الدبلوماسي الروسي وزوجته قررا استخدام تطبيق ذكي في المغرب من أجل التنقل، فاكتشفا أن ذكاء التطبيق لا يتماشى مع الغباء المستشري في أوساط فئة من سائقي سيارات الأجرة
*أحمد الدافري
المرة الأولى التي فيها ركبت في سيارة أجرة بواسطة تطبيق هاتفي ذكي كانت في القاهرة، وكان ذلك سنة 2014.
أحد أصدقائي من الفنانين المصريين هو الذي كان طلب لي السيارة عن طريق تطبيق مثبّت في هاتفه المحمول، كي أعود ليلا من حي المهندسين إلى فندق الماريوت في حي الزمالك.
كانت حينها هناك شركتان اثنتان للنقل الخاص لديهما تطبيقان هاتفيان في مصر، وكانت تطبيقات الهواتف قد بدأ العمل بها في تلك السنة في مصر، وساهمت في توفير فرص إضافية للتنقل بتسعيرة معقولة، خصوصا في مدينة القاهرة الكبرى التي كان عدد سكانها في تلك السنة يقارب 19 مليون نسمة ( 18 مليون و820 ألف) حسب ما هو وارد في بيان للمجلس القومي للسكان في دولة مصر.
تكررت زيارتي للقاهرة منذ تلك السنة.
وكانت آخر زيارة لي لها في سبتمبر 2023 حيث كنت توصلت بدعوة لحضور مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي كان الصديق الإعلامي والناقد المصري مصطفى الكيلاني مسؤولا فيه في تلك الدورة عن المكتب الإعلامي.
كنت في هذه الزيارة الأخيرة للقاهرة، أخرج أحيانا كي أتجول في أرجاء المدينة، حيث أبدأ التجول مشيا على قدمي، وحين أشعر بالتعب أطلب سيارة بواسطة التطبيق الهاتفي إما للتوجه إلى مكان معين أو للعودة إلى الفندق.
حسب تجربتي، سائقو سيارات الأجرة في القاهرة أشخاص هادئون رغم صعوبة مهنتهم التي يعيشون معها ضغطا قويا في الطرق بسبب الازدحام والتكدس.
خرجت يوما من دار الأوبرا في القاهرة وأردت أن أذهب إلى حي الحسين كي أشرب كأس شاي في مقهى الفيشاوي.
وجدت سيارة أجرة فارغة كانت قد أتت بشخص إلى دار الأوبرا.
ركبت فيها وطلبت من سائقها أن يأخذني إلى حي الحسين.
عرف السائق من لهجتي أنني لست مصريا.
سألني عن جنسيتي.
أخبرته بأنني مغربي.
قال لي : المغاربة أحلى ناس.
قلت له المصريون هم كذلك أحلى ناس، وأنا أحبهم وتربيت وسط أسرة مغربية متدينة كان فيها الأب والأم يحبان السينما المصرية ويأخذان أطفالهما معهما لمشاهدة أفلام اسماعيل ياسين وأحمد رمزي وشكري سرحان وعبد السلام النابلسي وعبد الفتاح القصري وعماد حمدي ومحمود المليجي وتوفيق الدقن وفؤاد المهندس وزينات صدقي وجورج سيدهم وعبد المنعم إبراهيم وشويكار وشادية وغيرهم.
ظهرت البشاشة أكثر على مُحيا السائق.
قال لي : ربنا يخليك.
كان رجلا كهلا يقترب من الستين.
سألته هل سيارات النقل التي تشتغل بواسطة تطبيقات الهاتف تضايقهم.
قال لي :
الأرزاق بيد الله.
سألته هل هم راضون أن ينافسهم سائقون يشتغلون مع شركات أجنبية بواسطة تطبيقات الهاتف.
قال لي بأنه ملزم بأن يقبل بالأمر لأن رئيس مجلس الوزراء أصدر قرارا سنة 2019 حدد فيه إجراءات تطبيق قانون لتنظيم خدمات النقل البري للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات، وقال لي بأن القانون فوق الجميع، وكل من يخالف القانون ينبغي أن يُعاقب، سواء كان سائقا يعمل بواسطة تطبيق هاتفي أو بدونه.
في مصر الآن هناك أكثر من شركة عالمية متخصصة في النقل بواسطة التطبيقات الذكية، لديها ترخيص، وهناك شركة سعودية ترغب هي الأخرى حاليا في أن تدخل إلى سوق خدمات النقل المصري باستخدام التطبيقات الهاتفية، علما أنه توجد في المملكة العربية السعودية 10 شركات لديها ترخيص للعمل في مجال النقل الذكي عن طريق تطبيقات الهواتف.
هذا في مصر والسعودية.
أما في مملكتنا المغربية، فإن شركات النقل الذكي تعمل بدون ترخيص، وسائقو سيارات الأجرة يطاردون سائقي سيارات النقل الذكي في الشوارع، ويتعاركون معهم ومع زبنائهم، كما حدث مؤخرا مع الدبلوماسي الروسي عالي المستوى الذي طلب سيارة بواسطة تطبيق هاتفي كي يذهب إلى الفندق الذي يقيم فيه رفقة زوجته في الدار البيضاء، فإذا بسائقي سيارات أجرة يطاردونه في الطريق ويجبرون سيارة النقل الذكي على التوقف ويعطونه سلخة معتبرة هو والدبلوماسي الروسي وزوجته.
الدبلوماسي الروسي وزوجته قررا استخدام تطبيق ذكي في المغرب من أجل التنقل، فاكتشفا أن ذكاء التطبيق لا يتماشى مع الغباء المستشري في أوساط فئة من سائقي سيارات الأجرة.
هو غباء لا نرضى أن نتعامل به في تدبير أمور من الممكن أن يتم تدبيرها بالقانون وبالسلوك المدني المتحضر.
وهذا ما كان.
*كاتب صحفي