في الطاكسي. كانت هناك شابتان، أحداهما، الأقرب إلى الكرسي الذي يسمح بعد طيّه بالمرور إلى المقعدين الخلفيين، بدت لي من النوع الذي “عمّر مراكش”

مراكش- عبد الرزاق بوتمزار

العاشرة ليلا.. محطة القواس.. الأجواء الممطرة نفسها تواصل ضبط إيقاع الحياة في هذه المدينة التي يبدو أنه لكثرة ما رُدّدت فيها لازمة “الله يعمّرك أمراكش”، استجاب الله هذا الالتماس أو الدعاء ف “عمرت” المدينة بالفعل..

السائق “مول النوبة” كان يقف أمام عربته ينادي “المدينة المدينة”.. بحركة، سألته أيّ التاكسيات له فأشار بيسراه إلى السيارة خلفه.

 المقعد الأمامي محجوز. في المقاعد الخلفية التي تتسع لثلاثة ركاب، كانت هناك شابتان، أحداهما، الأقرب إلى الكرسي الذي يسمح بعد طيّه بالمرور إلى المقعدين الخلفيين، بدت لي من النوع الذي “عمّر مراكش”…

الراكب الرابع كان بالخارج ريثما يأتي راكبان يشغلان المقعدين خلفه. وحين طلبت من الأخت أن تفسح لي مجالا كي أطوي المقعد وأعبر إلى مجلسي، بدا لي من ردّها أنها من أصحاب “الشّيكي وْالبيكي”…

تبعا لهذا المستجدّ، تظاهرت بأنني لم أسمع جيدا ما قالت، ولبثت أرفع مقدمة الكرسي قليلا ثم أرجعها إلى وضعها السابق ريثما “تتكرّم” الأخت وتُفسح للكرسي ما يكفيه من مجال حتى يُطوى كاملا ويسمح لجسدي النحيف بالمرور إلى مجلسه بسلام.. لكنّها كرّرت على مسامعي الجواب نفسَه:

-غير هزّ أخويا، را ني كحازت…

حينئذ تأكد لي أنني أمام واحدة من أولئك “المبعككات” اللواتي لا يعرف المرء كيف يتصرف معهن في مثل هذه المواقف. 

فبنظرة إلى بطنها المتدلية منه كمّيات من الشحوم على الجانبين، أدركتُ أنها لم تسحب جسدها بما يكفي إلى الخلف حتى أطوي الكرسي دون أن تعترضه كتلة من شحمها، لكنْ استخدمتُ مجهودا إضافيا ورفعتُ الكرسي، الذي “بعض” جزءا من جسدها، لكنْ ما العمل؟ قلتُ لي.. لقد حاولت مرتين أن أقنعك بالالتحام أكثر بمرافقتك ريثما تتم هذه العملية، لكنْ أبيت إلا أن تعاندي..

سمعتُها تقول شيئا لصديقتها يفيد بأنني قد “زيّرتها” أكثر من القياس، لكنْ تظاهرت بأنني لم أسمع همستها. وزاد وضعها “زيارا” أن صاحبنا، الراكب الرابع، الذي قال في البداية إنه سيصعد بعد استقرار الراكب السادس في مقعده، غيّر رأيه الآن وأراد أن يجلس في مقعده، وليحضر الراكب الأخير وقتما شاء…

على أن مرافقنا الأخير في هذه الرحلة اليومية من “المحاميد” في اتجاه المْدينة لم يتأخر كثيرا في الحضور.. ومن جديد، وجدت “المبعككة” نفسها مضطرة إلى التراجع جهة مرافقتها وسحب أكبر قدر من “جنبات” جسمها، الذي يبدو أن قد “ابتلع” للتو كميات كبيرة من الطعام، حتى تسمح للكرسي بأن يُطوى ولمرافقنا الشاب بالمرور إلى كرسيه الشاغر بجواري.

فوق التبعكيك، سأكتشف ويكتشف معي جميع ركاب الرحلة أن صاحبتنا “المبعككة” لديها مواهب أخرى موازية، أولها “الزّفيط” (ألكذب). ومن يكون من هذا الصنف من الناس، خصوصا إذا كانت امرأة، لا تحتاج إلى مقدمات لكي “تدخل مباشرة في الموضوع”..

وعرفنا عن مرافقتنا هذه، قبل انتهاء مسافة الرحلة، كثيرا من المعلومات، بغضّ النظر عن مدى صحتها أو زيفها.. أولها أنها في زيارة للمدينة رفقة “أولادها” (عائلتها الصغيرة) وأنّ لزوجها سيارة يوصلها على متنها إلى حيث تريد دون حاجة منها ولا اضطرار إلى “التزاحم” في الطاكسي أو الطوبيس… وأنها لا تعرف شيئا عن المدينة ولا عن أحيائها وحوماتها.. وأن هذه أولى خرجاتها وحدها… وأنها… وأنها… وأنها “وحدها مضوّية البْلاد”!…

ولا حول ولا قوة إلا بالله…

-عافاك ألشّريف، حطّني غير هنا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *