والحال أن الزليج الذي زين أقمصة هذا المنتخب، مغربي مائة في المائة، بدليل أن شركة “أديداس” التي صممته، سحبت هذه الأقمصة فورا من المنتخب الجزائري، بعدما شعرت بـ”الشمتة”. 

حسن عين الحياة

لا أدري لماذا أضحك كثيرا عند كل صدفة تقودني إلى مشاهدة تحليل رياضي في استوديو جزائري؟ هل لأن المحللين هناك، يختلفون حول كل شيء ويتفقون فقط عند كل هجوم على المغرب؟ أم لأن الصدفة حملتني لأسمع الرأي الآخر في “العالم الآخر”، وهو يفتري عن وعي طبعا، وأحيانا عن جهل، أثناء حديثه عن شعار كأس أمم إفريقيا 2025 المنظم في المغرب، وكيف حاول هذا الرأي أن ينسب الزليج المغربي المزين لـ”التميمة” لبلده الجزائر.

 في الواقع إنها ليست صدفة، بقدر ما هي عملية معقدة تتحكم فيها خوارزميات ذكية.

ذلك أنك عندما تشاهد فيديو معين، تدرك الخواريزمية أنك مهتم بموضوعه، فتبدأ بعرض المزيد من المحتوى المشابه.. لذلك، هطلت على شاشة هاتفي عديد الفيديوهات دفعة واحدة، محتواها السعار الجزائري حول شعار كأس إفريقيا المرصع بالزليج المغربي.

عموما ضحكت كثيرا.. ذلك أن أغلب استوديوهات التحليل في “العالم الآخر”، بدا منشطوها كما لو أنهم يسمعون من خلال “الصَّنَّاتة” لصوت واحد مستتر.. يحثهم على اتهام “المروك” بسرقة التراث، مع تكرار عبارة “الزليج الجزائري” لتغذية الشعب الشقيق بوهم أن الدولة التي يعيشون في كنفها، والتي تأسست بالمناسبة عام 1962، لها تاريخ وتراث وحضارة..

والحال، وهذا هو المضحك، أن كل المحللين، وجَّهَهُم المنشطون إلى صورة في البلاطو، نصفها للكأس المرصع بالزليج، والنصف الآخر للمنتخب الجزائري يرتدي أثناء الإحماء أقمصة مستوحاة من فن الزليج أيضا، “وذيك الساعة آراك للتحليل”.. البعض قال “بلا حيا بلا حشمة” إن “المروك” سطا على تراث جزائري محض، وآخرون قالوا إن “المروك” سرق الزليج من الجزائر، بدليل أن منتخبهم ظهر قبل 3 سنوات وهو يرتدي قمصانا مستوحاة من الزليج نفسه.. وبالتالي، إن كل الأصوات التي كانت تتحدث فقط، دون مرجعية تاريخية، أقرت ضمنيا، أن تاريخ هذا الزليج الذي نسبوه لبلدهم بدأ مع أقمصة المنتخب الجزائري، أي قبل 3 سنوات..

والحال أن الزليج الذي زين أقمصة هذا المنتخب، مغربي مائة في المائة، بدليل أن شركة “أديداس” التي صممته، سحبت هذه الأقمصة فورا من المنتخب الجزائري، بعدما شعرت بـ”الشمتة”، خاصة وأن وزارة الشباب والثقافة والتواصل كانت قد وجهت إليها رسالة شديدة اللهجة، تنتقد الاستغلال الاقتصادي للعناصر الثقافية الخاصة بالتراث المغربي، عبر نسخ التصاميم دون التمعن في تاريخها وأهميتها الهوياتية.

والأكثر من ذلك، وهذا هو الأهم، أن الوزارة نبهت الشركة إلى أن هذا الفعل يمس مشاعر المغاربة بخصوص بلدهم، قبل أن تلفت انتباه أديداس إلى الحجج القانونية والوثائق التاريخية التي تحوزها حول هذا العنصر الثقافي. والأكثر من ذلك كله.. عندما سحبت أديداس أقمصة “محاربو الصحراء” المستوحاة من الزليج المغربي، ضربت الجزائر “الطم”، وعم استوديوهاتها الصمت. 

في الواقع، لو كان النظام الجزائري يملك وثيقة واحدة أو دليلا على الأقل، يؤرخ لنشوء فن الزليج في أرضه لاعترض على الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم، وهي بعد لجنة التنظيم المحلية، الجهة الحصرية التي كشفت عن شعار كأس أفريقيا 2025 بالمغرب، بل إن “الكاف” تجاوزت الكشف لتتغنى بهذا الشعار قائلة في بلاغ عممته في موقعها الرسمي: “استُلهم الشعار من فن الزليج المغربي، وهو فن الفسيفساء الخالد، ليُعيد تعريف كرة القدم كلوحة تمتزج فيها الإبداع، الدقة والشغف”. 

قد يقول قائل من العالم الآخر، إن مسجد المشور بتلمسان زينت بعض حيطانه بـ”الزليج”، والتاريخ يقول إن تلمسان كانت خاضعة للنفوذ المغربي قبل الغزو التركي عام 1553، وقد حكمتها بحسب المؤرخ وعالم الأنثروبولوجيا الفرنسي برنار لوغان 4 دول مغربية.. الفترة الإدريسية (790-931) والفترة المرابطية (1078-1143) والفترة الموحدية (1143-1236) ثم الفترة المرينية (1337-1358)، وبالتالي، إن الزليج المغربي الذي يعود تاريخيا إلى العهد المرابطي، وربما قبله، زين أرجاء مسجد المشور بتلمسان خلال إحدى فترات النفوذ المغربي.

ثم إن المتحف العمومي الوطني للآثار الإسلامية بتلمسان، يقر بأن المسجد، تم تدمير معالمه أثناء الغزو التركي، وفقد كل معالمه أثناء الاحتلال الفرنسي، فتم تحويله في هذه الحقبة إلى مخزن تابع للمستشفى العسكري، قبل أن يتحول إلى مصلى تابع للكنيسة الكاثوليكية. وبالتالي، كما عديد الدول، في إفريقيا وأسيا وأوروبا، تم الاستعانة بالحرفيين المغاربة لتزيين بعض الفضاءات بالزليج المغربي، ومنها الجزائر.

مثلا عندما زار الملك محمد السادس دولة الغابون في فبراير 2023، التقطت للرئيس الغابوني الأسبق علي بونغو صورة مع الملك في القصر الرئاسي بليبروفيل، والتي زينت حجرته الرئاسية بالزليج المغربي، فهل هذا يعني أن الزليج غابوني؟ وقس على ذلك عديد الفضاءات في العالم، والتي من ضمنها الفاتكان.

وبالمناسبة، زار الملك الراحل الحسن الثاني الفاتيكان عام 1980، فاقترح البابا “يوحنا بولس الثاني” أن يأخذ الملك في جولة عبر أروقة هذه البناية الأثرية، والتي لا يلجها عوام الناس.. آنذاك، يقول الإعلامي الكبير الصديق معنينو، والذي بالمناسبة كان مرافقا للملك في هذه الجولة، شرع البابا في تقديم شروحات للحسن الثاني حول بعض اللوحات القديمة وأشياء أخرى لها رمزيتها في الديانة المسيحية، قبل أن يسلكا ممرا مزينا بالزليج.

آنذاك سأل الملك الراحل البابا عن عُمر هذا الزليج الذي يزين الأركان، ليجيب البابا بأن تاريخ تثبيته هنا يعود إلى حوالي 700 أو 800 عاما، فرد الحسن الثاني: “هذا زليج مغربي، ومن خلال صباغته وألوانه، فهو يعود إلى عهد المرينيين.. وهذه صنعة مدينة فاس”. فهل وجود الزليج المغربي في الفاتيكان (قبل 800 سنة) يخول للأخير القول بأن الزليج فاتيكاني؟

وبعيدا عن الفاتيكان، وردت في كتاب “أصدقاء ملك” للصديق سعيد هبال حكاية للحسن الثاني مع الزليج، وجاءت على لسان المسرحي المقتدر الراحل الطيب الصديقي.. وتقول، ذات مرة قال أحد الفضوليين للملك الراحل الحسن الثاني “نعام سيدي هذا الزليج راه أعوج”، يقول الصديقي، مشيرا إلى أن جواب الملك كان دقيقا، حيث “رد عليه جلالته: ينبغي أن تعرف بأن هذا الزليج هو “بلدي، وحلاوته في عووجيته” ولو أردناه مستويا لركبنا زليجا صناعيا”. الحاصول إذا ظهر المعنى، فلا فائدة في التكرار.. “ودوزو بخير”.

المنعطف:29/1/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *