يشهد حي ” سانية غربية ” إحدى الأحياء العريقة بمدينة الرباط عمليات الهدم في إطار إعادة تهيئة المنطقة الساحلية بعاصمة الأنوار الرباط، إنطلاقا من حي الأودية إلى إلى تخوم مدينتي تمارة و الصخيرات.
رشيد الزبوري–le12.ma
يشهد حي ” سانية غربية ” إحدى الأحياء العريقة بمدينة الرباط عمليات الهدم في إطار إعادة تهيئة المنطقة الساحلية بعاصمة الأنوار الرباط، إنطلاقا من حي الأودية إلى إلى تخوم مدينتي تمارة و الصخيرات.
و يعتبر حي ” سانية غربية ” من أعرق الأحياء بالرباط، حيث كان أول حي يسكنه أعيان العاصمة منذ سنة 1666 خلال عهد الملوك العلويين بداية من السلطان محمد بن الشريف إلى غاية السلاطين الحسن الأول، مولاي عبد العزيز، مولاي عبد الحفيظ، مولاي يوسف و فقيدي الأمة محمد الخامس و الحسن الثاني اللذان عشنا نحن هذا الجيل عصرهما الزاهر بالمنجزات التي يحمل شعارها في الزمن الحالي الملك محمد السادس نصره الله و أطال عمره .
كما عرف حي ” سانية غربية “، طيلة هذه العقود مرحلة استقبال أعيان عاصمة المملكة الذين كانوا يتركون بيوتهم العتيقة من داخل أسوار عاصمة المملكة للسكن خارجها، و هو حي كان في ذلك الوقت يشبه أحياء السويسي و حي الرياض وزعير حاليا.
من بين من سكنوا في الحي العتيق “سانية غربية ” مجموعة من الأسر أمثال التونسي، بنسودة، بندورو، سباطة، بنعبد السلام، الحجمري، الزبوري، الصروخ، الصباحي، الصايغ، الشرقاوي، مارسيل، الرواس، حجار، الصبار، بنصالح، الصادقي، البوعزاوي، العايدي، الباكوري، الصالحي و غيرهم الكثير، الذين ممن تخرجوا من منابر العلم والمعرفة أساتذة و أطباء وموظفي الدولة وتجار ومهندسين ما زالت أسماؤهم في ساحة تلمع في سماء عاصمة الأنوار.
حي “سانية غربية”، العريق كان يضم أسماء بارزة من بينها المرحوم الدكتور محمد بنعمر طبيب المرحوم الحسن الثاني، والمرحوم محمد السعيدي الوزير السابق و عبد الجليل الحجمري مدير المدرسة المولوية سابقا وهو من أسرة الحجمري التي سكنت هذا الحي و الصحفي البارز “le parisien ” في جريدة “l’opinion ” المشهور في كتابة أكبر الأعمدة في الصحافة الوطنية، و المرحوم المطرب عبد المنعيم الجامعي و الملحن المرحوم عبد القادر الراشدي و أيضا أسرة ميكري و الدكتور بوجمعة الزاهي أول طبيب متخصص في الطب الرياضي الذي رافق المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم و المرحوم حمادي التونسي.
كما شهد حي ” سانية غربية “، أحداثا مثيرة و خالدة، أبرزها الصراع على تمثلية الحي في حكومة أحمد عصمان بين كمال الرغاي وزير المالية السابق عن التجمع الوطني للأحرار و المرحوم عبد اللطيف جبرو عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سابقا.
وعرف الحي أيضا تطاحنات تاريخية بين مناصري حزب الاستقلال و حزب الاتحاد الاشتراكي بين سكانه وكان بيت التونسي بيتا للعديد من الاجتماعات لمناصري حزب علال الفاسي و خاصة والد و والدة و خال المرحوم حمادي التونسي الاستقلالي الوفي أحمد مورينو.
هذا البيت التقليدي المزخرف بأعواد العرعر و الزليج و الأبواب العريقة التي ترمز إلى الحضارة التي تتميز بها بلادنا، كان مهدا للفن الأصيل من طرب و تمثليل، وإن كان هذا البيت قد أنجب أحد أبناء هذا الوطن الأوفياء لبلدهم و ملكهم عبد الفتاح التونسي أطال الله في عمره أول من تم اختياره ربانا من بين إحدى عشر ربانا لقيادة الطائرة الحربية “F5 ” بعد تدريب عسكري دام لسنة و نصف بالولايات المتحدة الأمريكية.
فقد أنجب الفنان حمادي التونسي رحمه الله و كان يسكن في السكن الفوقي لهذا المنزل، وفيه تربى و ترعرع و كتب كلمات العديد من الأغاني أبرزها التي تم تسجيلها في هذا البيت العريق ” ناديني يا مليكي يا حبيب الشعب ” بمناسبة أحداث حرب الرمال سنة 1963 و أغاني أخرى من بينها “من غير ميعاد” ” هل هلالك يارمضان ” ” التليفون مع بهيجة إدريس ” الشمس غربات و الوقت فات ” .
ويعتبر هذا البيت العريق من أشهر كتاب الكلمات المغاربة حيث كتب كلمات ما لايقل عن 152 أغنية وتعامل مع كبار المطربين المغاربة وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد زود الموسيقار عبد الوهاب الدكالي سنة 1959 بإحدى أنجح أغانيه وهي أغنية “يا الغادي فطوموبيل” و التي كان هذا البيت مقرا للتمرين و الغناء و كان الشعراء الذين أبدعوا القصيدة الغنائية، إضافة إلى حضوره القوي في التمثيليات الإذاعية عبر الأثير و المسرحيات و الأفلام التلفزيونية و السنيمائية و التي كان هذا البيت مكانا دائما لزوار الفن، حيث كان بيتا للعديد من الفنانين و الممثلين طيلة أيام الأسبوع يشاركوهم أهل البيت من الجد و الجدة و الوالد و الوالدة راضية التونسي ساكنة هذا البيت و أنجالها رشيد، ومحمد رحمه الله، عبد الكريم، عبد اللطيف، سمية، وفاء و يونس و باقي الأبناء و الأحفاد و كل العائلة أطال الله في عمرهم.
هؤلاء سيشهدون هدم هذا المتحف و هذا الفن المغربي الأصيل بعد نهاية شهر رمضان الأبرك الذي كان يجمع هذه الأسرة الرباطية العريقة تاريخا و وطنية و أصالة، و هدفهم الحفاظ على تاريخ هذه المعلمة التي أنجبت جيلا من الشرفاء و الأساتذة و الرياضيين و الإعلاميين و الفنانين و الوطنيين الصادقين.
اليوم، البيت التقليدي والعريق لأسرة التونسي موضوع هذا المقال بدوره يدخل في إطار علاقة تعاقدية جمعت الأطراف المعنية بين بائع ومشترٍ وفقًا للضوابط القانونية المتعارف عليها حول موضوع تصميم تهيئة مدينة الرباط، بالتراضي بين المالكين والمشترين.
لقد إنتهى التفاوض، إلى إتفاق دون أي إكراه أو تدخل غير قانوني في إطار احترام المقتضيات القانونية و المساطر المعتمدة بين الهدم و التسليم و الإفراغ بالتوافق التام مع الاستفادة بجميع الحقوق و المستحقات اللازمة.
حقيقة، تجعلنا نشكر السلطات المحلية من والي جهة الرباط سلا القنيطرة إلى موظفيه المباشرين من قائد المنطقة و الباشا و الشيوخ و المقدمين على المساعدة القيمة لمواطني و سكان حي ” سانية غربية “.