اكتظت شوارعنا وأزقتنا بالمشردين والحمقى
حيثما وليت وجهك بشوارع وأزقة كل المدن والقرى… تعترضك كائنات بشرية خارج تغطية كل ما يجري من حراك سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي…

*بوشعيب حمراوي

بعضها امتهن السطو المسلح… أطفال ومراهقون وشبان وكبار.. ضحايا العنف العائلي والفساد الجنسي، والعبث الاجتماعي…. رماهم القدر إلى الخلاء حيث اللا حنان و اللا اهتمام …

ترق لحالهم قلوب البعض، و تقسو عليهم قلوب كثيرة … يمتصون كل العبث والتعفن والانحرافات …جماعات وفرادى في صورة كائنات حية غريبة تعيش خارج تغطية أدبيات المجتمع، نسجت بساطا خاصا بطقوسها وعلت به فوق محيطنا ..

قنابل موقوتة صنعها العبث، وتركها تنمو في صمت… تمر السنون فتزداد خطورتها باحترافها الشغب والعنف، لتصبح جاهزة للانفجار بعد امتصاصها كل أشكال الانحراف…

لم تعد العناصر الأمنية ولا السلطات المحلية قادرة على ردعها…بحكم أن كل معتقل أو محال على العدالة يطلق سبيله في اليوم الموالي، ليعود إلى سابق عهده… وبحكم أن كل مشرد أو مضطرب نفسانيا ليس له ملجأ للعلاج والحماية، وأن العناصر الأمنية والسلطات تجد صعوبة في إحالة بعضهم على المراكز المتخصصة والتي تعد على رؤوس الأصابع ببلادنا…

وتكتفي بإجراء تنقيلات موسمية…للمشردين عبر التراب الوطني… أو كما يطلق عليها البعض اسم الحركة الوطنية الانتقالية للمشردين، والتي تعرفها بلادنا خلال فترات الربيع والصيف…

حيث يتم إعادة انتشار المشردين عبر الحافلات والقطار ليوزعوا على المدن والقرى، يقضون خلالها بضعة أشهر… تكون كافية لهلاك بعضهم…. ومنهم من يصمد و يثابر فيقضي مرحلته ب(لي جاب الله)، فيشارك في حركات انتقالية أخرى، إلى أن يأتي دوره في حجز بطاقة الوداع الأخير…

اكتظت شوارعنا وأزقتنا بالمشردين والحمقى … بينهم منحرفون يحملون أكياسا من البلاستيك بداخلها (مادة السلسيون) او للبوفا لاو …. يسامرون المارة بأعينهم ويمدون أنوفهم إلى داخل الأكياس حيث يستمدون الراحة والهدوء المزعومين. راحة من التفكير في وضع متأزم لازمهم منذ نشأتهم وهدوء يفتت ضوضاء التشرد الذي فرض عليهم العيش بعيدا عن أحضان أسرهم الدافئة…

يفرضون أمنهم بطرقهم الخاصة، يعبثون بكل ما تحتك بهم أياديهم وأرجلهم، يغازلون كل من تجاوب معهم، ثارة بالسب والشتم، وثارة بالتسول والتوسل من أجل كسب دراهم لشراء مئونة يومهم من الغذاء، أو شراء علبة (سيراج) مسح الأحذية، أو علبة (سلسيون) أو قنينة خمر رديء…

عتاد السهرات التي أدمنوا على إحيائها لمسح ذاكرتهم وضبط المزاج وضمان مخزون ليلة حمراء لا تجف فيها عيونهم إلا بعصر العلب وتجفيف القنينات وختم السهرات بتكسير زجاج النوافذ والمصابيح…، والصراخ في منتصف الليل وعند الفجر معلنين عن انتهاء ليلة صاخبة من عمرهم الضائع….

تجدهم هنا وهناك يدقون عالمنا للحظات… يحاوروننا بنظرات يمتصها البرق، ويعودون إلى عالمهم… يقضون النهار في البحث عن مصروف ليلة أخرى يقضونها وسط ركام من العشب والأزبال أو داخل منزل مهجور أو برصيف زقاق أو شارع … يحاورون كل خيال مر بهم… يضحكون… يبكون…يصرخون… يعترضون سبل المارة، ويزيد الظلام من غليانهم، ويزيدهم الإهمال والتهميش جشاعة وخشونة. ويبقى قدرهم بين أيدي خالقهم.. منهم من يصاب ويمرض، فيضعف ويختفي، ومنهم من يزداد متانة وبأسا ليخرج من خانة المتشردين إلى خانة المجرمين.

…هذا ما وصلت إليه إبداعات المفسدين من أجل الاستمرار في نهب البلاد…متى يتم وقف صناعة هاته القنابل البشرية؟… متى نحدث مصانع لتنمية الذكاء وتحسين السلوك ؟ متى نسقي أطفالنا وشبابنا بمياه الوطنية والغيرة الخالصة على الأهل والأحباب؟… متى نوقف نزيف الأرض والعرض؟… …
يبدو ان هناك من أرادوها أن تكون أرضا حارقة تثير غضب كل الكائنات البشرية الضعيفة والقوية والنائمة والمنومة… حولوا بذورها إلى أعواد ثقاب… وبللوا فتيلها بالوقود لإضرام النار ، ولتوسيع نطاق المحرقة، وجعلها تطال الأبرياء والجهلاء والقاصرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *