يقول المفكر الكبير المهدي المنجرة: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فعليك بهدم الأسرة، وهدم التعليم، وإسقاط القدوات والمرجعيات“.
قالها المهدي المنجرة ثم رحل عن دنيانا دون أن يعاصر جيلا من الضباع تقتات على جيف بعضها وتباهي الأمم بعوراتها.
الأسرة يا أستاذنا العظيم لم يعد يجمع شملها سوى دفتر الحالة المدنية، بعدما تمكن منها هاتف صغير بحجم الكف، الأم تثير الضحك وهي تلعب دورا لا يليق بسمو اللقب في مقالب بئيسة وتستجدي دراهم الأثير، الأب الفاضل يتابع بشغف جديد العري ورقص القاصرات، أما الشباب فقد اختلط حابلهم بالنابل وذابت الألوان في بعضها وما عدت تميز بين ذكر وأنثى، الرجال أصابهم بلل الأنوثة والنساء استرجلت وغطى الإسمنت روحها.
أما التعليم فصار كبنت ليل يتعاقب عليها العابرون وزيرا وزيرا، والمعلمون صاروا أبناء حرام ولدوا من بطن الفضيحة الرسمية، لا يليق بهم غير الركل والسحل والسلخ في شوارع العاصمة، أمام البرلمان.
مصنع القدوات وحده مستمر بإنتاج النماذج والهامات الجديدة حسب ما تقضي الأوامر، فلا حديث إلا عن ولد الشينوية، وإلياس المالكي، اسمان من لائحة طويلة من رموز الزمن الجديد في مملكة أنجبت ابن بطوطة والمختار السوسي ويوسف ابن تاشفين وأنجبتك يا أيها المهدي غير المنتظر.
صور ولد الشينوية وإلياس المالكي تحاصرك من كل جانب، وفي عز هروبك من تفاهة المواقع وأنت تبحث عن أخبار البلاد والعباد، تجد نفسك تقرأ العناوين البارزة.
كل الأخبار، كل المواقع، كل المقالات والبرامج الحوارية تقتات على خبر الرجلين (وقيل هما رجل ونصف)، الحياة توقفت والناس يترقبون الجديد وصناع القبح في المواقع ممن ينتحلون صفة “الصحافي” ينثرون التفاصيل ويسوقون قطعان المتابعين إلى مذبح الضمير.
ما هذا المجتمع الهجين، أين هي الدولة، أين هي المؤسسات، أم أن تحركها لا يحين إلا إذا تعاظمت الكوارث وفاح ريحها.
أما من قانون يحكم هذه الفوضى العارمة، أما من إعلام واع يوجه وينشر الرسائل بعيدا عن ألغام “الترند” ودسائس “الدعم“.
الزملاء الحقيقيون يتحولون تباعا إلى كائنات منبوذة، لغتها مستثقلة، ضميرها الحي معتقل، ووعيها فعل ماض لا يعود.
ما زالوا يكتبون، يتحدثون، يروون قصصهم وينتقون الحروف بعناية لتولد الكلمة نقية قابلة للاستهلاك.
بعض المعاقل ما زالت تناضل من أجل مغرب جميل.
لكن تيار التفاهة الهادر يدعمه الساسة وقطاع الأرزاق وتجار اللحم الرخيص، ويصنعون المنابر ليعتليها كل سفيه وبغي.
غير بعيد عن هذا المستوى الضحل من الفكر ولكن بواجهة براقة وأسماء نالت “شرعية” زائفة من عمالة متنكرة في ثوب حرية التعبير، زملاء من نوع آخر تخدعك فيهم نظافة الهندام لكن سرعان ما تفضحهم المواقف فتختفي ملامحهم خلف دخان الحروب الآثمة.
سعيد بلفقير -كاتب صحفي