في موضوع مدونة الأسرة هناك جانب هام جدا يجب أن نضعه في الاعتبار، وهو الموقف الأوروبي، ويرجع هذا إلى سببين، الأول أن المنظمات النسائية (عبارة تشمل الرجال العلمانيين أيضا) تنطلق من التوصيات الأوروبية، والثاني أن المغرب ينخرط في ورش المدونة بهدف تحسين صورته أمام الأوروبيين من خلال المرأة. والسؤال هو: هل تحقق هذا الغرض؟.

من خلال الاطلاع على ما كتبته الصحف الأوروبية الأكثر تأثيرا، خاصة في فرنسا وإسبانيا الشريكين الأهم للمغرب، فإن مقترحات التعديلات المعلن عنها في مدونة الأسرة غير كافية.

يومية لوموند الفرنسية خصصت مقالين للموضوع، الأول تحت عنوان”في المغرب، مشروع تعديل قانون الأسرة يخيب آمال النسائيات: هناك طريق يجب الاستمرار فيه”. العنوان فيه تبخيس واضح للمقترحات المقدمة من طرف الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، وفيه تحريض وتهديد واضحان: رغم هده المقترحات فهناك استعداد لجولات مقبلة من الكفاح ضد المدونة.

أما المقال فيبدأ كالتالي:”ستة أشهر من جلسات الاستماع من أجل بضع اقتراحات لا تتجاوز العشرين، أقل ما يقال عن التعديلات الأولية لقانون الأسرة…. أنه لا يثير حماس النسائيات في المغرب”.

المقال ينقل عن بعض النسائيات قولهن بأن هناك ازدواجية في المرجعية، واحدة إسلامية والأخرى قانونية(لنلاحظ هنا الفكرة الضمنية بأن الشريعة لا يمكن أن ينبثق عنها القانون). وطبعا هذه الازدواجية لا يمكن أن تحل بالنسبة للجريدة وللأصوات النسائية إلا بالتخلي عن المرجعية الإسلامية لصالح القانون، والمقصود هنا بالقانون العلمنة.

المقال الثاني لنفس الجريدة عنوانه”في المغرب الحكومة تقترح مراجعة للمدونة غير ملائمة للنساء كثيرا”، غير ملائمة!.

جريدة ليبراسيون الفرنسية كتبت مقالا تحت عنوان”حقوق النساء: قانون الأسرة في المغرب: ليس التغيير الجذري الذي كنا ننتظر”، وفي المقال ورد ما يلي:”بعد عشرين سنة ما زال الإصلاح الجديد لقانون الأسرة يصطدم بمقاومات صلبة في بلد يعتبر فيه الإسلام دين الدولة”. المعنى: طالما أن الإسلام هو دين الدولة فإن أي تغيير جذري لقانون الأسرة سيصطدم بمقاومات عنيفة.

أبي سي الإسبانية نشرت مقالا تحت عنوان”المغرب يعدل قانون الأسرة لكنه يبقي على تعدد الزوجات في بعض الحالات وعلى التحيز ضد المرأة في الميراث”.

إيل باييس نشرت مقالا في نفس الاتجاه تحت عنوان”المغرب يبقي على تعدد الزوجات رغم تضييقه بعقم الزوجة”.

يومية hercules نشرت مقالا تحت عنوان”تعديل مدونة الأسرة في المغرب لم يرض أي طرف سياسي”. التفسير: ليس هناك راض على التعديلات، وطبعا الجمعيات النسائية في المقدمة.

موقع الكونفدنسيال الإسباني المعروف نشر مقالا بعنوان”قانون جديد للأسرة في المغرب: المرأة المغربية لديها حق الفيتو ضد الزوج في التعدد”، وقال في نهاية المقال:”من الزاوية الأوروبية فإن هذه التعديلات المتقدمة تبدو صغيرة، لكن في السياق العربي الإسلامي فإن المغرب يوجد على رأس القائمة بعد تونس”. من الزاوية الأوروبية!.

هذا ما ورد في أهم الصحف والمواقع الأكثر انتشارا في فرنسا وإسبانيا، أي تلك التي تشكل الرأي العام في البلدين، ومن خلالها سينظر المسؤول في الدولتين إلى التعديل الجديد للمدونة في المغرب.

وبحسب ما نشر فإن المغرب لم يحقق أي تقدم في مدونة الأسرة، والتعب الذي حصل خلال عامين من المشاورات بالنسبة لهذه الصحف مجرد ضياع للوقت لأن المغرب لم يقدم كل ما كان منتظرا منه.

ما نشرته الصحف الأوروبية مبني على تصريحات ومواقف من الداخل، الذين يصفقون للتعديلات في الداخل هم الذين يعبرون عن عدم رضاهم في الخارج، فهم ينحنون للدولة ويعطون الانطباع بأنهم يواجهون “المحافظين” أي المغاربة، ولكنهم في واقع الأمر يعدون العدة لمواجهة جديدة مع الدولة بعد بضع سنوات من أجل تعديل جديد يليه تعديل جديد يليه تعديل جديد يليه تعديل جديد حتى تتحول مدونة الأسرة إلى قانون فرنسي،

وبعد ذلك ستكون هناك معارك أخرى مثل معارك الفرنسيات حول الزواج المثلي والأسرة الوحيدة النوع والجندر.

الخلاصة هي أنه من الصعب إرضاء الغرب، مهما صنعت فإن الغرب سيظل ينظر إليك على أنك لم تفعل ما يكفي للتخلي عن هويتك، فطالما أنك لن تصبح أوروبيا أبدا كذلك لن ترضى عنك أوروبا أبدا.

لكن هذا لا يجب أن ينسينا القضية الأهم، وهي أن المغرب بلد مسلم وفيه إمارة المؤمنين، وكما أن مدونة الأسرة تخضع للتعديل بسبب ميزان قوة مختل، كذلك سوف يأتي اليوم الذي تخضع فيه للتعديل بسبب تحول ميزان القوة، لهذا ننادي دائما بأهمية التشبث بمؤسسة إمارة المؤمنين، وكما قلنا في غير مناسبة، فإن استمرار هذه المؤسسة وسط الاختلالات المجتمعية خير من الاستقرار مع المساس بها، لأن الاستراتيجي يبقى أهم من التكتيك.

الدكتور إدريس الكنبوري- كاتب صحفي متخصص في الشأن السياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *