توفي خلال الساعات الماضي، في مسكنه في الرباط، علي نجاب، النقيب الطيار السابق في القوات الجوية الملكية الذي تعرض للأسر يوم 10 شتنبر 1978 بعد إصابة طائرته ميراج إف 5 بصاروخ أرض-جو، ليقضي بعدها 25 عاما في سجون البوليساريو.
في هذا الحوار السابق الموثق في عام 2020، يحكي الراحل نجاب، أسرار حياة سجون البوليساريو وتحكم عسكر الجزائر في قادة ميلشيات الجبهة. وهو. الحوار الذي تعيد جريدة le12.ma، نشره تكريما لروح هذا البطل.
1-في مؤلفكم عن الـ 25 سنة التي قضيتموها في سجون البوليساريو، ذكرتم أنه فور تعرضكم للأسر، تولى استنطاقكم ضباط جزائريون. هل تتذكرون أشكالا أخرى لتواجد الجزائريين الذي يؤكد تحكمهم في البوليساريو؟
“فور وصولي هناك نُقلت إلى مكتب محمد عبد العزيز الذي لم يكد ينتهي من طرح سؤالين حتى دلف ثلاثة ضباط جزائريين (قبطان وملازمان) في لمح البصر نقلوني إلى تندوف وزجوا بي في زنزانة بالطابق الأرضي.
ومنذ سنة 1976، كان الجزائريون يصطحبون سجناء مغاربة إلى شمال الجزائر، إذ نقلوا في المجموع 476 أسيرا مغربيا إلى مراكز البليدة والشلف وبوفاريك وغيرها إلى جانب ضباط وربابنة. وفي سنة 1979، نقلوا ربابنة وضباطا إلى تندوف وسلموهم إلى البوليساريو، فيما بقي الآخرون في شمال الجزائر.
وفي سنة 1987، تبادلوا 150 أسيرا مغربيا مقابل 106 أسرى جزائريين كانوا محتجزين في المغرب بعد أسرهم في أمغالا، فيما بقي الآخرون أسرى لدى الجزائريين الذي سلموهم فيما بعد إلى البوليساريو”.
2– هل كانت هناك علاقة تراتبية بين المسؤولين الجزائريين وانفصاليي البوليساريو؟
“كان حضور الجزائيين دائما. عندما كان أسرى مغاربة جدد يصلون إلى الرابوني، كان الجزائريون يصلون فورا لإجراء الاستنطاق. كان الجزائريون يأتون إلى تندوف لإعطاء الأوامر. كان هذا الأمر واضحا جليا.
وأتذكر، في هذا الصدد، أن مجموعة من الضباط كانت قد حلت بالرابوني. نقلونا، نحن الضباط المغاربة الأسرى، لمقابلتهم. كان من بين هؤلاء رئيس وزراء البوليساريو (آنذاك) محمد لامين أحمد، الذي كان واقفا أمام إحدى النوافذ. هبت الريح فجأة وانفتحت النافذة، فوجه إليه ملازم جزائري الأمر قائلا: “أغلق النافذة”. حملق فيه الآخر مندهشا، ليجدد الملازم الجزائري أمره: “قلت أغلق النافذة”. نظر إليه الآخر بعينين جاحظتين ثم انصرف.عندها سرعان ما ندرك إلى أي حد يتحكم الجزائريون في صنيعتهم البوليساريو”.
3– تميزت فترة اعتقالكم بحالات عديدة لعودة مسؤولي البوليساريو إلى المغرب. كيف كان رد فعل الانفصاليين إزاء هذه الانشقاقات، من وجهة نظركم؟
“كان هناك تكتم مطبق. كانوا يحاولون عدم إعطاء أهمية لهذه الانشقاقات حتى لا يبدو أنهم تأثروا بهذه الأحداث.كان هناك شخص من البوليساريو أصيب في الحرب يستمتع بإجراء نقاشات مع الأسرى. سألني ذات يوم: “ما رأيك في عودة عمر الحضرمي إلى المغرب؟ أجبته بأن البوليساريو تعتبره خائنا. تبسم وقال لي: “هناك الكثيرون في المخيمات يريدون أن يحذوا حذوه، لكنهم لا يستطيعون ذلك لأن لديهم أطفالا”. وعندما سألته عن رأيه هو في الموضوع، قال: “سأكون أنفع للمغرب هنا بتحسيس ساكنة المخيمات لفائدة المغرب”. أدهشني هذا الأمر حقا”.
4- كيف تمكنت من البقاء على اطلاع عما كان يحدث في المغرب؟ وكيف كنت تعيش هذه التطورات (التعديل الدستوري وحكومة التناوب ووفاة الراحل الحسن الثاني)؟
“أكثر ما كان يهمنا هو الوضع على أرض الميدان. كان هناك سجين من طاطا يتظاهر بأنه يشتغل في إصلاح أجهزة الراديو. كان يحتفظ بالأجهزة التي نطلب منه إصلاحها أطول مدة ممكنة لاستقاء الأخبار وإطلاعنا عليها.بعد ذلك، تمكن السجناء من الحصول على أجهزة راديو.
بعد وقف إطلاق النار، بدأت البوليساريو في غض الطرف. بعد ذلك، تفاوضت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع البوليساريو والجزائر لتركيب أجهزة تلفزيون في زنازيننا قبيل وفاة الحسن الثاني. هكذا تمكنا من متابعة جنازة الراحل الحسن الثاني. كانت لهذه الجنازة، التي كان لها صدى عالمي واسع، وقع الصاعقة على البوليساريو. لم يتوقعوا أن يحظى المغفور له الحسن الثاني بهذه الشعبية الكبيرة. التزموا الصمت”.
5– سلبتكم فترة السجن 25 سنة من عمركم، ربما كانت السنين الأهم في حياتكم وحياة عائلتكم. هل كان لها في المقابل جوانب إيجابية؟
“استفدت من السجن شيئين، أولهما الارتياح لكون المغرب استعاد صحراءه، وثانيهما اعتزازي بخدمة بلدي”.
6- ما رسالتكم لقدامى المعتقلين المغاربة؟
“أنصحهم بتحرير مذكراتهم. كل سجين هو بمثابة كتاب حافل بالأحداث، وستكون هذه الكتابات مفيدة للجيش ولتاريخ المغرب على حد سواء. فمن الواجب أن تكون 18 سنة من حرب مؤلمة أزهقت فيها أرواح الكثير من المغاربة معروفة في تاريخ المغرب.
علينا واجب الاعتراف تجاه كل هؤلاء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل استعادة الصحراء وجميع من ضحوا بحياتهم من أجل الصحراء، حتى لو كانوا لا يزالون على قيد الحياة. إنه دَين، وللوفاء بهذا الدين، يجب علينا إدامة واجب الذاكرة والاعتراف، وهو شرط لا غنى عنه لغرس معاني المواطنة والشجاعة والواجب والتضحية في نفوس المواطنين”.
7– ما هي رسالتكم للشباب المغاربة؟
“شباب اليوم هم رجال الغد. سيكون لديهم أطفال يربونهم. يجب الاستعداد لذلك من الآن. اغفلوا قليلا عن فريقي برشلونة وريال مدريد وتعمقوا في تاريخ بلدكم. إن مغرب اليوم ليس هو المغرب الذي ورثناه عن فرنسا سنة 1956. إن مغرب اليوم أفضل بكثير. بالطبع ليس كل شيء مثاليا في بلدنا، لكننا لسنا متخلفين. عليك فقط أن ننظر حولنا.
رغم كل شيء، ظل مغرب الحسن الثاني صامدا، وهو مستمر مع الملك محمد السادس. المغرب يسير بشكل جيد. بدلا من أن نكون عدميين، علينا أن ننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس وأن نحاول ملأ النصف الآخر”.
8- ما هي المشاعر التي تخالجكم عندما تقابلون أحد سجانيكم السابقين، ممن عادوا إلى المغرب في إطار نداء “الوطن غفور رحيم”؟
“إذا كانت مصلحة المغرب العليا تقتضي ذلك، فأنا أصفح. لقد عادوا إلى المغرب في إطار نداء “الوطن غفور رحيم”. لقد أتاح لهم الراحل الحسن الثاني هذه الفرصة باسم الشعب. علي أن أحترم قرار ملك بلادي، لأنه فعل ذلك باسم الدولة المغربية. يجب في وقت من الأوقات أن تتصالح. يجب تضميد جميع الجراح. حتى الشهداء، الذين سقطوا في كلا المعسكرين، ماذا نسميهم. قتلانا شهداء … وقتلى الجانب الآخر؟ أقترح أن نعتبرهم شهداء لخطأ تاريخي”.
حوار اكسبريس
حوار. علي نجاب.. “بيلوط حربي” يحكي أسرار ربع قرن في سجون العدو