في حوار بث سابقا على ميدي آن، إستضافت الزميلة إعتماد سلام الفيلسوف المغربي الراحل محمد سبيلا في برنامج وبودكاست «في المكتبة».
حوار «إجتمع فيه ما تفرق في غيره»، كان بمثابة وثيقة من توقيع صاحبها لسيرة فيلسوف وكاتب، تعيد جريدة le12.ma نشر مقتطفات منه تكريما لروح الراحل، وتقديرا لمنجز الزميلة إعتماد المذيعة في ميدي آن.
تقديم – نيروز همون le12.ma
س: عادة كم ساعة تقضيها يوميا في مكتبتك وبين كتبك؟
ج: هنالك أنماط متعددة ومتنوعة من المكوث إما جلوسا على المكتب أو في أي ركن آخر من البيت أو الاستلقاء في رقعة أخرى لأن الجسم لا يتحمل الجلوس الطويل لساعات على الكرسي وأمام المكتب. نعم، هي بمعدل ثلاث إلى أربع ساعات في اليوم، والساعات الأخرى فيها أيضا أشكال من القراءة، واليوم أضيف المشهد الافتراضي، مشاهدة برامج فكرية وثقافية فيه ثراء كبير، فإذن هناك تنوع، هذا ما أريد قوله.
س: نعم. عندما يزورك أصدقاء أو زملاء، كتاب أو باحثون أو طلبة، هل تستقبلهم في مكتبتك أم أنها تظل مكانا أثيرا لا يلجه سواك؟
ج: لا، مكتبتي ليست لغزا ولا سرا ولا شيئا كهنوتيا. هي مفتوحة أمام الجميع وتعرفين أن المثقفين لديهم حتى وإن لم يعبروا عن ذلك، لديهم رغبة دفينة في الاطلاع على مكتبتك وكتبك وكيفية تنظيمها وكيف تقرأ وكيف تكتب. هناك رغبة دفينة في معرفة مكان جلوسك وعملك، وهذا يمكن القول إنه جزء من الطقوس، إن لم نقل المهنية، فهو من الطقوس السحرية للمهنة، فلكل مهنة أسرارها.
س: في إطار هذه الرغبة الدفينة أو هذا الفضول الذي لدينا جميعا.. هل لديك ركن معين تحب أن تجلس فيه وأنت تقرأ أو تكتب؟
ج: لا، هو في الحقيقة أعترف بأني أمارس نوعا من العدوانية على بيتي وعلى زوجتي، ولكن لماذا؟ لأن لدي مكتبا في البيت وهو ممتلئ بالجرائد والكتب والمجلات، بل مزدحم. فبدأت أتحايل على سيدة البيت لأقتطع جزءا آخر. مثلا هناك مكتب رئيسي، ولكن حتى في غرفة النوم اقتطعت جزءا منها ووضعت فيه نخبة النخبة من الكتب الأثيرة لدي، تلك التي اشتغلت عليها والتي أحبها والتي تتضمن الموضوعات الأقرب إلى نفسي أو العزيزة علي، وحتى غرفة الجلوس اقتطعت منها جزءا. فأنا أمارس نوعا من الاغتصاب المكاني.
س: طيب أستاذ محمد سبيلا، لنعد إلى البداية.. هل تتذكر كيف بدأت علاقتك بالكتاب؟
ج: في الحقيقة هذا لغز لم أستطع أن أفكه أو أن أستكشفه وهو علاقة سحرية. أنا منذ كنت في المدرسة الابتدائية كانت أستاذتي الفرنسية تميزني وتعطيني بعض الصور وبعض الرسوم الكاريكاتورية وبعض الرسوم عموما، فكنت ألتهم ذلك ووجدت نفسي شغوفا بكل ما هو مكتوب ومرسوم وبالألوان والخطوط مثل الخضوع لجاذبية سحرية، ولحد الآن حاولت الاستعانة بالتحليل النفسي وبالسوسيولوجيا والأنتروبولوجيا وكل التاريخ الفكري الذي مررت به ولم أستطع أن أفسر سر هذا الانجذاب السحري نحو الكتابة والحرف والرسم واللون.
س: ما كان أول كتاب قرأته أو حصلت عليه؟
ج: في مرحلة الطفولة كنا نقرأ قصص الأطفال، سواء بالفرنسية أو مثلا كانت وقتئذ سلسلة عربية تصدر في مصر كتاب الطفل أو شيء من هذا القبيل، كلها قصص وروايات وهذه مرحلة أولى، المرحلة الثانية عندما انتقلنا للثانوي وبدأنا ننفتح على معارف أوسع وثقافات أوسع سواء في العلوم أو اللغة أو التاريخ ومختلف التخصصات وبدأنا نتدرج أو نتزحلق من أبسط الكتب نحو أعقدها.
س: من هم الكتاب الذين قرأت لهم وتأثرت بهم خلال مرحلة مبكرة، مثلا عندما كنت في الثانوية؟
ج: في المرحلة الثانوية كان هناك تأثير المصريين، ليس فقط على مستوى قصص الأطفال، ولكن أيضا على مستوى الكتب، طه حسين، عباس محمود العقاد وبالخصوص سلامة موسى، أستاذ الأجيال وكل زملائي مروا من مرحلة سلامة موسى. لماذا؟ لأنه يبسط الأفكار ولديه قدرة على تبسيط أعقد الأفكار فكان تأثيره سحريا. هو يكتب كتبا فكرية حول الاشتراكية والعلمانية والتقدم ونظرية التطور، ويعد رائد الاشتراكية وأول من عرف بنظرية التطور الداروينية بشكل واسع في الثقافة العربية وكانت لديه قدرة سحرية على استقطاب الشباب بالخصوص.
س: نعم. أتوقع ولا شك أن كل المستمعين لديهم التوقع ذاته بأن كتب الفلسفة هي المهيمنة على مكتبتك أستاذ محمد.
ج: فعلا. كتب الفلسفة تمارس علي وعلى مكتبتي نوعا من السيطرة الإمبريالية الكلية. هي سيطرة مثمرة، لأني شغفت بالفلسفة منذ كنت في الثانوي، لذلك بمجرد حصولي على الباكالوريا لم يكن لدي أدنى تردد في اختيار شعبة الفلسفة كمجال للتخصص، كأن الفلسفة تصبح هي معنى الحياة أو المورد أو الطريق إلى اكتشاف معنى أو معاني الحياة ولذلك هي علاقة حب، والفلسفة كما تعرفين هي محبة الحكمة، ولذلك فإن اختياري كان نهائيا وحاسما وكما يقولون كان زواجا كاثوليكيا.
س: بالإضافة إلى كتب الفلسفة ما هي تصنيفات الكتب الأخرى الموجودة في مكتبتك أستاذ محمد، هل توجد روايات مثلا؟
ج: في الحقيقة أنا أميل إلى الشعر من الرواية وهذه عقدة الفلاسفة. عقدة الفلاسفة هي الشعر لأن كثيرين منهم فشلوا في أن يكتبوا الشعر أو لم يستطيعوا أن يكونوا شعراء فتحولوا إلى الفلسفة.
س: هل حاولت أن تكتب الشعر؟
ج: في مرحلة معينة ولكن المشكل هو أن الفلسفة تتطلب الوفاء المطلق وأن لا تكون لديك أي خليلة أخرى غيرها، هي تشترط عليك أن تطلق كل العشيقات الأخريات، وإذا كنت تريد أن تتخصص في مجال من مجالات الفلسفة فهي مجالات عميقة وتتطلب منك أن تكثف كل مجهودك لأنها ليست مسائل بسيطة وتتطلب جهدا فكريا، ولذلك اليوم هناك ظاهرة في الثقافة المغربية خلال السنوات الأخيرة وهي أن الفلاسفة بدأوا يتجهون نحو كتابة الرواية. هذه ظاهرة جديدة والعديد من زملائي كتبوا وأذكر منهم الأستاذ بلقزيز الذي له حتى الآن أربع أو خمس روايات.
*مقتطف من حوار عبر ميدي آن مع الراحل محمد سبيلا في برنامج وبودكاست في المكتبة