ليلة أمس وأنا أقرأ سورة الأعراف توقفت مليا عند الصراع الديني والسياسي بين موسى عليه السلام وفرعون ذي الأوتاد، فتناهى إلي سؤال لأول مرة رغم أنني قرأت السورة عشرات المرات: لماذا بقيت الأهرامات في مصر حتى اليوم؟.
لقد قال الله سبحانه عن غرق فرعون “اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية”(لاحظ أن خلفك تعني أمامك وهذا من الإعجاز اللغوي)، وما زالت جثة فرعون باقية وتشكل مادة للأبحاث التي لا تتوقف.
ولكن لم لا يكون بقاء الأهرامات بإرادة إلهية لتبقى لمن خلف الفراعنة آية؟ لقد قص القرآن علينا قصص الأمم الكافرة وكيف عاقبها بدمار أبنيتها وصورها بالخسف أو الحاصب أو الريح أو الدمار المباشر، أي أشكال من الزلزلة التي تهدم كل شيء، إلا فرعون إذ سلط عليه الماء غرقا.
وهذا يعني أن اليابسة بقيت سليمة، فقد تحرك البحر منفلقا ثم عاد إلى مكانه بعد المهمة، وبقي ما بناه الفراعنة قائما. ويدل على هذا أن الله سبحانه لم يعاقب الفرعون بعقوبات مماثلة للأمم الأخرى، إذ سلط عليهم الجراد والقمل والجوع والخوف دون المباني الضخمة والمنشآت.
أما أن القرآن تحدث فقط عن نجاة بدن فرعون فلأنه هو مركز الحدث، لكن ترك بدن فرعون ليكون آية للأمم اللاحقة بدون بقاء معالم حضارة العصر الفرعوني قد يجعل الناس تشكك في صدقية الخبر، إذ إبقاء البدن وحده دون ما يشهد على جبروته سيجعل العبرة ناقصة لدى الناس.
ما يدل على هذا الأمر أن اللغز الذي يحير العلماء في بدن فرعون هو نفس اللغز الذي يحيرهم في بناء الأهرامات، ما يعني أن الله سبحانه أبقى تلك الأهرامات لنفس الحكمة التي أبقى لأجلها بدن فرعون، فقد بدأت الأبحاث هو لغز بناء الأهرامات في القرن التاسع عشر وما زالت مستمرة ولم تنته وقد لا تنتهي، وكلما ظهرت نظرية مسحتها أخرى، والدليل على هذا أن المنشآت الوحيدة التي ما زالت تحير الناس هي الأهرامات.
ومن ألغاز الأهرامات الجهة التي بنتها؛ فقد ظهرت أفكار كثيرة حول بناتها، هناك من يقول الجن ومن يقول إنهم الياهود ومن يقول إنهم قوم عاد، ولكن الآية واضحة أن من بناها هو المهندس هامان”وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا”. فمن أشرف على بنائها هو هامان، لكن هذا لا ينفي أنه استعان بعمال من خارج مصر ما تفيده هذه الآية أيضا أن بناء الأهرامات كان لغرض ديني وهو تحدي الألوهية، وأن الحضارات القديمة كلها كانت دينية، كالمعابد الضخمة والكاتدرائيات والأبراج، لأن التطاول في البناء كان بهدف تحدي السماء، لذلك لم يرفع المسلمون المساجد واكتفوا برفع المآذن لأنها تذكر الناس بأن الله أكبر.
وقد أخذ الحكام المستبدون من فرعون التطاول في البناء، لكنهم بدل بناء المنشآت التي تبقى بنوا تماثيلهم لكي يبقوا كما فعل فرعون سوريا الذي سمى نفسه الأسد لكنه ترك تمثالا لبشر من الطين.
*الدكتور إدريس الكنبوري متخصص في الشأن الديني