حققت منصة الذكاء الاصطناعي الصينية “ديب سيك” أرقاما قياسية في قائمة التنزيلات في متجر تطبيقات آبل بالولايات المتحدة، متفوقة بذلك على “شات جي بي تي” التابع لشركة “أوبن أيه آي”، وتسببت المنصة الصينية الجديدة توترا في سوق العملات.
وحذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خطورة تطبيق الذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة الذي طورته شركة “ديب سيك” الصينية.
وأثار “ديب سيك” ضجة كبيرة، وحالة من الرعب في قطاع التكنولوجيا الفائقة، خاصة بعد تفوقه على “شات جي بي تي” والتأثير الذي خلفه في الولايات المتحدة الأمريكية.
أيهما أفضل للمستخدمين العرب؟
أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي جزءاً أساسياً من حياتنا الرقمية، حيث تقود روبوتات الدردشة «تشات بوتس» (Chatbots) التحول في كيفية تفاعلنا مع التكنولوجيا.
في هذا المجال، برز “تشات جي بي تي” المطور من قبل “أوبن إيه آي” كلاعب رئيسي، إلا أن لاعباً صينياً جديداً يدعى “ديب سيك” دخل السوق، هذا الأسبوع، بقوة مثيراً كثيراً من الجدل كأداة مبتكرة.
واجهة المستخدم والتجربة
تُعد واجهة روبوت الدردشة أول ما يلاحظه المستخدمون عند التعامل مع أي برنامج. يتميز “تشات جي بي تي” بتصميمه البسيط وسهل الاستخدام؛ ما يجعله مثالياً للمستخدمين الجدد والمحترفين على حد سواء.
ومن ناحية أخرى، يقدم “ديب سيك” أدوات تخصيص إضافية تتيح للمستخدمين تعديل تجربتهم بما يتناسب مع احتياجاتهم.
على سبيل المثال، بينما يقدم “تشات جي بي تي” تجربة سلسة للرد على الاستفسارات العامة، يسمح “ديب سيك” للمستخدمين بتحديد مجالات معينة مثل التعليم أو الثقافة أو الترفيه.
هذا التخصيص يمكن أن يكون ذا قيمة خاصة للمستخدمين في العالم العربي، حيث تلعب السياقات المحلية دوراً مهماً في تحديد رضا المستخدم.
الشمولية أم التفصيل؟
تُعد القدرة على التعامل مع اللغة بدقة أحد أهم الجوانب عند تقييم روبوتات الدردشة، خصوصاً عند الحديث عن لغة غنية ومعقدة مثل اللغة العربية.
أظهر “تشات جي بي تي” تحسناً ملحوظاً في فهم العربية الفصحى (MSA) وبعض اللهجات المحلية. ومع ذلك، في بعض الأحيان، تكون ردوده عامة، ولا تعكس الفهم الكامل للثقافة العربية.
في المقابل، يبرز “ديب سيك” قدرته على تقديم ردود سياقية دقيقة، حيث يُظهر فهماً أعمق للثقافة والتعبيرات الاصطلاحية العربية.
على سبيل المثال، عند سؤاله: “ما هي اللُّقيمات؟”، وهي حلوى شعبية منتشرة في كثير من الدول الخليجية، كانت النتائج كالآتي.
قدّم كل روبوت وصفاً تفصيلياً لحلوى اللّقيمات. وعلى الرغم من التطابق في الموضوع العام، فإن كل إجابة عرضت زاوية مختلفة وشاملة للمعلومات المقدمة.
إجابة “تشات جي بي تي” تتميز بشموليتها، حيث تغطي جوانب أساسية مثل المكونات وطريقة التحضير والسمات الثقافية المرتبطة باللقيمات، وتستخدم لغة بسيطة وواضحة تسهل فهم القارئ غير المتخصص، كما أنها تركز بشكل خاص على الجانب الثقافي، وتربط اللّقيمات بالتراث العربي وتقاليد الضيافة والكرم.
هذا التركيز على السياق الثقافي يضيف عمقاً للإجابة، ويجعلها أكثر جاذبية للقارئ المهتم بالتراث والتقاليد.
من جهة أخرى، تتميز إجابة “ديب سيك” بدخولها في تفاصيل أكثر حول مكونات التغميسة والإضافات التي يمكن إضافتها للقيمات، كما أنها تشير إلى الاختلافات الإقليمية في تسمية اللقيمات وطرق تحضيرها.
وتتطرق كذلك إلى الجانب الصحي للقيمة الغذائية للقيمات، وتقدم اقتراحات لتعديل الوصفة لجعلها أكثر صحة.
هذا الجانب العملي يجعل الإجابة الثانية مفيدة لمن يرغب في تحضير اللقيمات في المنزل، أو لمن يهتمون بالقيمة الغذائية للأطعمة.
كلتا الإجابتين تتفق على تقديم المعلومات الأساسية عن مكونات اللقيمات وطريقة تحضيرها، وتستخدم لغة سهلة الفهم، وتؤكد أهمية اللقيمات بوصفها تراثاً ثقافياً عربياً. ومع ذلك، تختلفان في عمق التفاصيل والتركيز؛ فإجابة “تشات جي بي تي” تركز أكثر على الجانب الثقافي والرمزي، بينما تركز إجابة “ديب سيك” على الجانب العملي والقيمة الغذائية أكثر.
قدرات ترجمة متباينة
وبما أننا نقارن بين قدرات الروبوتين في اللغة العربية، طلبت من كل منهما ترجمة مقطع من اللغة الإنجليزية إلى العربية.
الفارق البارز كان فيما قدمه “ديب سيك” من ميزة جديدة بعد تفعيل خيار “DeepThink (R1)” وهي تحليل النص الأصلي وشرحه كيفية ترجمته وسبب اختيار ترجمة مصطلحات معينة.
أيضاً قدم “ديب سيك” مقطعاً إضافياً يعطي من خلاله ملاحظات على الترجمةـ وهي ميزة يفتقر “تشات جي بي تي” إليها. وبشكل عام، ترجمة كل روبوت كانت صحيحة، لكن ما قدمه “ديب سيك” كان أكثر اتساقاً وارتباطاً بالمعنى العام للموضوع في مقابل ترجمة حرفية نوعاً ما أعطاها “تشات جي بي تي“.
اختبار الروبوتين عند طرح سؤال “لديَّ بحث متعلق بالتغير المناخي… أعطني الأفكار المطلوبة لبحث تأثير ارتفاع منسوب المياه”.
بين التحليل والتفاصيل
وفي سؤالاً آخر لكل روبوت: “لديَّ بحث متعلق بالتغير المناخي… أعطني الأفكار المطلوبة لبحث تأثير ارتفاع منسوب المياه؟”.
تناولت إجابة “تشات جي بي تي” موضوع ارتفاع منسوب المياه الناتج عن التغير المناخي بأسلوب شامل ودقيق، حيث تقدم قائمة مفصلة تشمل الأسباب والتأثيرات والحلول مع أمثلة واضحة مثل تأثير الفيضانات في بنغلاديش، وتهديد جزر المالديف بالغرق. ومع ذلك، افتقر النص إلى مقدمة وخاتمة متكاملتين، ما يجعله أشبه بمرجع تقني دون ارتباط سردي يجذب القارئ.
وفي المقابل، تعتمد إجابة “ديب سيك” على تنظيم أكثر تسلسلاً ومنطقية، حيث تبدأ بمقدمة عن خلفية التغير المناخي وتأثيره، ثم تقسم التأثيرات إلى بيئية واقتصادية واجتماعية؛ ما يجعل المعلومات أسهل للقراءة والفهم. وعلى الرغم من أن الأمثلة في هذا النص أقل عدداً مقارنة بإجابة “تشات جي بي تي” إلا أن التحليل العميق للحلول والتدابير، مثل تقسيمها إلى “التكيف” و”التخفيف”، يعزز من قوة النص، ويزيد من تأثيره.
تبرز إجابة “تشات جي بي تي” كمرجع غني بالمعلومات، بينما تُعد إجابة “ديب سيك” نصاً أكثر تماسكاً وتنظيماً، إلا أن اعتماد الأسلوب الأنسب يعتمد على الجمهور المستهدف؛ إذا كان الهدف هو تقديم معلومات شاملة، فالإجابة الأولى مثالية. أما إذا كان التركيز على جذب القارئ العام وتحليل الموضوع، فإن الإجابة الثانية تتفوق.
البُعد الاجتماعي والدعم العاطفي
اختبار آخر للمقارنة بين الروبوتين تَمَثَّلَ في سؤال ذي بُعد نفسي وعاطفي وهو: «أشعر بالإحباط، كيف يمكنني تحسين يومي؟».
حللتْ إجابةُ كل روبوت مجموعة من الاستراتيجيات للتغلب على الشعور بالإحباط، ولكل منهما نقاط قوتها وتركيزها الخاص. إجابة «تشات جي بي تي» ركزت بشكل أساسي على تقديم حلول عملية وسريعة للتخفيف من حدة الإحباط، مثل ممارسة الأنشطة الترفيهية والتواصل الاجتماعي. وهي تقدم مجموعة من الأدوات التي يمكن للفرد استخدامها لتغيير حالته المزاجية في الوقت الحالي.
أما إجابة «ديب سيك» فقد انتقلت إلى مستوى أعمق، حيث قدمت حلولاً طويلة الأمد تعتمد على تغيير نمط الحياة وبناء عادات إيجابية. أما الفارق الأبرز بين الإجابتين فهو إدراج “ديب سيك” الجانب الروحي، وتحديداً ذكر “الصلاة «بوصفها إحدى الوسائل الفعالة للتغلب على الإحباط. هذا الارتباط بين الجانب النفسي والجانب الروحي يعكس فهماً أعمق لأبعاد المشكلة، ويقدم حلولاً شاملة“.
ذكر الصلاة في إجابة “ديب سيك” يحمل دلالات ثقافية واجتماعية عميقة؛ فالصلاة ليست مجرد طقس ديني، بل هي وسيلة للتواصل مع الذات ومع القوى الأعلى، وهي تمنح الفرد شعوراً بالهدوء والسلام الداخلي، كما أن الصلاة تجمع الناس وتقوي الروابط الاجتماعية، ما يوفر الدعم العاطفي الذي يحتاج إليه الفرد للتغلب على تحديات الحياة.
أي روبوت يناسب احتياجاتك؟
بينما يقدم كل من “تشات جي بي تي” و”ديب سيك” إمكانات مثيرة للإعجاب، فإن الاختيار يعتمد في النهاية على احتياجاتك وأولوياتك. كما يبدو أن «تشات جي بي تي» يتفوق في التنوع العام والإبداع والخبرة التقنية؛ ما يجعله خياراً قوياً للجمهور العالمي. وفي المقابل، يبرز «ديب سيك» بفضل ملاءمته السياقية، ووعيه الثقافي، وقدرته على التعامل مع استفسارات محددة تتعلق بالجمهور العربي.
لأولئك الذين يبحثون عن أداة تتعامل بفاعلية مع تعقيدات اللغة والثقافة العربية، فإن “ديب سيك” قد يكون خياراً جدياً بالتجربة. في حين أن “تشات جي بي تي” يظل خياراً موثوقاً به لمن يبحث عن أداء شامل ومتعدد الاستخدامات.
وفي النهاية، كل منصة تمهد الطريق لمستقبل أكثر شمولاً وذكاءً في عالم التكنولوجيا… والخيار لك!