كان المجرم الهارب المدعو الزائر، محكوما بـ”حوالي 24 سنة سجنًا نافذًا”، وفق مصادر صحافية، في قضايا تتعلق بـ”الاتجار في المُخدّرات، والسرقة بالعنف، والمشاركة في القتل”.
ع. الرزاق بوتمزّار -مُرّاكش
في الفيلم الأمريكي “الزّائر” (إنتاج 2008 -تدور أحداثه في نيويورك ما بعد 11-09-2001) الذي كتبه وأخرجه توماس ماكارثي يتقاسم أدوار البطولة فيه كلّ من ريتشارد جاكينزوهيام عباس وهاز سليمان ودانيا غريرا.
وأيضا في المسلسل الذي يحمل الاسم نفسه، تتقاسم أدوارَ البطولة العديدُ من الأسماء التي تُجسّد شخصيات هذه السلسلة “الخيالية” المشوّقة.. لكنْ سيسرق الأضواءَ من هذين العملين المُتخيّلَين “مُسلسَلٌ” مغربي “واقعيّ” (جدا) وسرعان ما سيجذب إليه بطله “المغوار” الأنظار والأسماع، معلنا نفسه البطل الأوحد: “الزّائر”…
وإذا كانت أحداث المسلسل الأول (الأجنبي -أخرجه رافع حمدي) تدور حول مُتّهم بجريمة قتل تفصله ساعات عن الحكم عليه، يسترجع ذكرياته في محاولة لإيجاد دليل براءته، فتنكشف العديد من الأسرار والخبايا في انتظار الفرج المأمول، فإن “المسلسل” المغربي يتعلق بمُتّهم من نوع آخر، بجرائمَ من نوع آخر، في مدينة أخرى من… نوع آخر.
إثر “لقطة” هروب هذا المجرم “الطريف”، أو هكذا كان انطباع البعض عنه، ومنهم كاتب هذه السطور، بالنظر إلى “طرافة” ما فعلَ رغم خطورته المُفترَضة، جنائيا وقانونيا، في حالة إدانته، سرعان ما صار هذا الهارب (وصف “الهارب” يذكّر المغاربة بمسلسل قديم باسم “le fujitif”) بطلا شعبيا على ألسنة الكثيرين ممّن يردّدون أشياء “خارقة” تمتزج فيها “الأسطورة” بـ”الحقيقة” لتصنع هذا الذي جرى في عاصمة الجنوب.
جريدة “Le12.ma” تُعيد تتبّع المحطّات الرئيسية في هذا “المسلسل”، الذي سمعنا عن “بطله” خلال رمضان الجاري أكثر ممّا سمعنا عن غيره من “أبطال” الأعمال “الفنّية” المعروضة -على أنظار إعلامنا العمومي مُعرضة- خلال شهر الصّيام، من خلال ما ورد في قصاصات الصّحافة المحلية والوطنية حول هذا الهروب “الكبير”.
سنعيد في هذه الورقة رسم “سيناريو” هذا المسلسل المُثير، الذي انتهى بالقبض (من جديد) على هارب “استثنائي” من العدالة المغربية ومن داخل أحد حصونها في قلب مدينة من حجم مُرّاكش، “أجمل مدينة في العالم”، مع ما خلّفه هذا الهروب “المثير” (للاستغراب أو للشّكوك أو لأشياء أخرى..) من زوابعَ ومن عواصف، ورُبّما من حرائقَ…
هربَ فجأةً..
نجح مطلوب للعدالة باسم “الزّائر”، أُلقي عليه القبض حديثا، في الهروب من قبضة أمن مُرّاكش، ما أثار حالة “استنفار أمني واسعا” إثر “هروب مجرم خطير بعد توقيفه”، ما وضع “الأجهزة الأمنية في مُرّاكش في حالة استنفار قصوى”… كما بدأت الصّحف المحلية، وبعدها الوطنية، تُعنون قصاصاتها عن هذا الخبر -“القنبلة”، الذي سيصير “حديث السّاعة” بين المُرّاكشيين طوال السّبع الأولى من رمضان…
هكذا، إذن، تفجّرت أخبار هذا “المسلسل” المُشوّق الذي صنعه الزّائر منذ هروبه “الهوليودي” من وسط ولاية أمن مُرّاكش حتى لحظة إلقاء القبض عليه مجددا في “مخبأ” في في منطقة”تامنصورت”، داخل مستودع في ملكية نائب في مجلس مقاطعة جليز…
فقد “شهدت مدينة مُرّاكش تطورا خطيرا في قضية توقيف أحد أخطر المجرمين في المغرب، المعروف بـ”الزّائر”، بعد تمكّنه من الفرار من “جيور” ولاية الأمن بعد فترة الحراسة النظرية، ما استدعى استنفارا أمنيا واسعا في المدينة بحثا عنه”.
فما هي إلا لحظات على إيداعه رهن الاعتقال الاحتياطي في ولاية أمن مُرّاكش، حتّى صار “بطل” مسلسلنا هذا “زائرا”عابرا، بعدما نجح في ظروف ما زالت قيد التحقيق، بحسب المصادر نفسها- في الهروب من غرفة معقل ولاية الأمن في حدودالخامسة صباحا، خلال فترة تمضيته الـ48 ساعة من الحراسة النظرية.
هروب استنفر الأجهزة الأمنية على إثره عناصرها لتعقّب “الهارب”، الذي انطلقت عمليات بحث مكثفة عنه في مختلف أحياء مُرّاكش، مع تعزيز المراقبة الأمنية عند مداخل المدينةومخارجها، استباقا لاحتمال فراره خارجها.
وعاشت مُرّاكش، منذ السّاعات الأولى ليوم السبت (فاتح مارس الجاري) حتى لحظة القبض عليه، حالة استنفار أمني “غير مسبوقة”.
والمعني بالأمر مدان بما يناهز ربع قرن من السجن النافذ، في قضايا تتعلق بترويج المُخدّرات والسّرقة بالعنف والمشاركة في القتل.
هارب غير عادي
بدأت أولى وقائع هذا “المسلسل” المغربي، إذن، بخبر “عادي” عن هروب مطلوب للعدالة ألقي القبض عيله حديثا، منشور في صفحات بعض المواقع والمنصات الإلكترونية.. ثمّ لم تتأخّر أولى “المفاجآت” في الظهور على “مانشيطات” أخبار هذه المواقع والمنصّات:
الهارب المعنيّ بخبر الهروب (29 سنة) ليس “مجرما” (مفترضا)عاديا، بل “خطيرا”، مطلوبا للعدالة لأنه محكوم غيابيًا بعقوبة سجنية مُحدَّدة في 22 سنة كاملة، وربّما أكثر!..
وتتوالى المفاجآت بعد ذلك، مُشكّلةً حلقاتٍ محبوكةً من التشويق والإثارة والغموض لهذا “الواقع” المغربي، الذي تجاوز “الخيال”.. ولْنتخيّلْ ما جرى في لحظة هذا “الهروب” (هذا “التخيّل” مبنيٌّ على “وقائعَ” مسموعة قد لا تكون بالضّرورة “مُتخيَّلة”) لنتعرّف أكثر “بطلَ” هذه المغامَرة المُدهِشة:
ولاية أمن مُرّاكش بعد أذان مغرب الأحد (فاتح مارس 2025) تتنفّس الصّعداء بعد يوم عمل استثنائي صادف أول أيام الصيام، تُوّج بالقبض على أحد أخطر المطلوبين للعدالة في الجهة، ما لم يكن على الصعيد الوطني..
قبل ذلك، في غضون الستّ وثلاثين ساعة الماضية، في “لاكابْ” (معقل -يكون في غرفة تحت أرضية) الولاية، في حدود الرابعة والنصف -الخامسة من صباح السبت، الوافد الجديد “الزّائر” يواصل في ذهنه رسمَ خطّة الهروب وهو بعدُ في حوار مع رجال الأمن الذين رافقوه حتى الزّنزانة الكبيرة الجماعية.
الزّلزال
-أنا ألشّاف راه ما خاصّكومشّ تْجيبوني هْنا حِيّ، راني ما دايْر والو…
راح يقول لهم كلاما من هذا القبيل، وهو يواصل مسح الفضاء وبوابته الكبيرة بعينين مُتّقدتين، قبل أن يغافل الجميع و”يُطرطق” ساقطات البوابة، استعدادا لشيء ربّما بدأ يتضح في دماغه أكثر فأكثر..
وما إن “أفرغ” بعض العصائر في جوفه (أعطاها له “رفيق” في “لاكابْ” نادى عليه باسمه الخاصّ وفاجأه بهذا “السّحور” الذي لم يكن في باله) حتى شوهِد “طيف” الزّائر، لحظاتٍ بعد ذلك، في عمق “لاكابْ”، رافعا كفّيه إلى السّماء كأنه يتضرّع أو يدعو..
ثمّ، فجأة، اندفع ليرتطم، بكامل قواه الجسمانية، بالبوابة العملاقة، التي استسلم قفلها الخارجي تحت قوة الاصطدام…
مَن كانوا نائمين في الزّنزانة استيقظوا ومن كانوا غافين أو غافلين انتبهوا مذعورين، وعلى لسانهم جميعا كلمةٌ واحدة: “الزّلزال هذا”…
ظنّ الجميع، بمن فيهم رجال الأمن الحاضرون، أنّ الزّلزال قد عاود رجّ “الحوز”.. لكنّ الحقيقة كانت شيئا آخر، كانت “زلزالا” من نوع آخر سيهُزّ الشارع المُرّاكشي، قبل أن يشغل الرأي العامّ المغربي عامة…
في لقطة “سينمائية” هوليودية، بنكهة “واقعية” مغربية، إذن، كان حمودة الزّائر قد صار خارج “لاكابْ”، على بعد خطوات فقط من معانقة هواء الحُرّية مُجدّدا… وما هي إلا لحظات حتى وجد نفسه خارج أسوار ولاية الامن..
كانت هذه بعض “كواليس” هروب الزّائر من قلب ولاية أمن مراكش.. والعُهدة على… الرّاوي.. فلنعدْ إلى ما “قالت الصّحافة”..
اختفى الزائر وتفجّرت الأسئلة..
اختفى الزّائر، تبخّر في أرض مُرّاكش أو ربّما خارجها (لو كان الزّائر “قافْز” فعلا لكان، وفق مصادر خاصة، خارج المغرب حتّى، وليس فقط خارج ولاية مُرّاكش، هاربا..
تظهر، تباعا، “السكوبات” و”الحصريات” و”العواجل” في عناوين الأخبار الإلكترونية العابرة للحسابات، مُعلنةً بداية مسلسل مغربي رمضانيّ بعنوان مثير: “الزّائر”.. انتعشت الصّحف والمواقع الإلكترونية ووجدت خبرا “يستحقّ”، وسط كمّ الأخبار التافهة التي تسيّدت المشهد الصحافي، المتشابه حدّ الملل..
لكنّ الأسئلة الحقيقية والعناوين المناسبة لم تُطرَق في صحف الإلكترون ولا الورق، إلا من رحم ربّي، سوى بعد “تفجّر” أولى “قنابل” هذه الملفّ الأمني، الذي سيكون له -لا محالة- ما بعده، بغضّ النظر عن انتهاء “بطل” مسلسلنا في أيدي العدالة من جديد:
-كيف يُترَك شخص “خطير” مثل هذا “المجرم” المُفترَض “طليقا” بدون “قيود” (مينوط)؟
-كيف تَمكّن من “خداع” مرافقيه من عناصر الأمن المكلفين بمراقبته والهروب من داخل مُؤسّسة أمنية من حجم وقيمة ولاية للأمن؟..
وبدأ النبش في “ملفّ” هذا الهارب المُرّاكشي، الذي “صنع الحدث” وصار حديث الشارع البْهجاوي منذ أول أيام رمضان..
وبدأت تنكشف فصول حكاية “بطلنا” الزّائر، كأنه يقدّم لنا بديلا للمسلسلات “البايْتة” التي تعرضها علينا قنواتنا الرّسمية، “الخارجة” عن التغطية”:
“مستودع” تننصورت..
تمّ “قفش” الهارب في منطقة “تامنصورت من قبَل عناصر أمن مُرّاكش، بناء على معلومات وفّرتها عناصر المديرية الجهوية لمراقبة التراب الوطني.
و”نجحت المصالح الأمنية في مُرّاكش، بتنسيق وثيق مع المديرية الجهوية لمراقبة التراب الوطني، خلال عملية أمنية نوعية، في إلقاء القبض على المجرم الخطير، المبحوث عنه في قضايا ترويج المُخدّرات الصّلبة وارتكاب اعتداءات بالسّلاح الأبيض.
ووفق ما قالت الصّحافة في أزمنة الإلكترون، فقد “جاء توقيف الزّائر إثر تعليمات صارمة عجلت بمداهمة وكر إقامته في طريق “أوريكا”، بضواحي مُرّاكش، حيث جرى اعتقاله دون مقاومة”.
مجرم خطير بـ”لائحة” تُهم ثقيلة
خلال سنوات هروبه الخمس، ورغم صدور أزيد من 20 مذكرة بحث على الصعيد الوطني في حقه، استأنف “بطل” مسلسل “الزّائر” نشاطه في ترويج المُخدّرات الصّلبة (الكوكايين وما جاوره) مستعملا، وفق ما أوردت الصحافة الإلكترونية، درّاجة نارية “ساوْيَة”، إذ شوهد في العديد من أحياء المدينة العتيقة لمُرّاكش، قبل أن يسقط مُجدّدا في قبضة الأمن.
وقد كان المجرم الهارب محكوما بـ”حوالي 24 سنة سجنًا نافذًا”، وفق مصادر صحافية، في قضايا تتعلق بـ”الاتجار في المُخدّرات، والسرقة بالعنف، والمشاركة في القتل”.
كما صدرت في حقّ الزائر اثنان وعشرون (22) مذكرة بحث على الصعيد الوطني. ورغم ذلك، كان قد عاد مؤخّرًا إلى مزاولة نشاطه الإجرامي في ترويج المُخدّرات الصّلبة.
توقيف أربعة أمنين ونائب مقاطعة
علاقة بـ”الحيثيات” التي رافقت “هروب” الزاير من قلب ولاية الأمر في مراكش، رغم “شهرته” وملفّه “الثقيل”، قرّرت المديرية العامة، وفق قصاصات الصحافة الإلكترونية، توقيف أربعة موظفين في ولاية أمن مُرّاكش عن العمل على خلفية الهروب المثير للزائر.
كما قادت التحرّيات، وفق المصادر ذاتها، إلى توقيف نائب مقاطعة جليز (حزب الاتحاد الدستوري) الذي وُضع رهن تدابير الحراسة النظرية للتحقيق معه حول ظروف وملابسات علاقته بالمُتّهم الفارّ.
تداخُلٌ خطير بين عالم الجريمة وبعض الأوساط السّياسية كشفه هذا “الهروب” المثير، الذي أشعل فتيل الجدل حول انتشار الفساد واستغلال النفوذ، في ظل ارتفاع أصوات مطالبةبـ”فتح تحقيقات مُوسّعة” حول تورّط منتخبين ومسؤولين في حماية عناصر إجرامية خطيرة.
الصّعق الكهربائي.. نهاية حزينة
في نهاية “درامية” لهذا “المسلسل”، وإثر عملية أمنية جرى تنفيذها في منطقة تامنصورت بضواحي مدينة مُرّاكش، تمكّنت عناصر الشرطة في ولاية أمن مُرّاكش، بتنسيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الجمعة 7 مارس الجاري(2025) من توقيف المشتبه فيه المُتورّط في الفرار من مكان مُخصّص للوضع تحت الحراسة النظرية (ولاية أمن مرّاكش) والاتّجار في المُخدّرات والمُؤثّرات العقلية والسّرقة.
وبحسب مصادر صحافية، فقد اضطرت عناصر الشّرطة خلالهذا التدخّل الأمني إلى استعمال مسدس الصّعق الكهربائيوإطلاق عدة شحنات كهربائية من أجل تحييد الخطر الصّادر عن المعني بالأمر، بعدما رفض الامتثال وأبدى مقاومة عنيفة.
في غضون ذلك، مكّنت إجراءات التدخّل المُنجَزة في هذه العملية الأمنية من توقيف شخص ثان كان برفقة المشتبه فيه الرّئيسي، بعدما ظهر من خلال تنقيطه في قاعدة بيانات الأشخاص المطلوبين للعدالة أنه “يُشكّل بدوره مذكرة بحث من أجل الاتّجار في المُخدّرات والمُؤثّرات العقلية.
ووفق ما أفادت به الصحافة الإلكترونية دائما، فقد جرىالاحتفاظ بالمشتبه فيهما الموقوفين معا تحت تدبير الحراسة النظرية، رهن إشارة البحث القضائي، الذي تشرف عليه النيابة العامة المختصة، قصد تحديد كافة الأفعال الإجرامية المنسوبة إليهما، وكشف ظروف وملابسات فراره من مكان مُخصّص للوضع تحت الحراسة النظرية في إطار إجراءات البحث ما قبل المحاكمة.