إن ميلاد عرش مغربي، ودولة مغرية كانا مقرونين بتبني مؤسس العرش المغربي والدول المغربية للدعوة الإسلامية، وحمل راية الإسلام، والذود عن مبادئه، ونشر تعاليمه.
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
عُرف المغرب، منذ عهود، بإسلامه المعتدل، الذي يمتح من ينابيع قيَم التسامح والتكافل والتعاون التي طبعت الإنسان المغربي الأصيل، قائما على ركائزَ متينة تقوم على السجيّة المغربية، التي يسير وفقها كلّ أمر في الحياة بـ”النية”…
اخترنا لكم في “Le12.ma”وقفات مع ثلّة من الأقلام المغربية التي أغنت ريبرتوار الكتابات المغربية التي تناولت موضوع الإسلام المعتدل الذي انتهجته المملكة المغربية منذ القدم، والذي أثبت توالي الأيام وما تشهده الساحة السياسية الدولية أنّ هذا الإسلام “على الطريقة المغربية” لم يكن بالضّرورة قائما على “الصّدفة (النيّة) بل تحكمه أعراف وقوانين وتشريعات واضحة المرجعيات والخلفيات وواعية تمامَ الوعي بأنّ الإسلام… (آية قرآنية) و”الإسلام دينُ يُسر وليس دين عُسر” وأنْ “ما شادّ أحدَكم الدين إلا وغلبه“.
يقودنا رشيد الدرقاوي في مقالته “الإسلام وحقوق الإنسان” في عالم الديانة الإسلامية، التي عدّها الأقدرَ على تحقيق أماني الناس والأضمنَ لسعادتهم، إذ الدعوة إلى إله واحد دون ما سواه، وهو ما دعا إليه رسول الإنسانية عليه السلام بأمر من الله ووحيه، دعوة دائمة كفيلة بخير النّظم والقوانين التي تُسعد الناس. وقد تناول الكاتب الموضوع بإسهاب، ما علنا ندرجه في حلقتين.
ونشير إلى أن هذه المقالات منشورة في الموقع الإلكتروني لمجلة “دعوة الحق“.
إن ميلاد عرش مغربي، ودولة مغرية كانا مقرونين بتبني مؤسس العرش المغربي والدول المغربية للدعوة الإسلامية، وحمل راية الإسلام، والذود عن مبادئه، ونشر تعاليمه، ولم تقم دولة في المغرب –منذ افتح الإسلامي- إلا بقدر تحمسها لمبادئه وصيانتها لتعاليمه والذود عن حوزته وحرصها على أخلاقه وشمائله. ولم تسقط دولة كذلك من دولة إلا بقدر برودها في الذود عن مبادئه، وخذلانها لتعاليمه، وأخلاقه، وحوزته.
وكل صفحة من صفحات تاريخ المغرب الإسلامي ورجالاته تحمل مثلا ناطقا بذلك، ابتداء من مؤسس الدولة المغربية مولانا إدريس الأكبر، إلى يومنا هذا. فجميع ملوكنا العظام الذين يعتز بهم تاريخ المغرب تجد فيهم صلابة في الدين، وحرصا شديدا على نشره وشد عضده، والغيرة على حرماته، وعلى العكس تجد أن من أفل نجمه منهم لم يؤت إلا من تهاونه في أمر من أمور الدين، أو من عدم نجدته وقدرته على الدفاع عن حوزة الدين أما في الداخل أو في الخارج.
وقضية أخرى لا أظن من قبيل المصادفات كذلك، وهي أنه كلما اشتد حماس ملوكنا للدعوة الإسلامية، والذود عن حوزة الإسلام، اتسعت رقعة التراب المغربي شرقا وجنوبا وشمالا، وكلما خسا ذلك الحماس، وبردت جذوة النخوة الإسلامية طويت الرقعة، وتقلص ظل الراية المغربية، بل أكثر من ذلك تنقص البلاد من أطرافها وتنام في عقر دارها.
لم يفتح علي في علم النجوم حتى أعلم هل طالع الدولة المغربية رصد على ذلك يوم تأسيسها؟ ولكن تسلسل الأحداث التاريخية تكاد تنطق بذلك ! سواء آمنا به أم لم نؤمن، وسواء كان ذلك صحيحا أم غير صحيح، فالمهم عندي هو الخروج بعبرة من أحداث تاريخنا تكون لنهضتنا الجديدة نبراسا تستنير به في طريقها الطويل، المحفوف بالمخاطر والأشواك، وبالإمكانيات الواسعة والإرهاصات المنعشة.
لا مجال للالتباس -على كل حال- فإما أننا نريد أن نكون دولة قوية محترمة بكل ما تحمل هذه الكلمات من معاني القوة والاحترام. أو لا نريد ذلك؟ ولا أظن أن مواطنا واحدا لا يريد للمغرب القوة والاحترام ! وقضية أخرى لابد من الاتفاق عليها حتى تصبح من المسلمات، وهي أن أية شخصية، وأية دولة تكتسب من القوة والاحترام بقدر ما تكتسب من غايات ومبادئ سامية تبشر بها وتنافح من أجلها.
والمغرب يحكم موقعه، نقطة انفصال، أو نقطة اتصال –كما يحلو للبعض أن يسميها- بين الشرق والغرب، ومفتاح الصحراء والشعوب الإفريقية السوداء في هذا الركن من العالم. بين الشرق المسلم والصحراء وإفريقية المسلمة، أو المستعدة لفتح قلبها للإسلام، وبين دول المغرب المسيحية، المتعصبة، والموتورة، التي حاولت طيلة ثلاثة عشر قرنا القضاء على شعلة الإسلام التي للمغرب ضلع مهم في حملها إلى إفريقيا وأوروبا. حاولت ذلك بالقوة، وبالحروب الاجماعية، ثم هي في العصر الحاضر تحاول بوسائل أخرى فكرية وفلسفية، وبث مذاهب هدامة، وتشجيع الميوعة والانهيار الخلقي فينا وضرب نطاق الحصار الاقتصادي قصد إضعاف، أو استغلال إمكانياتنا، وذلك بتنظيم أسواق، لهم منافعها وعليا أوزارها، ثم هي في ذات الوقت الذي تقوم فيه بهذا الدور الإجرامي لخنق إمكانياتنا المادية وبث الشك والسخرية من قيمنا وديانتنا وأخلاقنا بكل الوسائل التي ذكرت والتي لم تذكر، في هذا الوقت بالذات تحاول أن ترثنا في إفريقيا لا من حيث الاستغلال المادي فحسب، ولكن من حيث نشر الديانة المسيحية بين أهاليها الذين لم يعتنقوا أية ديانة بعد، بل ويحاولون حتى مع من بلغتهم دعوة الإسلام، أن ينسلخوا من ديانتهم الأولى ويلتحقوا بالركب المسيحي الزاحف.
فالبعثات المسيحية في كل قطر من أقطار افريقيا، بل في كل بلدة ومدشر، من كل جنس، ومن كل مذهب من مذهب المسيحية، والإعانات والوسائل تتدفق عليها من كل حدب وصوب، والمدارس تقام في كل بلد من بلدان أوروبا وأميركا لتخريج مبشرين أكفاء، لهم جميع المؤهلات التي تضمن لهم النجاح في مهمتهم الخطيرة. أما عن الوسائل فحدث ولا حرج، فلم تعد وسائل الوعظ والإرشاد بكافية في هذا العصر، بل تستعمل المدرسة، والنشرات، والعلاج، والإسعاف، وتوزيع الأدوية بالمجان، وكل وسائل البر والإحسان، زيادة على خفض الجناح والشفقة والرحمة التي يربى عليها الآباء المسيحيون، والتي تخدع كثيرا من البسطاء.
إذا علمنا هذا، بقي أن نعلم شيئا آخر، وهو أننا دولة صغيرة، إمكانياتنا المادية محصورة، وعدد سكاننا قليل وقليل جدا بالنسبة للشعوب الكبيرة فالقوة والاحترام اللذان ننشدهما لا يأتيانا من القوة المادية، على الأقل في الظروف المستقبلة، ولكنهما سوف يسعيان إلينا متى شمرنا على سواعدنا، وحملنا من جديد مشعل الدعوة الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، والمبادئ الإسلامية إلى ربوع افريقيا، تتميما لرسالة أجدادنا، وقياما بواجبنا الديني نحو إخوان لهم كل الاستعداد للانسجام معنا ووضع اليد في اليد لدرء الغزو الأجنبي المادي والروحي. برهنوا على ذلك في الماضي. وما يزالون يبرهنون عليه حتى اليوم، أو قل هم أشد برهنة عليه اليوم. وأخيرا من أجل تحصين أنفسنا قبل كل شيء ! فالمرء قوي بأخيه كما قيل.
وقبل أن أختم حديثي لابد لي من أن أنبه إلى لأنه لا يمكننا أن نؤدي هذه الرسالة الخطيرة إلا إذا أصلحنا من حالنا وذلك أولا وقبل كل شيء باقتلاع رواسب الاستعمار من عقولنا وقلوبنا. ونبذ كل ما بث من ريب حول مقوماتنا وأخلاقنا وديننا، وتحصين أنفسنا ضد الميوعة والاستهتار والانحلال. حتى نكون جيلا قوي الشكيمة، مؤمنا بدينه، متحمسا لأداء رسالته السماوية، التي كانت سبب سؤدد قومه في جميع عصوره الذهبية.
وبعد فهذه كلمة أوحى لي بها موضوع ذكرى عيد العرش المجيد، وأنا أستعرض شريط هذا العرش الجبار، الذي استعصى تقويضه على كافة الدول التي حاولت بكل الوسائل الشريفة والدينية جعل حد لحياته؛ فلم أجد له سندا في تحصين نفسه ضد العواصف والزوابع هذا النور الذي جاء به خير البشرية ورسول الإسلام الأكرم سيدنا محمد عليه وعلى آله أزكى الصلاة والسلام ولا شك في أن وارث هذا العرش جلالة محمد الخامس، وهو من نعرف غيرة على دينه، وتصلبا في الدفاع عن حوزته وحرماته، سيرسم الخطط، ويلهب الحماس ويعبئ الهمم حتى يقوم هذا العرش بكل التزاماته نحو هذا الدين الذي قرر ضرورة وجوده، وظل سنده الأقوى في هذا البلد الأمين، لكي يتابع حمل المشعل المنير في ربوع القارة الإفريقية المتطلعة دائما بكامل اللهفة والشوق لكل ما يصدر من المغرب من إشراق ونور.