تقع زاوية سيدي وكاك في الجماعة القروية “اثنين أغلو” في إقليم تيزنيت، على الطريق بين مدينة تيزنيت وأكلو. وتعدّ هذه الزّاوية أم المدارس العلمية العتيقة وأول مدرسة في المغرب بعد الفتح الإسلامي..

تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le1

“المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصوفيان إلى أزمنة بعيدة..

لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.

بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزّوايا والطرق الصّوفية في المغرب.

تقع زاوية سيدي وكاك في الجماعة القروية “اثنين أغلو” في إقليم تيزنيت، على الطريق بين مدينة تيزنيت وأكلو. وتعدّ هذه الزّاوية أم المدارس العلمية العتيقة وأول مدرسة في المغرب بعد الفتح الإسلامي..

أُسست الزّاوية في نهاية القرن الخامس هجري، على يد سيدي وكاك بن زلوان اللمطي، أحد أشهر أولياء منطقة سوس. ومن أشهر من درس في هذه الزّاوية عبد الله بن ياسين، مؤسس الدولة المرابطية.

في العصر الحالي، يدرس في هذه الزّاوية ما بين 80 و100 طالب، ويُشكل المحسنون مصدر التمويل والتموين الأساسي للمدرسين وللطلبة، الذين قد يقضون ما بين 10 أعوام و12 عاما في هذا المكان، قبل أن يتخرجوا كخطباء يؤمون المصلين في صلاة الجمعة.

عند مشارف شاطئ أكلو، تطالع الزائر إلى جهة اليسار طريق ثانوية ضيقة تنساب عبر ربوة جبلية محاذية للأطلس الصغير تتخللها بعض المساكن ما تلبث أن تنكشف عن بناية ساطعة البياض تتوسطها صومعة سامقة كمن تضاهي في امتدادها عظمة المكان بهدوئه الأسطوري الذي يخفي في سكونه قصة زاوية استثنائية شكلت معقلا حافلا بالأحداث والوقائع في تاريخ الجنوب المغربي بل وفي تاريخ المغرب برمته، يكتب حسين ميموني.

الحاج محمد، رجل سبعيني من سكان القرية، تزامن وجوده في المسجد، بحسب المصدر نفسه، مع قراءة الحزب بين العصر والمغرب، يحكي كيف شهدت رحاب هذه الزّاوية تغييرات كبرى خلال العشر سنوات الأخيرة بفضل أحد المحسنين الذي تكفل بأشغال البناء والتوسعة، حتى غدا المكان يضم ثلاث طبقات ومطبخا ومساكن للطلبة ومكاتب ومجالس للفقهاء ومجلسا للضيوف ومرافق صحية وقاعات للتدريس تتسع لثمانين مقعدا.

وصرّح محمد واسميح، مدرس مادة القرآن في مدرسة أكلو: “هذا ضريح سيدي وكاك بن زلو اللمطي، أحد أشهر أولياء سوس، وهذه مدرسة سيدي وكاك العتيقة، أول مدرسة في المغرب بعد الفتح الإسلامي، حيث تتلمذ عبد الله بن ياسين قبل أن ينتقل إلى تخوم الصحراء ليشيّد منها أركان الدولة المرابطية“.

هنا، لاشيء يوحي بأن للمكان كل هذه الكثافة التاريخية وهذا الإشعاع الروحي لولا بعض الإشارات التاريخية المثبتة عند مدخل الضريح من قبيل “لسيدي وكاك ثلاثة أولاد يحيى وياسين وأبو علي، أخذ عن سيدي محمد بن تيسيت بأغمات وعن أبي عمران الفاسي بالقيروان ثم رجع إلى نفيس سنة 430 هجرية وتوفي بأكلو سنة 445“.

والحال، بحسب المصدر ذاته، أن سيدي وكاك، الذي خصصت ثلاثة أيام دراسية في ماي 2010 لإحياء الذكرى الألفية لإحداث المدرسة التي تحمل اسمه في موضوع “رباط وكاك بن زلو اللمطي وترسيخ الوحدة المذهبية والهوية الوطنية بالمغرب”، طبع برأي العديد من الدارسين والمؤرخين على حركة دائبة للتمكين للدين الإسلامي في المجتمع والفكر والثقافة وربط المسلمين بالعقيدة السمحة واجتثات جذور الوثنية والانحراف العقدي، في زمن طغت فيه على الغرب الإسلامي مذاهب دخيلة كالخوارج والروافض والبرغواطيين.

وتحفل كتب التراجم بأخبار الفقهاء العاملين الذين كونوا الأجيال وخرجوا العلماء وقادوا الفكر والمجتمع في تلك المرحلة ومنهم سيدي وكاك، أي “ابن الفقيه” بالأمازيغية، والذي ينتسب إلى قبيلة لمطة التي كانت مستقرة على وادي نول لمطة في منطقة أيت باعمران الحالية من والد عالم بالقرآن ينتمي إلى الشرفاء الأدارسة حسب ما يدل على ذلك مشجر أنساب أسرته الوارد في “المعسول” للمختار السوسي.

وتشير المصادر إلى أن وكاك هذا رحل إلى القيروان حيث لقي عبد الله بن أبي زيد القيراوني المتوفى سنة 386ه ودرس عليه ثم لازم تلميذه أبا عمران الفاسي حتى تخرج عليه، ليعود أدراجه بعد أن اكتفى من الأخذ عنه إلى المغرب للمشاركة في التربية والتعليم بمعية طائفة من زملائه في الدراسة، قبل أن يعلو كعبه ويذيع صيته بسبب ارتباط اسمه بتلميذه عبد الله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية (1040/ 1147).

وعن أسباب انتقاله إلى أكلو بعدما أقام برباط “نفيس”، يرجح عدد من الدارسين أن يكون مرد ذلك إلى عزمه مواصلة محاربة المذاهب الضالة بسوس ومتابعة أعمال عبد الله بن ياسين عن قرب بحكم قرب منطقة أكلو من الصحراء، لاسيما أن هذا الأخير ظل يراسل شيخه اللمطي ويستشيره ويرجع إليه في تدبير أموره بين اللمتونيين، حتى أثمرت جهوده بترسيخ أسس الدولة المرابطية التي مكنت من توحيد المغرب بل والغرب الإسلامي كله والقضاء على التفرقة والتشرذم والتمكين بشكل نهائي للمذهب المالكي.

واليوم، وبعد مضي أزيد من ألف عام على بناء رباط أكلو، يؤكد السيد واسميح، الذي يدرس هنا منذ 23 عاما، أن مدرسة سيدي وكاك ما زالت تستقطب أزيد من ثمانين طالبا من مختلف جهات المملكة، لاسيما من حاحا وسكساوة وأمزميز ووارزازات وقلعة السراغنة وبرشيد وآيت باعمران وإداوتنان والأخصاص وإداو سملال وأحيانا من الحسيمة بل وحتى من الجزائر.

وأوضح أنه يشرف إلى جانب الفقيه محمد البوجرفاوي، الذي يدرس هنا منذ أزيد من ثلاثين عاما علوم النحو والفقه والفرائض والفلك، على تلقين الطلبة أسس العلوم الشرعية وفق منهجية تراعي طرق التدريس بالمدارس العلمية العتيقة وفق برنامج زمني خاص بشهر رمضان “شهر القرآن” يبتدئ من الفجر إلى 11 صباحا، ثم يستأنف مع الساعة الثانية بعد الزوال إلى صلاة العصر بتلاوة القرآن بشتى القراءات.

وبالرغم من أن المدرسة خاضعة لنظام الأوقاف والشؤون الإسلامية منذ 2007، فإنها لم تفرط في العمل بالنظام القديم، إذ ما زال المحسنون هم من يشكل مصدر التمويل والتموين الأساسي للمدرسين وللطلبة، الذين قد يقضون ما بين 10 و12 عاما في هذا المكان قبل أن يتخرجوا كخطباء يؤمون المؤمنين في صلاة الجمعة بعد الحصول على شهادة من المدرسين مشفوعة بتزكية من المجلس العلمي المحلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *