يعدّ المسجد الأعظم أو “الجامع الكبير” كما يسميه عامة الناس بالمدينة العتيقة، من أهم وأقدم مساجد مكناس، ويقع وسط المدينة القديمة في منطقة تسمى “قبة السوق” في حي “حمام الجديد الموحدي”.
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
اشتهر المغرب بكونه يتوفر على عدد كبير جدا من المساجد، حتى لَتجد من ينتقذون هذه الوفرة “الملحوظة” لـ”بيوت الله” على حساب مرافق حيوية أخرى ضرورية لحياة المواطن البسيط، مثل المدارس والمستشفيات والمصانع.
بناء على هذه المعطيات لا تكاد تخلو أية قرية نائية أو مدشر موغل في أعماق “المغرب غير النافع” من مساجدَ يُذكر فيها اسم الله، فما بالك بمُدن المركز وباقي الحواضر الكبرى في بلاد الـ مسجد.
سنأخذكم، من خلال هذه الفسحة الرمضانية “حكاية مسجد” في جولات عللا بساط من كلمات خطّتها أقلام مغربية مختلفة عن أشهر مساجد المغرب وجوامعه.
يعدّ المسجد الأعظم أو “الجامع الكبير” كما يسميه عامة الناس بالمدينة العتيقة، من أهم وأقدم مساجد مكناس، ويقع وسط المدينة القديمة في منطقة تسمى “قبة السوق” في حي “حمام الجديد الموحدي”، ما يؤكد انتماءه إلى العهد الموحدي . وتبلغ مساحته حوالي 3500 متر مربع.
تمّ تأسيس القواعد الأولى للمسجد الأعظم أواخر العهد المرابطي (668 -869). ثم زاد الموحدون في سعته بعد عام 600 وزيّنوا أروقته بثريا فخمة صُنعت أيام محمد الناصر الموحدي عام 604. وقد أعادوا بناء صومعته بعد أن تهدّمت في أعقاب الزلزال الذي ضرب المدينة في القرن السابع للهجرة.
ويعد هذا المسجد العريق من المساجد التي صلى فيها بعض الملوك المغاربة، على رأسهم الملك محمد السادس والملكان الراحلان محمد الخامس والحسن الثاني، كما عُرف بكونه مسجد صلى فيه عدد من العلماء والشيوخ، على رأسهم الشيخ الهادي بنعيسى، والعالم فريد الأنصاري وغيرهما من فقهاء الشريعة الإسلامية.
وإحدى أبرز معالم هذا المسجد، بحسب علي زيان، الباحث في التراث، عدد أبوابه التي كانت تبلغ أحد عشر بابا، قبل تقليصها لتصبح اليوم تسعة فقط، ويحمل كل باب اسما يرمز إلى شىء ما، وهي : باب العدول الذي يشكل حاليا مدخلا للنساء، وباب الحفاة، ومن خلالها يتم المرور إلى الصحن الذي تتوسطه نافورة، باب الجنائز المقابل لجامع الحجاج، إضافة إلى باب الكنيف المقابل للمراحيض المحاذية للمسجد، وباب الزرائعيين، الذي يشكل بابا صغيرا مخصصا لدخول المؤذن ليلا إلى المسجد، ويليه باب تربيعة الذهب، المقابل للقيسارية التي كانت في السابق عبارة عن محلات لبيع الحلي والمجوهرات، ثم هناك باب الخضر، وهو باب لا يفتح إلا يوم الجمعة، إلى جانبه باب الحجر المقابل للمدرسة الفيلالية، وأخيرا الباب الكبيرة وهي من الأبواب التي تعتبر المدخل الرئيس وتوجد بالمحاذاة مع خزانة الجامع الكبير التي تم تأسيسها من طرف المرينيين.
ويتوفر المسجد وفق المصدر نفسه، على 143 قوسا، بينما يصل علو منارته إلى ما يناهز 22 مترا، وعرض جدارها حوالي 5 أمتار ونصف.
وكان المسجد يتحول خلال شهر رمضان الكريم إلى قِبلة تستقطب عشرات المصلين من مختلف أحياء المدينة الإسماعيلية، ومن ضواحيها ومن مختلف الأعمار، إلى جانب الحرفيين وتجار المدينة العتيقة ومن الأعيان وكبار المسؤولين وغيرهم. كما يرتفع عدد النساء اللواتي يترددن عليه طيلة هذا الشهر الفضيل. لكنّ كل ذلك توقّف الآن بعدما شُرع في ترميم هذه المعلمة منذ تاريخ بعيد ولم يتم الانتهاء من ذلك حتى يومنا هذا.
وللجامع دور كبير في التعبّد والتقرب إلى الله عز وجل، بالإضافة إلى إلقاء دروس التثقيف والتوعية، خاصة بين صلاتي العصر والمغرب، وطيلة أيام السنة من خلال الخطب وحلقات الذكر الحكيم، فضلا عن تميزه خلال هذا الشهر المبارك من كل سنة بتلاوة حزبين من القرآن الكريم خلال أوقات الصلاة يوميا ليتم ختم أجزاء الستين حزبا مع نهاية هذا الشهر الفضيل.
وقد تم إغلاق المسجد الأعظم منذ 2015 لإصلاحه، لكن إلى يومنا هذا لم ينتهِ تلك الإصلاحات رغم مرور ما يناهز عشر سنوات تقريباً، ما دفع السكان إلى تقديم عريضة إلى الجهات المسؤولة من أجل تسريع إنهاء الأشغال وإعادة فتحه.
وقد أثر إغلاق المسجد الأعظم كثيراً على منطقة قبّة السوق، ليس فقط من الناحية الروحية، بل حتى من الناحية التجارية، التي كانت المنطقة تعج بالوافدين من كل المناطق لزيارة المسجد والصلاة فيه. لكن الأمور تغيرت الآن.
وأهمّ ما يميّز هذا الجامع العريق خزانته التي يرجع تأسيس إلى عهد الدولة المرينية، الممتد من سنة (668 هـ) إلى سنة (869 هـ). وكان موقعها الأول في الجهة الغربية من الجامع الكبير، ثم نقلت إلى “مجلس الأسبوع” الواقع في أعلى “ساباط الأسبوع”، المحمول على الجدار الشرقي للجامع الكبير، وعلى الجدار المقابل له من المدرسة الفلالية، ويقع بابه في الصف الأول من الجامع الكبير.
و”مجلس الأسبوع” هذا هو من مؤسسات أبي زكرياء الوطاسي، وزير عبد الحق المريني. أما مركزها الحالي فيقع شارع العدول حذو أحد أبواب الجامع الكبير الغربية، المعروف قديما بـ”باب الكتب”، ونقلت إليه الخزانة في عهد ما قبل الاستقلال، أوائل خمسينيات القرن العشرين.
وهو مبنى خاص، محمول في دكاكين سماط العدول في القديم، والطريق العمومية المؤدية شرقا إلى شارع حمام الجديد، وغربا إلى شارع قبة السوق، كان في أول الأمر طرازا، ولما لم يعد صالحا للاستعمال لأنه أصبح خرابا، أقيم مكانه المركز الحالي للخزانة.
وبحسب صاحب “إتحاف أعلام الناس، بجمال أخبار حاضرة مكناس” فإن موقع الخزانة الأول كان قريبا من موقعها الحالي، لأنه ذكر عند كلامه على أبواب الجامع الكبير الأحد عشر، أن أحد أبوابه يسمى “باب الكتب”، ثم قال: وإنما اكتسب هذه الإضافة لقربه من المكتبة العلمية .(3) وقد ورد ذكر هذه الخزانة عند ابن غازي في “الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون”، عند تعرضه لترجمة أحد علماء مكناس، ابن الفتوح محمد بن عمر، التلمساني أصلا، المكناسي مقرا ووفاة، إذ قال “أصابه الطاعون وهو يقرأ البخاري بالجامع الأعظم من مكناسة عند خزانة الكتب عام 818 هـ“.
وكانت الخزانة في العهد القديم تزخر بنفائس الكتب، لكن جلها تعرض للنهب والاختلاس وهذا ما يحدثنا عنه صاحب الإتحاف السابق الذكر حيث يقول : “وفي الجهة الغربية منه (الجامع الكبير) المكتبة العلمية، الجامعة لمحاسن الكتب القديمة، لولا اختلاس جل نفائسها، ومد اليد العادية في ذخائرها الثمينة، وإضاعة باقيها من ولاة الأحباس، بعدم التعاهد والإصلاح أولا، وتعطيل منفعتها بغلق أبوابها ثانيا، حتى آل الأمر بسبب ذلك على أن صار الكثير مما بقي من كتبها التي يعز أن توجد في غيرها إلى حد لا ينتفع به لتمزقه وتلاشيه، ووضعه في محل الكناسة والأزبال، وذلك من المفاسد التي لا تباح، ومن العظائم التي أوقعت في الجناح.
وكان لهذه الخزانة كناش مخصوص، كل ترجمة على حدتها، يتداوله النظار، من جملة حوالة أملاكها إلى أن وصل الكل ليد ابن عمر المذكور، وبقي الأمر بين ولده وبينه يدور ومن جملة ذلك، وجه مولانا المقدس، فنسخ له عدة نسخ من شرح الشيخ ميارة على التحفة، وعلى المرشد مضروبة بمطبعته الشريفة الفاسية، ودخل الكل للخزانة المذكورة.