في سنة 1955 وبالضّبط في شهر أبريل لاحَت طائرة بسماء دكالة تجرّ خلفها خطاً طويلاً من الدخان الأبيض الكثيف ..وتثير ضَجيجاً مرعباً مُصمّاً للآذان ..

*حسَن الرّحيبي

رُعب الطائرَات النّفّاثة 

   طائرة زيدُوا زيدوا ..

أوْ

   الطّيّارة في السّمَا دَارَت عَلامَة

      يمُوتُوا اوْلاد لحرَام ويعيشُوا ليتامىٰ !

في سنة 1955 وبالضّبط في شهر أبريل لاحَت طائرة بسماء دكالة تجرّ خلفها خطاً طويلاً من الدخان الأبيض الكثيف ..وتثير ضَجيجاً مرعباً مُصمّاً للآذان ..

ارتعب الناس الذين اعتادُوا على طائرة ولد كارنو الحمراء الصّغيرة ، تشق طريقها من عين الغُرّ نحو سَهل أريري الخصب والشّاسع، صَباحاً تذهب وتعود في المسَاء ..

حركة غير معتادة من الغرب نحو الشّرق ، ومن الشرق نحو الغرب، وذلك لأن كل الطائرات التي تمخر عُباب فضَاء دوَاويرنا الهَادئة والناعسَة بمكانها الشامخ فوق كُدى بسيطة تجنباً لأي فيضَان أو سُيول تبلغ الزّبىٰ، وتتجاوَز حدّ الطّبيين !.

كما اعتادوا على طائرات تسير متثاقلةً ببطء شبهوها بالحَصيرة dirigeables Montgolfière ..تفضّل السّير والتّحليق فوق سَماء البحر ..من الجَنوب نحو الشّمال ، ومن الشّمال نحو الجَنوب لوجود خط أوروبا أمريكا الجَنوبية ..

لم يجد الناس من تفسير سوىٰ انتباههم لهرُوع الأطفال من نوَالة الطالب فارّين في كل اتّجاه وقد حمَلوا ألوَاحهم فوق رُؤوسهم و شخُصَت أبصَارهم، وبدوْا سكارَى ومَا هم بسُكارى .. 

تائهين مُحملقين في الفرَاغ ..مردّدين يَا لطيف ويَالطيف الطُف بنا فيما جرَات به الاقدَار!.

لقد أخبرهم الفقيه أن النبوءَة الدّينية تحقّقت !.

فقد اقترَبت السّاعة وانشقّ القمر !.

حمل الأطفال ألوَاحهم وتفرقوا مرعوبين لأرجاء تائهين راكضين يتجاراوا في كل مكان!.

 في سنة 1974 وقد أصبحتُ كبيراً ودرستُ الفلسفة ولم أعد أصَدّق نبوءَات أبي برُؤيته قبل الفجر وهو يسرّي بقرَاته العجفاء في لحدُودة تاوع عباد اللّه، وقد غشاها ضَباب الصّباح وتخضّبت بقطرات الندىٰ الباردَة ..بأنه شَاف اليوم عَلامَة حمرَاء تدل على بداية نهاية العالم !.

ݣالت ليه خَالتي فّيطنة بنت السّكّاف : بْطاوْوا !.

  

أمّا السّطاهر فاستمرّ يغرّد ويݣَرݣَر خارج السّرب على مَرت خَالي احمَد التي تزوّجها مُؤخراً :

  الطّيّارة في السّمَا دَارت عَلامَة

      يمُوتوا اولاد لحرَام ويعيشُوا ليتامىٰ !

  

 بينما تردّ عليه مزهوّة برجُولته وفحُولته وحكمته النّادرَة :

 أُه هُههُههههُ

اللّه يرحَم مَن قرّاك !

اللّي يَاخُذ يَاخُذ من العُولاَمَة !

كما ظَل هوَ يتربّصُ بكل امرَا هَجّالة غادرَها زَوجها علىٰ التّوّ نحوَ دَار البقاء بسيد الضّرَاوي .. قاصداً أن يحضُن علىٰ اليتَامىٰ أو يݣرُݣ عليهم :

  وَا عويشَة رَا احنا بغَينا نجبّذوا لعصَب !.

فتردّ  عليه الصّاع صَاعين رغم رباطها ولباسها الأبيض النّظيف :

سير الّله ينعَل وَالديك آبن لمهَاوَش الاَخر !.

بينما العلاَمة الصّباحية المُرعبة كانت مجرّد سَحابة تعرّضَت لأشعة شمس الصّباح وهي تستعد للطّلوع، فزادَتها حُمرةً والتهَاباً..سَرعان مَا تختفي قبيل بزُوغ الشّمس !.

 ورَغم كلّ ذلك ظل سّي علي يتساءَل حَائراً أمَام الجّامع ونحن أطفال صغار نخرج قبل الظّهر رَاكضين ملتحقين بخيامنا البَعيدة :

 اتّا إيمتَىٰ غادي ينزَل المَهدي المُنتظَر ؟ 

 لقد كانت نفسية الناس مهزوزَة لانعدام الأمن والسّطو على المَواشي ليلاً من طرَف عصَابة العوّاقي، وغَلاء الزّرع وجَشَع المطفّفين ..

كانت الطائرة الأخيرة بمنقار طويل معقوف نحوَ الأسفل، وبصَوت أكثر إزعَاجاً وُرعباً ..

إنها طائرة الكونكورد Concorde أحدَث مَا تفتّقت عَنه عَبقرية الإنجليز ومَكر الفرنسيين ..

كنت هاذاك الوَقت يالّله شادّ البَاك في يوليوز من سَنة 74 !

لذَلك نحتاج لتعليم جَامعي مضَاعَف و accéléré ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *