الطريقة (أو الزاوية) القادرية التي أسّسها الشيخ عبد القادر الجيلاني (471 هـ- 1078 م المنسوب إلى جيلان والمتوفى في بغداد سنة 561 هـ- 1066 م) هي واحدة من أكبر وأشهر الطرق الصوفية في العالم الإسلامي.

تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le12

المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصوفيان إلى أزمنة بعيدة..

لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.

بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزوايا والطرق الصّوفية في المغرب.

الطريقة (أو الزاوية) القادرية التي أسّسها الشيخ عبد القادر الجيلاني (471 هـ- 1078 م المنسوب إلى جيلان والمتوفى في بغداد سنة 561 هـ- 1066 م) هي واحدة من أكبر وأشهر الطرق الصوفية في العالم الإسلامي، إذ توجد هذه الطريقة، التي تأسست في بمدينة راشت الإيرانية (إقليم جيلان، أحد أقاليم إيران) في كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وإثيوبيا والصومال وغانا ومالي وغينيا والتشاد والكمرون ونيجيريا وموزامبيق وسيراليون والأردن وفلسطين وسوريا والعراق وإيران وأفغانستان وتركيا وباكستان والهند وبورما وتايلاند وماليزيا وأندونيسيا والصين والاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا وألبانبا.

وبحسب ما أوردت مجلة “دعوة الحق” في مقال لها (في العدد 202) حول الموضوع، تعد الطريقة القادرية -نقلا عن الدكتور حسن إبراهيم حسن “أوسع الفرق الدينية انتشارا، وقد دخلت إفريقيا الغربية في القرن الخامس عشر على يد المهاجرين من توات واتخذوا لَواتة أول مركز لطريقتهم ثم لجأوا إلى تمبكتو.

وتابع المصدر ذاته أنه في مستهلّ القرن التاسع عشر نجد النهضة الروحية الكبيرة التي كانت تؤثر في العالم الإسلامي تأثيرا عميقا تدفع بالقادرية الذين كانوا يقيمون في الصحراء الكبرى وفي السودان الغربي إلى حياة ونشاط جديدين، وتقوم المراكز الرئيسية لتنظيم دعوة الفرقة القادرية في كنكا ويمبو بجبال فوتاجالون ومسردو ببلاد الماندنجو وموطنهم على نهر الجمبيا.

ووفق المصدر نفسه، كانت هذه المدن تؤلف مراكز النفوذ الإسلامي وسط شعب وثني رحب بالقادرية بوصفهم كتّابا وفقهاء ومعلمين.

ولم يمض زمن طويل حتى وجدنا فقهاء مثقفين وجماعات من المريدين قد انتشروا في أرجاء السودان الغربي من السينغال إلى مصب نهر النيجر، وكان بعض هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام يوفدون لإتمام دراستهم بمدارس القيروان والزيتونة وطرابلس وبجامعتي القرويين والأزهر حتى إذا ما أتموا دراستهم الدينية عادوا إلى أوطانهم مزودين للعمل على نشر العقيدة الإسلامية بين مواطنيهم.

وكان المعلمون الذين تربوا في سلك نظام الفرق الصوفية التي كانت تقوم على حب الجار والتسامح يؤسسون ويقومون بالإنفاق عليها، وكان نشاط هذه الجماعة -يقول سير توماس أرنولد في كتابه “الدعوة إلى الإسلام”، ترجمه عن الإنجليزية حسن إبراهيم حسن وعبد المجيد عابدين وإسماعيل النحراوي- ذا طابع سلمي للغاية، تعتمد كل الاعتماد على الإرشاد.. كما كان يعتمد على مبلغ تأثير المعلم في تلاميذه، وكما كان يعتمد على انتشار التعليم في الوقت نفسه.

وبرهن دعاة القادرية في السودان بذلك على أنهم أوفياء لأهم المبادئ التي كانت تسيطر على مؤسس هذه الجماعة وهي حب الجار والتسامح وغيرهما من الصفات الكريمة. وكان المعلم المسلم كلما تكلم عن أهل الكتاب عبر عن أسفه عما كانوا عليه من باطل ودعا الله أن يهديهم سواء السبيل”.

وقد دخلت الطريقة القادرية إلى إفريقيا السوداء في القرن الخامس عشر الميلادي حسب ما ذكرته الموسوعة الإسلامية باللغة الفرنسية ومجلة غدا إفريقيا في عددها 20 وتاريخ 12 يبراير 1979 الخاص بنهضة الإسلام. وتقول المؤلفات التاريخية إن الطريقة القادرية انتشرت في اسبانيا قبل سقوط غرناطة عام 897هـ.

يقول المؤرخ الفرنسي دولانوس: إن أبرز نشاط للطريقة القادرية كان في إفريقيا السوداء عندما تولت جماعات من القادرية العمل على نشر الإسلام في صفوف القبائل السود الوثنية في إفريقيا السوداء. ويقول الدكتور عبد الرحمن زكي في كتابه “المسلمون في العالم اليوم”: انتشرت في أوائل القرن الرابع عشر الهجري الطريقة القادرية بإرشاد الشيخ عمر البكاي، وتفرعت القادرية البكائية التي يتبعها كثيرون في السودان وموريتانيا والسينغال وغينيا ونشأت الطريقة الفاضلية المنسوبة إلى محمد فضل ثم ماء العينين ثم السيدية بالصحراء الكبرى.

وأوردت مجلة “الإسلام والتصوف” في عددها التاسع الصادر في فاتح يناير 1961 أن أول طريقة دخلت الصومال هي الطريقة القادرية وذلك على يد اليمنيين والحضارمة الذين استقروا في مقديشو وزيلع وغيرها من المناطق الساحلية ولم تتوغل هذه الطريقة في الداخل إلا في 1819 م عندما أسس الشيخ إبراهيم حسن جبرو مركزا لها مكان بلدة برديرة الحالية على نهر جوبا، وفي هذه المنطقة أيضا تأسس أول مركز من مراكز استيطان الجماعات الصوفية لزراعة الأرض واستغلالها، ولذلك يطلق الصوماليون عليها جماعة أو جماهة نظرا لقدمها وبدء هذا النظام فيها. ونشر الشيخ عويس بن محمد البراوي هذه الطريقة في جوبا العليا وأسس مسجدا وزاوية في قرية توججلة وتوفي في 1909 ودفن في بيولي بالقرب من توججلة، وفي مولده يقام احتفال كبير حول ضريحه يستمر ثلاثة أيام.

وتابع المصدر ذاته أن من مشايخ القادرية البارزين في الصومال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الشاي الشهير بالشيخ صوفي المتوفى سنة 1919 م، وقد أسس زاوية قادرية في مقديشو حيث يوجد ضريحه، وقد زار الأستاذ أبو بكر القادري صاحب مجلة الإيمان هذه الزاوية أثناء إحدى المؤتمرات التي انعقدت هناك. وقد أخذ الشيخ عبد الرحمن بن يوسف القلنقوني على عاتقه نشر الطريقة القادرية في الشمال وخاصة في مديرية مجرتين. وقد ذكر المستشرق الفرنسي فانسان مونطاي، في محاضرته عن الإسلام بالصين وروسيا ويوغوسلافيا التي ألقاها يوم الخميس 31 يناير 1957 بما كان يسمى بمعهد الدروس العليا المغربية بالرباط والذي أصبح اليوم كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أنه وجد بمقاطعة ينان بالصين قبرا مكتوبا عليه اسم عبد الرزاق البغدادي يرجع تاريخه إلى القرن الثاني عشر الميلادي، ويعتقد مسلمو تلك المقاطعة الصينية أنه هو الذي أدخل الإسلام إليها وأنه من حفدة الشيخ عبد القادر الجيلاني.

يقول المرحوم علال الفاسي في جريدته “صحراء المغرب” إن الطريقة الفضلية التي أسسها الشيخ محمد فضل والد الشيخ ماء العينين من فروع الطريقة القادرية هي التي كان لها دور في نشر الدعوة الإسلامية في إفريقيا السوداء خصوصا بعد أن نجب عليها الشيخ ماء العينين الذي عمل على توحيد مختلف الطرق وتوجيهها لمقاومة الأجنبي”. ويقول الأستاذ ا. ي. م. لويس في كتابه “تراث الإسلام” إن الطريقة القادرية هي أول طريقة أدخلت إلى جميع المناطق الإفريقية ولها أكبر عدد من الأتباع. وفي القرن السادس عشر أدخلت هذه الطريقة في السودان الغربي بواسطة مركز النيجر العلمي العظيم في تمبكتو، وفي الفترة نفسها نقلت إلى (لاهور) التي كانت تحتل مكانا مماثلا في شمال إفريقيا. وكان أروع تحقق لهذه الطريقة هو جهاد الهوسا في القرن التاسع عشر بوحي من عثمان دان فوديو (1754 -1817).

وفي العقود الأولى من القرن العشرين كان أتباع الطريقة القادرية نشطين أيضا في تنظيم المقاومة ضد المستعمرين الألمان في تنجانيقا في ظل القيادة الملهمة للشيخ الصومالي عويسر بن محمد البراوي (1846- 1909). يقول الدكتور عبد الرحمن زكي: وانبثق نور الإسلام في بلاد (داهومي) ولاسيما في مناطقها الساحلية فيما بين عامي 1700-1720م بواسطة التجار القادمين من (كانو) شمال نيجيريا الذين عرفوا باسم المعلمين، وقد وفدت هجرة إسلامية قوية بزعامة مشايخ القادرية من الشمال الشرقي منذ القرن السابع عشر. ويقول الدكتور أحمد الشرباصي بمصر في مجلة (الهلال) عدد يبراير1977: “إن الطريقة القادرية من أنشط الطرق الصوفية في نشر الدين الإسلامي في غرب إفريقيا وأتباعها، وكانوا ينشرون الإسلام عن طريق التجارة والتعليم، ونحن نجد التجار غالبا هناك من مريدي الطريقة القادرية.

ووفق المجلة المذكورة، أورد الأمير شكيب أرسلان رحمه الله إن منهم الذين كانوا يفتحون كتاتيب في كل القرى ويلقنون صغار الزنوج الدين الإسلامي أثناء التعليم”. كما أورد عبد الله الجراري في مقاله “الصوفية وحركاتها في الإسلام” (مجلة البحث العلمي، العدد 26، سنة 1976): “ولم تظهر بعد ذلك طريقة بالمعنى الكامل إلا الطريقة الجيلانية القادرية، فإن الشيخ المولى عبد القادر الجيلاني كان أحد كبار علماء الحنابلة وكان واعظا ومؤلفا وطبع من مؤلفاته العنبة ومجالس وعظه. وقد ترك عدة أولاد في المشرق والمغرب قاموا بتنظيم طريقته ونشرها كما يعلم ذلك من كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير، وطريقتها منتشرة في العالم الإسلامي، وتوجد في إفريقيا السوداء، والذي نشرها هم أنصار الشيخ المختار الكونتي“.

وجاء في كتاب “الماضي المغربي لموريطانيا” تأليف السيدة أوديت دويو يكودو طبع وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الإسلامية التي كان يشرف عليها المرحوم علال الفاسي عام 1962: “أن المورسكيين حسب ما جاء في كتاب (أولياء الإسلام) المطبوع في باريس عام 1881 م لمؤلفه الأستاذ طرومولي: لما طردوا من اسبانيا بعد سقوط غرناطة عام 1492م نزحوا إلى الساقية الحمراء واستقروا فيها وانخرطوا في الطريقة القادرية.

وتقول الكاتبة المذكورة إن الطريقة القادرية أدخلها إلى الساقية الحمراء الكونتيون الذين جاؤوا من مدينة سبتة في القرن الخامس عشر.

وإن الشيخ أحمد البكاي كان أول داع لها في القبائل الصحراوية، وإن الطريقة القادرية بلغت أوجها على يد الشيخ سيد المختار الكبير الكونتي الذي عاش في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ما بين ولاطة وتمبكتو وتوات.

وأفادت السيدة هيلي كاربر دانكوس، في كتابها القيّم “الإمبراطورية المتصدعة”، بأن أهل القوقاز في الاتحاد السوفياتي ما زالوا متمسّكين بالسنة النبوية وبالطريقة القادرية -رغم الشيوعية- ويتلُون الوِرد القادري في منازلهم.

في الناحية الاجتماعية، أسهمت الزاوية القادرية -في فترات تاريخية- في توعية المجتمع الإفريقي في القارة السوداء عن طريق تعليمه الكتابة والقراءة وترك عبادة الأوثان والدخول في الإسلام ونشر الثقافة الإسلامية في السينغال ومالي وغانا والنيجر وتشاد وساحل العاج وغينيا وموزامبيق والكامرون.

ويشار إلى أن الطريقة تفرّعت إلى أزيد من 30 فرعا في العديد من البلدان، سواء القريبة ديموغرافيا من المغرب أو البعيدة، ومنها الجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان واليمن وتركيا والهند والصومال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *