وأنا في طريقي إلى المحطة المعلومة التي تحمل الاسم ذاته.. كان ذلك في حدود العاشرة ليلا، إن أسعفتني هذه الذاكرة، التي بدأت ربما تلعب معي لعبة النسيان من حين إلى حين.
مراكش- عبدو المراكشي
الليلة لن أكرّر خطأ الليلة الماضية عندما سرت وسط “كرنفال” متحرك متشكّل في غالبية أمواجه البشرية من النساء بنسبة كبيرة جدا في سويقة “القواس”، وأنا في طريقي إلى المحطة المعلومة التي تحمل الاسم ذاته.. كان ذلك في حدود العاشرة ليلا، إن أسعفتني هذه الذاكرة، التي بدأت ربما تلعب معي لعبة النسيان من حين إلى حين..
كان التدافع على أشدّه في بعض المقاطع والممرات. تدفعك هذه جهة تلك فتقع في المحظور أو تكاد.. عليك أن تعتمد على ما تعلّمت من “الفّانتْ” وخفّة الحركة ورد الفعل حتى تتفادى أن “تصدم” تلك التي دفعتك هذه نحوها، فتجد نفسك في موقف لا تُحسَد عليه، تنطبق عليك فيه مأثورة “بتحطّو نفسكو في مواقف بايخة”… لكنْ يسعفك الفّانت، الذي بقي لك بعد ذهاب الصحة، وتتجنّب في آخر لحظة، “الاحتكاك” بالسيدة التي أمامك، والازدحام والفوضى يخنقانك ويجعلانك تندم على هذا الاختيار غير الموفق…
دائخا بجبّانيتين (من لتحتْ) من الحريرة مُولات القزبور والمعدنوس وداكشّي، وتهجم عليك الروائح المختلفة الفائحة من الأجساد المتقاطعة في هذا الشارع الفسيح العريض لولا… الفرّاشة… ظاهرة اجتماعية قائمة الذات تستوجب عقد موائد مستديرة وندوات وطنية وأوراش مفتوحة لمحاولة فهم الظاهرة وتجلياتها، وعلى رأسها ما تشهده هذه السويقة بالذات من ترامٍ حدّ الطغيان على الملك العمومي… على حقي البسيط كمواطن في أن أعبر الشارع -السويقة “في راحتي” دون أن يدفعني أحد على أحد أو أدفع أحدا نحو أحد…
كان هذا في الليلةَ السابقة التي حضرتني فيها بإلحاح المأثورة السابق ذكرها في إحدى هذه اليوميات (أو بالأحرى “الليليات”): الله يْعمّرك أمراكش!… حتى عمرات وزادت شوية!.. الليلة سأسير في درب قريب، مواز، لست من محبّي الزحام ولا صانعي هذا الزحام… وأن تسير في درب خال يتيح لك حتى امتياز تصفّّح حائطك الافتراضي، لتعرف ما يجري في العالم في الوقت الذي تسير فيه أنت في درب صتاعة مجدك الصغير، الذي لا يهتمّ به أو بك أحد في هذا العالم…
“شهد أحد مساجد مدينة خنيفرة، بداية الأسبوع الجاري، واقعة غريبة بعدما نشب شجار بالأيدي بين إمام المسجد ومؤذنه، إثر خلاف حول قنينات ماء معدني وهبها أحد المحسنين للمصلين.
ووقع الحادث، وفق مصادر محلية، عندما حاول الإمام نقل بعض هذه القنّينات إلى منزله، ما اعترض عليه المؤذن، ليتحوّل النقاش بينهما إلى تبادل للكمات أمام أنظار المصلين.
وأسفر الحادث عن إصابة المؤذن، الذي نُقل إلى قسم المستعجلات في المستشفى الإقليمي لتلقي العلاجات الضرورية، في ظل موجة من الذهول والاستياء بين رواد المسجد، الذين استنكروا الواقعة التي لا تليق بحرمة المكان ودور القائمين عليه، بحسبهم“.
أطفأتُ “الخلوي” وطيفُ ابتسامة شريرة على شفتَي (المبتلّتين كما العروق) على هذه “الترمضينة” التي وقعت في المكان الخطأ تماما: المسجد…
والحقيقة أنّ هذا الخبر “الطريف” (وهو بالمناسبة ليس معزولا، خصوصا خلال هذا الشهر “الفضيل”) يستفزّك لطرح بعض الأسئلة الحارقة حول أسباب بعض السلوكات الغريبة في مجتمعنا المغربي، خصوصا حين تصدر هذه السلوكات والتصرفات في الزمان والمكان غير المناسبين بتاتا لمثل هذه الأعمال الصبيانية، ونحن في شهر “الغفران” والله أعلم…
وامت أسي “الفقيه”.. ما حشمتيشّ وجهك هاداك ولّا قفاك؟.. السيد تصدّق بالماء للصّايمين انت باغي تدّيه لدارك!… تّبارك الله على الفقيه اللي نتمنّاو برَكتو…
العاشرة وواحد وثلاثون دقيقية.. كنت الراكبَ الأخير. جمع السائق صرفي وردّه، مع صرف آخر، لآخر راكبة قبلي، وغادر المحطة.. في جوف الطاكسي الصمت مهيمن تماما على الأجواء.. “ستكون رحلة بلا كلام” قلت لي، والسيارة تطوي “طوالة المحاميد” في اتجاه “المْدينة“..