كان مقتضبا وبليغا حين قدم المخرج البولندي داميان كوكر فيلمه “تحت البركان” بقوله “كلنا معرضون لنصبح يوما لاجئين“.
الفيلم الذي تم عرضه، اليوم الأربعاء، في إطار المسابقة الرسمية للدورة 21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، دراما عن الحرب، لكن بعيدا عن ساحة القتال.
ذلك أن الحرب تصدر رعبها خارج الحدود حين تجد عائلة اوكرانية تمضي عطلة صيفية في جزيرة تينيريفي الاسبانية، نفسها عاجزة عن العودة الى بلادها، بعد اندلاع النزاع المسلح الذي غير فجأة كل شيء.
“تحت البركان” (105 دقيقة) فيلم تفاصيل بامتياز، حيث تلاحق الكاميرا وجوه الشخصيات التي تنطق بوضعية قلق وشعور بالعجز وانقياد للمجهول.
الأسرة المكونة من رومان وزوجته صوفيا وابنيه أناستازيا وفيدير، تجمع حقائب العودة حين يصل الخبر، فيصبح المكان حصارا يضاهي وضعية الحصار الذي يعيشه الناس في ساحة الحرب.
يسترعي الانتباه احتفاظ المخرج بالأسماء الحقيقية للشخصيات، كما لو أنه أراد بعث رسالة تحذير الى الجميع، بأن هذا الوضع المعلق قد يكون قدرا مسلطا على أي كان عبر العالم، حيثما اشتعلت نيران الحرب.
يرسم المخرج بحركة كاميرا ذكية وإدارة جيدة للممثلين ثقل الزمن على أفراد فقدوا البوصلة واستبدت بهم مشاعر القلق والترقب.
يندلع توتر مع المكان وينفجر كلام مكتوم بين أفراد الأسرة خصوصا أن الزوجة ليست أم الطفلين.
صوت الشهب النارية في احتفالية الصيف تصم آذان الفتاة التي تصاب بالهلع، كأنها تسمع صخب الانفجارات في كييف.
لعل الربح الوحيد هو الفرصة غير المتوقعة ليتعرف كل على الآخر. تسأل الفتاة أباها عن ألبومه المفضل، ويسألها هل تحب لعبة التنس.
ينجح الفيلم، وهو عن سيناريو للمخرج، في تفادي الرتابة التي تخيم على مواضيع أحادية الفضاء والموضوع، من خلال توليد وضعيات حوار وصدام درامي بين الشخصيات، تعبيرا عن توتر نفسي عارم.
كما يحسب له عدم انحباسه في سردية ذاتية مغلقة وطرحه لموضوع اللاجئين كضحايا للحروب، في بعده الكوني. تم ذلك من خلال حبكة لقاء الفتاة أناستازيا مع شاب مهاجر إفريقي حل بالبلاد بعد أن تسلل الى سفينة بحثا عن معيش أفضل.
ها هي الحرب تصنع تشابها بليغا في وضعية الاغتراب بين أسرة ميسورة وشاب فقير لا يملك الا حلم الخلاص.
بفيلمه الطويل الثاني هذا، يكرس المخرج البولندي نضج تجربته السينمائية، بعد أن أخرج العديد من الأفلام القصيرة التي حازت على جوائز متعددة عبر العالم.
فقد نال فيلمه الطويل الأول “خبز وملح” (2022) جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة “أوريزونتي” بمهرجان البندقية السينمائي، ثم توج بالعديد الجوائز في مهرجانات أخرى، منها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومهرجان البرتقالة الذهبية السينمائي بأنطاليا، ومهرجان “أوف كاميرا” بكراكوف.
وشارك فيلمه القصير الأخير “كما كان في السابق” في المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2023 حيث تنافس على السعفة الذهبية للفيلم القصير.
ويشارك فيلم “تحت البركان” في المسابقة الرسمية المخصصة لسينمائيين من جميع أنحاء العالم، ببرمجة تتكون من 14 فيلما روائيا طويلا يعد الأول أو الثاني لمخرجه، ويتم تقديمه في أول عرض عالمي أو في الشرق الأوسط وإفريقيا.