المثير للسخرية أن هناك من يتحدث عن “العهر السياسي”، بينما الحقيقة أن العهر السياسي الحقيقي هو استغلال معاناة الناس كما حصل مع سكان حي سانية غربية في الرباط، لتحقيق مكاسب مادية بأقلام شعبوية.
فمن السهل الصراخ واللعب على مشاعر البسطاء، لكن المسؤولية الحقيقية تتطلب قرارات جريئة قد لا تكون شعبية، لكنها ضرورية لمصلحة المدينة والمواطنين.
*مصطفى كوييس
يبدو أن البعض لا يرى في التنمية والتحديث سوى مؤامرة تستهدف “سحق البشر لصالح الحجر”، وكأن الرباط يجب أن تبقى مدينة عشوائية غارقة في الفوضى حتى لا ينزعج محترفو المزايدات السياسية.
الحقيقة التي يحاول البعض طمسها هي أن المشاريع الكبرى التي تشهدها العاصمة ليست ارتجالية ولا قرارات فردية، بل جزء من رؤية وطنية تهدف إلى تحويل الرباط إلى مدينة حديثة تليق بتاريخها ومكانتها.
الحديث عن “لي ذراع القانون” ليس سوى محاولة مكشوفة لتحريف الواقع، لأن كل مشاريع التهيئة في الرباط تخضع لإجراءات قانونية صارمة، بدءا من نزع الملكية أو بالتراضي مقابل تعويضات، مرورا بالحوار مع السكان، وصولا إلى توفير بدائل لمن يستحقونها.
فهل أصبح احترام القانون جريمة في نظر البعض؟ أم أن هؤلاء يفضلون استمرار العشوائية حتى يظلوا يلعبون على مشاعر الناس؟.
أما الضجيج حول “صوت الجرافات الذي يعلو على الجميع”، فهو مجرد خطاب عاطفي بعيد عن الحقائق.
الجرافات لا تعمل من تلقاء نفسها، بل بناء على قرارات قانونية صادرة عن مؤسسات الدولة.
وهذه المشاريع لم تنزل من السماء فجأة، بل تم الإعلان عنها وفق مساطر معروفة، فمن كان لديه اعتراض، فالقانون يضمن له حق اللجوء إلى القضاء، بدل الاستعراض الإعلامي الرخيص.
يريدنا البعض أن نصدق أن هذه المشاريع تهدف إلى “تشريد الناس”، بينما الحقيقة الواضحة هي أن الهدف منها إنهاء العشوائيات التي تضر بالسكان أنفسهم قبل أي جهة أخرى.
لذلك، فكل عمليات الترحيل تخضع لمعايير واضحة، وهناك تعويضات وسكن بديل لمن يستحق، لكن يبدو أن البعض لا يريد لهذه الحقائق أن تصل إلى الرأي العام، لأنها تفسد عليهم خطاب الضحية الذي يتاجرون به عند إقتراب أي استحقاقات إنتخابية.
كما أن المثير للسخرية أن هناك من يتحدث عن “العهر السياسي”، بينما الحقيقة أن العهر السياسي الحقيقي هو استغلال معاناة الناس لتحقيق مكاسب مادية بأقلام شعبوية.
فمن السهل الصراخ واللعب على مشاعر البسطاء، لكن المسؤولية الحقيقية تتطلب قرارات جريئة قد لا تكون شعبية، لكنها ضرورية لمصلحة المدينة والمواطنين.
وما يحدث في الرباط، هو جزء من رؤية أكبر لجعل العاصمة نموذجا للتنمية الحضرية تضاهي الحواضر العالمية، ولن يوقف هذا المشروع ضجيج البعض أو صراخهم في الإعلام.
هناك من يعمل بجد لتطوير المدينة، وهناك من يفضل الجلوس في الظل وانتقاد كل شيء، لكن في النهاية، التاريخ لا يذكر الذين يصرخون، بل يذكر الذين يبنون.
وإذا كان البعض يريد أن تبقى الرباط غارقة في العشوائيات والفوضى فقط ليستمروا في المتاجرة بمعاناة الناس، فإن الدولة لديها رؤية أخرى: بناء مدينة حديثة تحترم حقوق المواطنة الحقة وفق القانون، وليس وفق مزاج محترفي الشعبوية الإنتخابية.
* ناشط مدني