة بعيدة..

لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.

بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزّوايا والطرق الصّوفية في المغرب.

اشتقّت تسمية الزاوية من كنية مؤسسها الأول: أحنصال، دادَّا سعيد (سعيد الكبير) الذي عاش خلال القرن السابع الهجري، مريد سيدي أبي محمد صالح الماجري (ت. 631 هـ)، دفين أسفي، بحسب الرواية الشفهية التي تحدثت عن قدوم دادّا سعيد إلى موضع تَاغْيَا نَايَتْ تَاكَلاَّ، على ضفة واد سيسمى “أسيف نُوحْنْصَالْ”.

وسيواكب قدوم دادا اسعيد نزوح قبائل أيت عطا الصنهاجية إلى المنطقة المجاورة للزاوية. وبعد تحالفه معها ستصبح من خدام الزاوية والمترددين عليها.

أسسها سعيد أحنصال، تلميذ أبي محمد صالح ودفين دادس، ورغم دورها في نشر العلم واللغة العربية بمناطق القبلة، لم تعطنا المصادر القديمة تفاصيل عنها وعن شاراتها وأتباعها وبعد قرون من الخمول ستعود إلى الظهور في آخر القرن الحادي عشر الهجري على يد أبي عثمان سعيد بن يوسف الحنصالي

و”أحنصال”، وهو لفظ غامض، ينصرف حسب المحللين إلى التحصيل أي أن الأصل هو أحصال أو حصال، أي شديد التحصيل؛ فوقع تحريفها إلى أحنصال. وقد أطلق هذا اللقب على الشيخ المدعو سيدي عمرو أو سيدي سعيد أو عمرو، ويدعى سعيد الكبير، الذي “حصل القرآن في مدة سبعة أيام”، حسب الرواية الشفهية. ومنه اشتق اسم مؤسس الزاوية الأولى، واسم مؤسسها الأول: أحنصال، ويجمع على أحنصالن.

تذكر الرواية الشفهية أن هذا الشيخ قدم من سوس، وبعد أن أخذ عن أبي محمد صالح (ت. 631 هـ/ 1234 م) دفين أسفي، انتقل إلى جبال الأطلس في بداية القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي؛ فاستقر بموضع تاغيا نايت تاكَلا، على ضفة مجرى مائي، دعي منذئذ أسيف نوحنصال، ودعيت القرية أَكُديم.

لم تتميز الطريقة الحنصالية الأولى بمشرب خاص، على الرغم من أن شيخ الشيخ المؤسس أبا محمد صالح قد وتر عنه اهتمامه بتصوف أبي طالب المكي والقشيري والغزالي.

لكن مجددها سيدي سعيد بن يوسف أحنصال يرجع بسنده إلى الشاذلية من طريقين: طريق مشرقي على يد عيسى الدمياطي؛ وطريق مغربي يلتقي فيه بقطبي التصوف المغربي الجزولي وزروق.

ومن ثم، نجد ورد الحنصالية متنوعا؛ يجمع بين منظومة أسماء الله الحسنى التي أخذها عن الدمياطي، وأذكار مغربية كالاستغفار والهيللة والصلاة على النبي، فضلا عن الدعوة إلى الورع والزهد.

وقد انتشرت الطريقة الحنصالية في كثير من بوادي ومدن المغرب، بل تعدت الحدود إلى الخارج، ولاسيما المغرب الأوسط.

وكتب د. جمال بامي في الموضوع قائلا:

تعرف الزاوية الحنصالية داخل وخارج المغرب من خلال كتاب إرنست كلنير الشهير “صلحاء الأطلس”، لكن التعريف بها وبتاريخها وعمرانها على نطاق واسع لم يتحقق إلى اليوم؛ وهو ما جعلني أفرد هذه الحلقة من “فنون وعمران” لهذه الزاوية المباركة الموجودة في قلب جبال الأطلس الكبير الأوسط والتي ستنشأ عنها فروع وامتدادات في المدن والقرى المغربية.

اشتق اسم الزاوية من كنية مؤسسها الأول: أحنصال، دادَّا سعيد (سعيد الكبير) الذي عاش خلال القرن السابع الهجري، مريد سيدي أبي محمد صالح الماجري (ت 631 هـ)، دفين أسفي، بحسب الرواية الشفهية التي تحدثنا عن قدوم دادّا سعيد إلى موضع تَاغْيَا نَايَتْ تَاكَلاَّ، على ضفة واد سيسمى “أسيف نُوحْنْصَالْ”.

وسيواكب قدوم  دادا اسعيد نزوح قبائل أيت عطا الصنهاجية إلى المنطقة المجاورة للزاوية، وبعد تحالفه معها ستصبح من خدام الزاوية والمترددين عليها.

بعد حوالي أربعة قرون من قدوم سيدي اسعيد الكبير إلى زاوية أحنصال اشتهر أمر سيدي سعيد أحنصال ثان في غضون القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي  الذي درس القرآن الكريم على فقيه من تِسْلِيتْ، بدير جبل غنين، جنوبي مدينة بني ملال، ثم انتقل، طلبا للعلم، إلى مدينة القصر الكبير التي كانت تابعة آنذاك للزاوية الدلائية، وما زال، بالمدينة المذكورة، مسجد يدعى مسجد سيدي علي الحنصالي.

وبعد ذلك انتقل سيدي سعيد أحنصال إلى مدينة فاس ليدرس سبع سنوات على ثلة من مشاهير العلماء، ورحل إلى زاوية أخنوش، بتافيلالت، حيث سيقيم بها سبع سنوات أخرى. ثم ذهب للحج، وخلال رجوعه التحق بجامع الأزهر، بمصر، وتلقن المنظومة الدمياطية من الشيخ عيسى الجنيدي الدمياطي، والتي ستكون وردا رئيسا في طريقة أحنصالن. وزار ضريح أبي العباس المرسي، بالإسكندرية. 

وبعد رجوعه إلى المغرب أخذ عن الشيخ محمد ابن ناصر الدرعي وغيره من الشيوخ. ثم أخذ سيدي سعيد أحنصال، صاحب الزاوية بأيت عطا، عن الشيخ علي بن عبد الرحمان الدرعي، دفين قرب قرية تانوغا بتادلا، بمدشر تَمُجُّتْ أو تَمُدْجُوتْ البعيد عن بني ملال بحوالي 30 كلم جهة الشمال الشرقي في الجبل. 

وقد أذن سيدي علي بن عبد الرحمن الدرعي لتلميذه سيدي سعيد أحنصال بإنشاء زاوية خاصة به سيؤسسها بأغْبَالُو- نَايْتْ- مْضْريفْ، على بعد 8 كلم غربي ووزَغْتْ، حيث من الراجح أنه سيدفن هناك بعد وفاته.

وكما تحققت علاقة وطيدة بين الحنصاليين والناصريين، وانطلاقا من تتلمذ سيدي سعيد أحنصال على الشيخ سيدي علي بن عبد الرحمن الدرعي، تلميذ الدلائيين، ستتشكل علاقة ثقافية بين الزاوية الحنصالية والزاوية الدلائية؛  وستتأكد خلال وثيقة اتفاق بين قبائل جبلية، صادرة عن زاوية سيدي بويعقوب، بأسولْ، تحت إشراف علماء دلائيين الحسن اليوسي و محمد المرابط الدلائي وأحمد المجاطي، وتحرير عالمين حنصاليين، يوسف أحنصال و إسماعيل أحنصال.

وقد يغلب على الظن أن زاوية جبلية تقع في منطقة نائية بالأطلس الكبير الأوسط ستكتفي بإشعاع محلي يقتصر على نشر العلم والصلاح  إطعام الطعام وحل النزاعات المحلية وهذا خير كثير، لكن حقيقة الأمر أن الزاوية الحنصالية عرفت انتشارا وإشعاعا علميا وتربويا وثقافيا بلغ جل الحواضر العلمية المغربية.

وتذكر المصادر أن زوايا حنصالية تابعة لزاوية سيدي اسعيد الحنصالي، أسست بمراكش ورباط الفتح، ومكناسة الزيتون، وتطوان بحي أحفير، والتسول وفاس، بزنقة الجياد من حومة البليدة، والتي كانت زاوية لأصحاب سيدي رضوان الجنوي، كما ظهرت زوايا حنصالية أخرى بطنجة والقصر الكبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *