هذا المكان الذي التقطت فيه الصورة، يوجد داخل مطار شيفول Schiphol بأمستردام. المكان المذكور هو النقطة الأكثر انخفاضا على مستوى البحر بعاصمة هولندا ( سياسيا أمستردام هي العاصمة، لكن إداريا الحكومة والبرلمان يوجدان بمدينة لاهاي).

مطار أمستردام يوجد في مستوى منخفض عن سطح البحر بأربعة أمتار. ومع ذلك تحدت هولندا طوبوغرافية المكان، وشيدت أحد أكبر المطارات في العالم، بالنظر إلى أن مطار Shiphol يصنف ثالث مطار أوربي من حيث رواج المسافرين، بعد مطاري هيثرو بلندن وشارل دوغول بباريس. إذ يستقبل مطار أمستردام 75 مليون مسافر في السنة، ويتوفر على ستة مدرجات بشكل يجعله قادرا على مواجهة مختلف ضغوطات حركةالملاحة الجوية( للمقارنة مطار الدار البيضاء يتوفر على مدرج واحد فقط).

مطار شيفول ( ترابيا المطار يقع بتراب جماعتي Haarlemmermer وAmstelveen جنوب غرب أمستردام)،  ليس فقط مرفقا ملاحيا أو اقتصاديا، بل هو عنوان نجاح هولندا في ترويض الطبيعة والتعايش مع إكراهاتها وتقلباتها وأخطارها، بالنظر إلى أن الاسم الرديف لهولندا هو “البلاد المنخفضة”، نظرا لكون ثلثي مساحة هولندا توجد في وضع منخفض عن سطح البحر، قد تصل أحيانا إلى ناقص 6 أمتار،مع ما يترتب عن ذلك من مخاطر الفيضانات والمد البحري. وهو ماجعل الهولنديين عبر التاريخ، يبدعون ويتألقون في الهندسة المائية في كل أبعادها: قنوات، ممرات مائية، سدود، حواجز، الأحواض المائية، محطات الضخ، تجفيف المستنقعات والبحيرات، إلخ

هذا التألق سترتفع وتيرته بعد فاجعة يناير 1953، التي تميزت بعاصفة قوية مصحوبة بمد بحري رهيب بساحل بحر الشمال، أدى إلى نسف الحواجز وإغراق عدة مدن والناس نيام، مما أدى إلى وفاة 1800 هولندي وتشريد 70 ألف فرد، ( تعد هذه الفاجعة أكبر نكبة بهولندا منذ المد البحري عام 1287 الذي قتل 50 ألف مواطن وشرد آلاف المنكوبين آنذاك). وهو ما جعل هولندا تعتمد مخططا جديدا حتى لا تتكرر فاجعة 1953.

فتم تبني برنامج DELTA المتمحور حول شبكة معقدة من السدود والحواجز والقنوات والممرات المائية ومحطات ضخ مياه البحر وتوجيهها نحو قنوات، موازاة مع ضخ مياه العشرات من الأودية والأنهار التي تخترق تراب البلاد، لدرجة أن هذا البرنامج ( DELTA)، يعد أكبر وأعقد برنامج للوقاية من الفيضانات في العالم، وهو ماجعل هولندا محجا يقصدها المهندسون والخبراء ومكاتب الدراسات والمختصون في هندسة المياه وفي الهيدرولوجية وفي الدراسات البحرية والمينائية، من مختلف دول المعمور للاستئناس بخبرتها وتجربتها في “ترويض” الماء وفي تطويع المد البحري، لدرجة أن الهولنديين لديهم مقولة مشهورة مفادها أن :” الله خلق الأرض.. ونحن خلقنا هولندا” !

*عبد الرحيم أريري مدير مجموعة انفاس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *