الجدل حول مدونة الأسرة في المغرب يبين بأننا نسير عكس اتجاه العالم، العالم الذي يعرفه التيار العلماني بأنه أوروبا وأمريكا فقط، وإن كان العالم عند البعض الآخر هو فرنسا لا غير. في الوقت الذي يدافع فيه العلمانيون على علمنة مدونة الأسرة يتجه العالم إلى القيم الدينية أو المحافظة، حسب كل بلد.

هذا الأسبوع أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أن هناك جنسين فقط هما الذكر والأنثى، وأن إدارته ستحارب ظاهرة التحول الجنسي والشذوذ، وستطرد الشاذين من الجيش وجميع أسلاك التعليم.

ولكن التيار العلماني والحركات النسائية في المغرب ينظران إلى العالم بعين التقارير الدولية لا بعين الواقع، فهما كتلميذ في قاعة الامتحان أمامه ورقة عليه التعامل معها ولا يهتم بالعراك في الشارع.

أمريكا بلد علماني بالتعريف، ولكن الحزب الجمهوري يتصرف وفق مبادئه في علمانية مرنة، والقوانين فيه قد تتغير يمينا وشمالا مع كل حزب حاكم، وليس هناك من يقول بأن أمريكا اختارت هذه القوانين ويجب أن تتقدم نحو الأمام لا أن ترجع إلى الخلف، وأن العالم يتغير ويجب أن تتغير أمريكا.

في مجتمعنا تتحرك القوانين التي يفترض أن تكون ثابتة، وتتجمد القوانين التي يفترض أن تكون متحركة. التشريعات التي يفترض أن الانتخابات تجرى لتحسينها لا تتغير، والتشريعات التي يفترض أنها خارج صلاحيات الحكومات تتغير باستمرار، فمنذ سنوات والحكومة الحالية على سبيل المثال تخلق الجدل حول مدونة الأسرة والحريات الفردية وعقوبة الإعدام، مع أنها لم تتقدم بها إلى الناخبين، أما ما تقدمت به إلى الناخبين في المجال الاجتماعي والاقتصادي فلا نقاش حوله.

نعم أمريكا تتقدم إلى الأمام، تتقدم في حقوق العمال وجودة التعليم والاقتصاد والذكاء الاصطناعي والضرائب والقطاع الصحي، لأن هذه هي مهام الحكومات، أما قضايا الأسرة والتحول الجنسي والشذوذ فقضايا اجتماعية يمكن أن يحصل فيها انقسام لكنه لا يؤثر على السياسة الحقيقية للحكومات.

مواضيع مدونة الأسرة والحريات الفردية والعلمانية في المغرب هي مواضيع تستنزف الهامش الديمقراطي الضيق وتقتل الولاية الانتخابية للحكومات وتغتال الزمن السياسي، خلال أربع سنوات من عمر كل حكومة في المغرب تضيع سنتان أو أكثر في نقاشات بيزنطية، والسنتان الأخريان واحدة في الهرج والثانية في الصراعات الحزبية قبيل الانتخابات الجديدة.

وفي الأخير يتحدثون عن مشهد سياسي. إنه مشهد سينمائي فيه سيناريو ومخرجون وممثلون وجمهور يتزاحم.

*إدريس الكنبوري كاتب متخصص في الشأن الديني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *