لا شك أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدن المغرب من مواجهات بين سائقي سيارات الأجرة التقليدية والعاملين في مجال النقل عبر التطبيقات الذكية، تحمل في طياتها إشارات مقلقة لما يمكن أن يتحول إلى أزمة وطنية تهدد الأمن المجتمعي والاقتصادي.
وبينما يزداد التوتر وتتسع رقعة هذه الظاهرة، يبدو أن غياب تدخل قوي وحازم من وزارة الداخلية يعمق الأزمة ويفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة.
ما وقع في الرباط والدار البيضاء ومدن أخرى، من مطاردات شبيهة بأسلوب المافيات واعتداءات على سائقي النقل عبر التطبيقات الذكية، يكشف عن واقع مرير يتمثل في سيطرة غير رسمية للوبي سيارات الأجرة التقليدية على المجال، وغياب تطبيق صارم للقانون. هذه المواجهات تعكس حالة احتقان قد تتصاعد إذا استمرت السلطات في التعامل مع هذا الملف بنهج المراقب بدل الفاعل.
إذا لم يتم كبح هذه السلوكيات الخارجة عن القانون، فقد نشهد تصعيداً خطيراً في العنف، سواء بين سائقي سيارات الأجرة التقليدية والعاملين في النقل عبر التطبيقات، أو حتى بين هؤلاء والمواطنين العاديين الذين يعتمدون على هذه الخدمات.
هذا العنف لن يقتصر على المدن الكبرى، بل قد يمتد إلى مناطق أخرى، مما يعمق الشعور بعدم الأمان. استمرار هذه الحوادث دون تدخل حاسم قد يؤثر على سمعة المغرب كوجهة سياحية مستقرة. مشاهد المطاردات والاعتداءات تنقل صورة سلبية للسياح والزوار، خاصة في ظل التغطية الإعلامية المحلية والدولية. القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالنقل والسياحة ستتضرر بشكل مباشر.
كما أن الاستثمارات في الشركات التي تعمل عبر التطبيقات الذكية قد تتراجع بسبب غياب بيئة عمل آمنة ومستقرة.
السماح لمجموعات معينة بفرض “شرع اليد” دون رادع قد يضعف الثقة في مؤسسات الدولة، ويشجع ممارسات مشابهة في قطاعات أخرى.
الصراعات المستمرة بين الفئات المختلفة من العاملين في قطاع النقل ستؤدي إلى انقسامات أعمق داخل المجتمع، مما يعزز الشعور بالظلم والتهميش لدى فئات واسعة.
يعتمد أصحاب سيارات الأجرة التقليدية على شبكات غير رسمية تمنع أي شكل من أشكال التنافسية.
بدلاً من التحديث وتطوير خدماتهم لتتماشى مع متطلبات العصر، يلجأ الكثيرون إلى أساليب الترهيب والتضييق على العاملين في التطبيقات الذكية.
لا تزال القوانين المغربية المتعلقة بتنظيم النقل عبر التطبيقات الذكية غير مكتملة أو غامضة، ما يترك المجال مفتوحاً للصدامات الميدانية. خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية غالباً ما تُعتبر أكثر كفاءة ونظافة وأمناً، مما يجعلها جذابة للركاب، وهو ما يزيد من حدة التوتر.
وزارة الداخلية تتحمل المسؤولية المباشرة لضبط هذا القطاع، باعتبارها الجهة المسؤولة عن الأمن العام وتنظيم النقل.
لكن حتى الآن، يبدو أن التدخلات تقتصر على حلول جزئية وعرضية، دون معالجة جوهر المشكلة.
المطلوب ليس فقط التدخل لتهدئة الوضع، بل وضع استراتيجية شاملة تشمل تحديث القوانين المنظمة لقطاع النقل، بما يضمن تكافؤ الفرص بين سيارات الأجرة التقليدية وخدمات التطبيقات الذكية.
فرض عقوبات صارمة على كل من يخرق القانون، سواء من سائقي سيارات الأجرة التقليدية أو العاملين عبر التطبيقات.
تقديم حوافز لسائقي سيارات الأجرة لتحديث خدماتهم واعتماد تقنيات حديثة، بما يعزز من قدرتهم التنافسية.
فتح قنوات حوار مباشرة مع النقابات المهنية للوصول إلى حلول توافقية تخدم مصالح جميع الأطراف.
إن التأخر في مواجهة لوبي سيارات الأجرة بكل حزم سيؤدي حتماً إلى فقدان السيطرة على هذا القطاع، وستكون التكلفة باهظة على المستويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
ما نحتاجه الآن هو إرادة سياسية قوية ورؤية استراتيجية واضحة تضع حداً لهذه الفوضى وتعيد للنقل العمومي هيبته وقيمته كمرفق يخدم المواطنين ويحترم سيادة القانون.
إن حماية أمن واستقرار المجتمع ليس خياراً، بل ضرورة ملحة تفرضها الظروف الحالية. على وزارة الداخلية أن تتحرك الآن، وبسرعة، قبل أن يصبح الحل أكثر صعوبة وكلفة في المستقبل.
* د إدريس الفينة