في هذه الورقة التي  شارك بها الاستاذ حكيم بلمداحي، في كتاب عن نعيمة سميح، الذي  أصدرته سفارة المملكة المغربية بتونس تحت إشراف السفير  حسن طارق نتعرف على محطات فارقة في مسار مطربة استثنائية.

*حكيم بلمداحي/ كاتب صحفي 

ياك أجرحي جريت وجاريت”

حتى شي ما عزيتو فيك”

بهذه الكلمات  

وببحة مميزة في الصوت، عرف المغاربيون الفنانة نعيمة سميح في منتصف سبعينيات القرن الماضي. كانت أغنية “جريت وجاريت”، التي كتب كلماتها الزجال المبدع علي الحداني ولحنها أحد أقطاب الموسيقى في المغرب عبد القادر وهبي، جواز انتشار وذيوع صيت لشابة كل ما فيها يعبر عن تميز المجال..

في المغرب والجزائر وتونس وليبيا، همست بحة نعيمة سميح بغناء يغرف من عراقة المغرب والمنطقة المغاربية بثقافتها المتنوعة والمتميزة.

نعيمة سميح ابنة درب السلطان بالدار البيضاء، واسم الحي يحيل على عدة أشياء في مخيال البيضاويين والمغاربة بصفة عامة. 

هو حي المقاومة ضد الاستعمار.. وهو حي المقاومة في الحياة من أجل البقاء ومن أجل التميز.. 

لهذا تخرج من درب السلطان مثقفون وفنانون وأطر من مختلف التخصصات.

في درب بوشنتوف بحي درب السلطان، رأت نعيمة سميح النور في بداية

خمسينيات القرن الماضي.. و من هذا الحي سوف تخرج للناس صوتا غنائيا بمقومات خاصة..

لم تتلق نعيمة سميح تعليما كبيرا، لكنها كانت تملك هوية فنية وموسيقية في صوتها وفي إحساسها.. 

كما أن نعيمة لم تتلق تعليما في الموسيقى، لكنها كانت تتمتع بأذن تميز المقامات وإحساس يفرز النغمة..

كانت الموهبة موجودة والصوت رخيم والإحساس فني،  لكن هل  كان هذا يكفي لكي تلج نعيمة سميح مجال الفن والغناء؟..

طبعا الأمر ليس بهذه السهولة، فهي في الأول امرأة في مجتمع محافظ يعتبر المرأة عورة وأداة إغراء وهي تتحدث بصوت مسموع فما بالك وهي تغني.. 

نحن في مرحلة زمنية ولوج المرأة عالم الغناء عنوان على فحشها وخروجها عن الطريق.. غير أن نعيمة سميح سوف تصمد وسوف تجد كوكبة من الداعمين الذين سوف يساعدونها على تذليل الصعاب..

نعيمة سميح ترعرعت في أسرة محافظة وفي حي يتميز بدفء علاقات سكانه وتضامنهم.. درب السلطان معقل المقاومة ضد الاستعمار ومعقل اجتهاد أبنائه ونبوغهم في عدة ميادين..

لم تكمل نعيمة سميح تعليمها واكتفت بمستوى ابتدائي، وأجبرتها الظروف على العمل وهي صغيرة السن، لمساعدة أسرتها. لكن حبها للفن شدها بقوة فساهمت الصدفة في اكتشاف أهل الفن لموهبتها لتدخل مجال الغناء بقوة صوتها وتميزه وبحسها الفني الذي تفتح بشكل جعلها تبلغ الشهرة في مدة وجيزة..

البداية الفنية

لم يكن على بال نعيمة سميح أنها ستدخل مجال الغناء. فعلى الرغم من حسها الفني الفطري وصوتها المتميز، إلا أن طرق مجال الغناء كانت تراه بعيد المنال. فهي امرأة، والمرأة في تلك الفترة  محرم عليها الغناء بعادات وأعراف المجتمع…

كيف يتسنى لها ذلك وهي ابنة حي شعبي له أحكامه المسبقة ونظرته لغناء المرأة. لكن شاءت الظروف أن يسمع نعيمة شخص من أهل الفن وهي تغني فشدته بحتها وشجعها على ولوج مجال الغناء.

وجاءت سنة 1972 مع برنامج كان ينتجه الفنان محمد بن عبد السلام في الإذاعة الوطنية، هو برنامج “مسابقة المغرب العربي للأغنية”. تقدمت نعيمة سميح للمسابقة، ومن أول تجربة لها قبل الانتقاء شد أداؤها انتباه محمد بن عبد السلام ورأى فيها صوتا واعدا يجب تبنيه والاعتناء به.

كانت نعيمة سميح قد دخلت مسابقة الانتقاء بأغنية “الشيخ مسعود”، وسوف تنجح في المسابقة وتفوز بها..

مع محمد بن عبد السلام

نجحت نعيمة سميح في برنامج “مسابقة المغرب العربي للأغنية”، لكن محمد بن عبد السلام كان يريد أكثر من المسابقة. فقد لمس من صوت نعيمة مشروع فنانة سوف يكون لها شأن كبير. طلب بن عبد السلام من نعيمة أن تواصل مسيرتها الغنائية، فهي موهوبة وستعطي في المجال. لكن نعيمة تهيبت من الأمر.. فكيف ستحصل على موافقة عائلتها خصوصا والدها؟ .

وكيف سيتعامل معها معارفها وناس حيها؟ إنها مغامرة لا تقدر عليها… بعد إلحاح على نعيمة أخبرت محمد بن عبد السلام والأطر التي تشتغل معه بأن الكلمة الفصل في الأمر هي لوالدها، وهي لن تجرؤ على الحديث معه

في الموضوع. هنا تكفل ثلة من الفنانين والإعلاميين بالوالد وذهبوا إليه، وبعد مفاوضات عسيرة قبل على مضض، لكنه اشترط أن تكتفي ابنته بأداء الأغاني الدينية والوطنية.

هكذا سوف تغادر نعيمة محل الحلاقة الذي كانت تشتغل به وتبدأ مشوارا فنيا سوف تبدؤه بلحن لمحمد بن عبد السلام في أغنية نوارة

بداية المشوار

ستبدأ رحلة نعيمة سميح بسلاسة في المجال الغنائي وسوف تجد كل الدعم من فناني المرحلة من ملحنين وشعراء وستبحر في الفن والغناء وعلى الرغم من عدم دراسة نعيمة سميح للموسيقى إلا أنها كانت موسيقية بالفطرة، فلم تجد صعوبة في أداء ألحان كبار الفنانين المغاربة، وكانت تغني بشكل يشد الانتباه، وساهمت بحة متميزة في صوتها على تمكنها من الأداء بشكل طربي شجي فتمكنت من سلب قلوب جمهور واسع.

هكذا بدأت نعيمة سميح مشوارها الغنائي وهي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها. وفي فترة وجيزة سوف يكون لها شأن كبير في الغناء في المغرب وسوف تبلغ الشهرة وسيتشكل لديها جمهور واسع من العشاق والمعجبين..

بلوغ الشهرة

سطع نجم نعيمة سميح في فضاء الأغنية وسحر صوتها الملحنين فسارعوا إلى احتضانها.. كانت البداية مع الملحن

المبدع محمد بن عبد السلام صاحب أغنية “أنا من أنا” للفنانة علية التونسية.. محمد بن عبد السلام اكتشف موهبة نعيمة سميح وأصر على أن تمارس شغفها في الغناء.. 

كانت بداية تعامل محمد بن عبد السلام مع نعيمة سميح بأغنية “نوارة” أو “نون يا كحل العيون” ذلك بعدما فرضت صوتها في مسابقة المغرب العربي.

نعيمة سميح ستغني العديد من ألحان محمد بن عبد السلام من بينها أغنية “الله عليها قصارة”، “البحارة”، “تفتح الورد” و”غنى الطير” وغيرها

صوت نعيمة يغري الملحنين  

نعيمة سميح سوف تغني لمدرسة تلحينية أخرى غير مدرسة محمد بن عبد السلام، يتعلق الأمر بالفنان عبد القادر الراشدي.. 

هكذا ستغني نعيمة سميح للراشدي عدة ألحان منها: “غاب علي لهلال” و”على غفلة” و”هذا حالي” و”جاري يا جاري” وغيرها..

نعيمة سميح سوف تتسلطن مع عبد القادر وهبي في أغنية “جريت وجاريت” وستتربع على عرش الغناء النسوي المغربي في تلك الفترة… هكذا سوف تغني نعيمة سميح للطيف المغربي من الملحنين من عبد الرحيم السقاط الذي

أبدع في أغنية “الخاتم” إضافة إلى المعطي بن قاسم وإبراهيم العلمي ومحمد بلخياط وأحمد العلوي وغيرهم…

نعيمة سميح أطال الله في عمرها وإن أوقفها المرض عن الغناء إلا أنها ستظل أيقونة الغناء العصري المغربي في مرحلة زمنية مهمة تسمى الزمن الذهبي للأغنية.. 

وقد خلفت “ريبيرتوار” جد مهم في خزانة الأغنية المغربية من أغاني عاطفية ووطنية واجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *