أسّست زاوية سيدي بلعباس في القرن الثاني عشر. أما تاريخ المدرسة والمسجد فيعود إلى 1605 م. وتمتدّ واجهة نافورة سيدي بلعباس، المغطاة بالجص، على خمسة أقواس تسمح بدخول النافورة.

تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le12

المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصوفيان إلى أزمنة بعيدة..

لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.

بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزّوايا والطرق الصّوفية في المغرب.

أسّست زاوية سيدي بلعباس في القرن الثاني عشر. أما تاريخ المدرسة والمسجد فيعود إلى 1605 م. وتمتدّ واجهة نافورة سيدي بلعباس، المغطاة بالجص، على خمسة أقواس تسمح بدخول النافورة. والأرضية مبطنة بالكامل بالزليج، بينما تبرز العوارض من السقف، ويزيّن صف من البلاط المكشوف الجزء العلوي من الواجهة الخارجية من الجص المنحوت.

والزاوية ضريح لأبي العباس السبتي (توفي في 1204) أشهر رجالات مراكش السبعة. وكانت الزّاوية تقع في الأصل خارج أسوار المدينة، بالقرب من البوابة الشمالية السابقة لـ”باب تاغزوت”، لكنْ تم تمديد الجدران لاحقًا، لتشمل الحي المتنامي حوله. وقد تطورت الزاوية، التي تتميز ببناءات رئيسية من العصر السعدي على وجه الخصوص، معماريًا وتغيّرت بمرور الوقت.

وأبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي (المولود في سبتة في 524 هـ/ 1129 م، هو أكبر أولياء مدينة مراكش وأحد رجالاتها السبعة.

مات والده فاضطرت أمه إلى إرساله إلى حائك لتعلم الحرفة مقابل أجر. وبما أن أبا العباس كانت له رغبة في العلم، فإنه كان، كما تقول الروايات، يفرّ من معمل الحائك ليلتحق بكُتّاب الشّيخ أبي عبد الله محمد الفخار، فتلحق به أمه لتعيده إلى الحائك بعد معاقبته. ومع تكرر الحادث، تدخّل الشّيخ مقترحا على الأم أن يعلّم الصبي ويدفع لها.

وفي 539 هـ/ 1144 م، السنة التي انتصر الموحدون على المرابطين، بمقتل علي بن يوسف بن تاشفين، سافر أبو العباس إلى مراكش طلبا للعلم ولقاء المشايخ، وعمره ستة عشرة عاما.

وجد أبو العباس مدينة مراكش في حالة حصار (استمر من محرم إلى شوال عام 541 هـ/ 1146 م). فصعد إلى جبل جيليز مع وصيفه مسعود الحاج. وقد بقى في خلوته هناك مع وصيفه أربعين سنة، بحسب صاحب “تعطير الأنفاس“.

دخل أبو العباس إلى مراكش وقطع خلوته الطويلة في عهد المنصور، وسمع بأخبار كراماته هذا الأخير دعاه إلى الإقامة في المدينة وحبّس عليه مدرسة للعلم والتدريس ودارا للسكنى.

توفي أبو العباس السبتي في مراكش في اليوم الثالث من جمادى الأخيرة عام 601 هـ/ 1204 م.

وإذا كانت الزّوايا قد أسهمت في صنع التاريخ الديني للمملكة وفي نشر قيم السلام والتسامح، فإن زاوية سيدي بلعباس بمراكش تتميز، عبر تاريخها وإلى اليوم، بأدوارها الرائدة في النهوض بقيم التضامن والتآزر في المجتمع.

واشتهرت هذه الزّاوية، التي توجد داخل الصرح الديني الذي يقع في قلب المدينة العتيقة لمراكش، والذي تم بناؤه لتخليد ذكرى الولي الصالح سيدي بلعباس (1129 -1204) على الصعيدين الوطني والدولي، لتتبوأ الريادة في إرساء منظومة محكمة لإعادة توزيع الصدقات، والمساعدة على الأشخاص المحتاجين.

وتهدف هذه المنظومة إلى تكريس قيم التضامن والتكافل الاجتماعيين، التي أرساها الولي الصالح سيدي بلعباس، والذي عكست حياته خطَبَه التي أكدت على أهمية الكرم وبذل العطاء للأشخاص المعوزين.

وقد خلّف هذا الولي الصالح، الموقر في جميع أنحاء المغرب، وراءه إحدى شيم الكرم التي ارتبط اسمه بها. وعلاوة على ذلك، تخصص له العديد من الهيئات المهنية في المملكة أولى ثمار عملها، الذي يحمل اسم “العباسية“.

ولا تزال الزّاوية إلى غاية اليوم فضاء ينجذب إليه المئات من الأشخاص المحتاجين.

في القرن السادس عشر، تم بناء مسجد جميل أضيف إلى الضريح الأول. ويستقبل هذا المسجد التاريخي، الذي يعد جوهرة معمارية حقيقية، آلاف السياح سنويا.

ويضم هذا الصرح الديني ممرا مقببا يؤدي إلى فناء واسع جرى ترصيفه بعناية، تهيمن عليه مئذنة شيدت بالطوب الجاف، بينما زين المدخل الضخم للمسجد بالرخام والجبص وجمّل السقف بطلاء.

كما توجد قبالته نافورة تعود إلى القرن الثامن عشر ذات زليج بهي، تضم هي الأخرى مظلة من خشب الأرز جرى نحتها وطلاؤها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *