تكليف المؤثرين بالمرافعة عن تعديلات مدونة الأسرة في اليوتيوب وجلبهم إلى الإعلام العمومي – الذي تنطبق عليه قاعدة “تخصيص العام” الأصولية – برهان على حالة الفراغ المهول الذي يعيشه المغرب، إذ أصبحت القضايا الكبرى للأمة توعز إلى الذراري.

يكاد المرء يبكي لحالة هذا البلد عندما يذكر رجالات المغرب قبل ثلاثين عاما فحسب، علال الفاسي وامحند باحنيني وأحمد بن سودة وعبد الهادي بوطالب والمكي الناصري وعبد الله گنون وعبد الكريم غلاب ومحمد حجي ومحمد داود والمختار السوسي ومحمد بن الحسن الوزاني ومحمد علال سيناصر وأحمد بلافريج والمهدي بن عبود وأبي بكر القادري وأحمد بن الصديق وعبد العزيز بن الصديق ومحمد المنوني وعبد الهادي التازي وادريس الكتاني وعزيز الحبابي وغيرهم الكثير.

كل هؤلاء العظام اجتمعوا في السبعينات والثمانينات فوق أرض واحدة كأنهم على موعد، وتعلم منهم المغاربة الوطنية والمصداقية والجرأة وحب المصلحة العليا مهما هبطت ببعضهم الأخلاق الفردية العادية التي لا يخلو منها البشر السوي لكنه هبوط الكبار الذين إذا هبطوا تعففوا عن أن تمس أقدامهم الأرض ثم رجعوا إلى التحليق.

لم يكن هؤلاء كل المغاربة فغيرهم كان أكثر، لكن أتيحت لهم النوافذ التي أطلوا منها على الشأن العام فتركوا وراءهم روحا وطنية قبل أن يعوضهم بعض من يقف به حلمه عند ترك الثروة والذهاب غير مودع.

الذين عاشوا في زمن هؤلاء أو بعضهم لا بد يشعرون بغربتهم، ويرددون قول لبيد بن ربيعة الذي كانت تحبه عائشة أم المؤمنين:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الأجرب

يتأكلون خيانة مذمومة

ويعاب سائلهم وإن لم يشغب.

وأخذ محمود درويش المعنى فقال:

ذهب الذين أحبهم، ذهبوا

فإما أن تكون… أو لا تكون.

*الدكتور إدريس الكنبوري: كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *