ألقى عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، قبل قليل من يومه الثلاثاء، جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين، كلمة حول موضوع: “منظومة الصناعة الوطنية كرافعة للاقتصاد الوطني”.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة رئيس الحكومة:
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة الوزراء المحترمون،
السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
ونحن اليوم، نجدد اللقاء في هذه الجلسة، استنادا إلى أحكام الفصل 100 من الدستور، أغتنم الفرصة لأتوجه بالشكر للسيدات والسادة المستشارين المحترمين على اختيارهم موضوع: “السياسة الوطنية للتصنيع”، محورا لهذه الجلسة الشهرية.
ولا بد في البداية، أن نستحضر معكم أن التصنيع حظي دائما بعناية سامية من طرف جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لكونه يشكل رافعة أساسية ودعامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة والمستدامة، ومساهما مهما في الناتج الداخلي الخام، وخلق فرص الشغل، وجلب العملة الصعبة.
ونحن نخلد الذكرى الــ 25 لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، على عرش أسلافه المنعمين، لا بد من الإشادة عاليا بالتقدم الهام الذي حققه القطاع الصناعي في السنوات الأخيرة، الذي ارتكز على اعتماد الصناعة المغربية لمبدإ الانفتاح الاقتصادي، واستنادها على استراتيجيات طموحة وواضحة، نابعة من رؤية مجالية شاملة.
وهنا نستحضر أن جلالة الملك، نصره الله، قاد ووجه منذ اعتلائه العرش، مجموعة من الاستراتيجيات الناجحة عززت مكانة المغرب كوجهة صناعية تنافسية بامتياز، وأعادت تموقعه عالميا، على غرار: برنامج “إقلاع” سنة 2005، والميثاق الوطني للإقلاع الصناعي سنة 2009، ومخطط التسريع الصناعي 2014-2020، وميثاق الاستثمار سنة 2022.
كما كانت هذه الاستراتيجيات الطموحة مدعومة بمشاريع استراتيجية كبرى للبنية التحتية، على غرار ميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح يحتل المرتبة الأولى في حوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا كأكبر ميناء للحاويات، والرابع عالميا من حيث الكفاءة.
إضافة إلى شبكة مهمة من الطرق السيارة، التي انتقلت من 80 كيلومتر سنة 1999 إلى 1.800 كيلومتر اليوم. كما تمكنت بلادنا من تعبئة أزيد من 13.600 هكتار من العقار الصناعي، وخلق حوالي 150 منطقة صناعية.
واستثمر هاته اللحظة الدستورية، للتنويه بالأدوار الإيجابية والمسؤولة التي يقوم بها كافة المتدخلين في العملية التصنيعية لا سيما النقابات ورجال الأعمال والغرف المهنية والجماعات الترابية لضمان مقومات نجاح الاستراتيجية الوطنية للتصنيع.
وبلا شك فإن مخرجات الحوار الاجتماعي في شقه المتعلق بتحسين الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة سواء ما يتعلق بالأجور أو المعاش من شأنه أن يخلق أثرا إيجابيا على الدينامية الصناعية ببلادنا.
ومن جهة أخرى تواصل بلادنا الرهان على القطاع الصناعي، من خلال سياسة متجددة ومستدامة، تأخذ بعين الاعتبار التحولات العالمية، والمتغيرات المتسارعة للاقتصاد العالمي، والسعي لتحقيق السيادة الوطنية في مجال التصنيع.
وهو ما نبه له جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الأولى “لليوم الوطني للصناعة”، في مارس 2023، حين أكد جلالته، على ضرورة استعداد بلادنا الكامل لـــ”ولوج عهد صناعي جديد، يتخذ من مفهوم السيادة هدفا ووسيلة”. ولكسب هذا التحدي، أبرز جلالة الملك، أن بلادنا “تحتاج، إلى صناعة تستوعب أنشطة وخبرات جديدة، وتوفر المزيد من فرص الشغل” (انتهى مضمون الرسالة الملكية السامية).
حضرات السيدات والسادة،
لقد أولت الحكومة أهمية خاصة لتطوير الصناعة المغربية، وتعزيز مكانتها الوطنية والدولية، كون القطاع أحد أبرز محركات الاقتصاد الوطني، سواء من حيث خلق القيمة المضافة أو خلق فرص الشغل.
ففي إطار تطوير الاستثمار المحدث لفرص الشغل، خاصة في مرحلة ما بعد كوفيد-19، قامت الحكومة ببلورة برنامج “بنك المشاريع”، الهادف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز الإنتاج المحلي في المجال الصناعي، وذلك من خلال استهداف إنتاج صناعي محلي لتعويض الواردات.
ومنذ إطلاق العملية الأولى لهذا البرنامج، تم تحديد 1.864 مشروعا استثماريا في مختلف جهات المملكة، والتي تمثل فرصا حقيقية للاستثمار ولاستبدال الواردات بالمنتجات المحلية، باستثمار إجمالي متوقع قدره 119 مليار درهم. وستمكن هذه المشاريع من خلق أكثر من 181.000 منصب شغل مباشر.
هذا، وتم إلى حدود الساعة التوقيع على 654 مشروعا، باستثمارات تصل إلى 78 مليار درهم، ستمكن من خلق أزيد من 89.000 منصب شغل.
كما تمت معالجة 2.012 مشروعا صناعيا في مختلف القطاعات الصناعية من طرف اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، خلال هذه الولاية الحكومية، باستثمار يفوق 800 مليار درهم، ستمكن من خلق فرص شغل مباشرة تفوق 275.000 منصب.
وإيمانا منا بأهمية مناطق التسريع الصناعي والمناطق الصناعية، حرصت الحكومة على بلورة عرض عقاري يسمح بتحفيز الاستثمار وضمان توزيع مجالي أفضل لخلق الثروة وفرص الشغل القارة.
وفي هذا الإطار تم التوقيع على 30 اتفاقية متعلقة بالبنية التحتية الصناعية بقيمة استثمارية تتجاوز 7.8 مليار درهم.
وإجمالا منذ أكتوبر 2021، تم إطلاق 32 مشروع متعلق بإنشاء وتوسيع مناطق التسريع الصناعي والمناطق الصناعية ومناطق الأنشطة الاقتصادية حيث ستمكن هذه المشاريع من توفير عرض عقاري صناعي إضافي يبلغ 3.705 هكتار أي ما يمثل 30% من المساحة الإجمالية الحالية، وذلك فقط خلال الثلاث سنوات الأولى من الولاية التشريعية الحالية.
كما تم بشكل رسمي الشروع في الإطلاق التدريجي للمنطقة الصناعية محمد السادس “طنجة تيك”، التي تمثل نموذجا مشرقا للشراكة والتعاون بين المغرب والصين، وقيمة مضافة للصناعة الوطنية، باعتبارها مدينة صناعية مستدامة ومتكاملة ستساهم لا محالة في تسريع إقلاع الأنشطة الاقتصادية بطنجة، وشمال المملكة برمتها.
وعلى صعيد آخر، وبإذن من جلالة الملك حفظه الله، تم إحداث منطقتين صناعيتين للدفاع بهدف استقطاب مشاريع استثمارية في الصناعات المتعلقة بالأسلحة والذخيرة ومعدات الدفاع والأمن، مما يمثل خطوة مهمة نحو بناء قاعدة صناعية عسكرية وطنية قوية، تساهم تدريجيا في تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية الدفاعية للمغرب.
كما تم تعزيز الترسانة القانونية المرتبطة بتهيئة وتدبير وتثمين المناطق الصناعية بغرض تحسين جودتها ومحاربة ظاهرة المضاربة العقارية، إضافة إلى وضع منصة إلكترونية أمام المستثمرين المغاربة والأجانب للتعريف بمختلف العروض العقارية المخصصة للاستثمار الصناعي.
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
إن الحكومة منذ تنصيبها كانت على وعي تام بضرورة جعل القطاع الصناعي مجهود حكومة بأكملها.
لذلك حرصنا على إخراج الميثاق الجديد للاستثمار، بعد سنوات من التردد والتعثر.
حيث من شأن هذا الميثاق أن يكون آلية أساسية لتعزيز التنافسية الصناعية، وذلك من خلال تطوير البنية القانونية والتنظيمية لتحفيز المستثمرين المحليين والأجانب، لتوجيه استثماراتهم نحو القطاعات ذات الأولوية ومن ضمنها القطاع الصناعي.
ويشمل الميثاق الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ مع متم سنة 2022، عدة إجراءات تحفيزية تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال وجعل القطاع الصناعي أكثر جاذبية، وذلك من خلال تقديم حوافز مالية وترابية تسهم في تخفيض التكاليف على المستثمرين.
كما تسعى الحكومة من خلاله إلى خلق عدالة اجتماعية ومجالية في توزيع الاستثمارات، حتى تستفيد مختلف الأقاليم من المجهود الاستثماري الصناعي الذي تقوم به الدولة.
علما أن الميثاق الجديد الذي يعتبر ذو أهمية حاسمة بالنسبة للاقتصاد المغربي، يولي أهمية كبيرة لتشجيع الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة في الصناعات التحويلية.
إذ يحفز الاستثمار في القطاعات التي تشكل المهن المستقبلية للمغرب مثل الصناعات الإلكترونية، والسيارات، والطيران، ويشجع على الاستثمار في القطاعات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والبيوتيكنولوجيا.
وقد مكنت الدينامية التي أحدثها الميثاق الجديد من تطوير أداء اللجنة الوطنية للاستثمارات. حيث تضاعف إجمالي رساميل الاستغلال للمشاريع الصناعية المصادق عليها عشر مرات خلال الفترة من ماي 2023 إلى نونبر 2024 (140 مليار درهم – الصيغة الجديدة)، مقارنة بنفس المدة الزمنية من أكتوبر 2021 إلى أبريل 2023 (13 مليار درهم – الصيغة القديمة قبل الميثاق).
وفي سياق توفير كل عوامل نجاح منظومة الاستثمار ببلادنا، بما فيها الاستثمار الصناعي، عملت الحكومة على تبسيط 22 قرارا إداريا يهم الاستثمار، خصوصا من خلال رقمنتها عبر المنصة الإلكترونية “CRI-invest” وتقليص 45% من الوثائق المطلوبة، والتي تتعلق أساسا بمقبولية المشاريع، وتعبئة العقار ورخص البناء وكذا تراخيص الاستغلال.
وقد أخذت الحكومة على عاتقها، ضمن هذا المنظور الإصلاحي تفعيل تصور جديد للمراكز الجهوية للاستثمار، يقوم على تعزيز دورها وتمكينها من تبسيط مساطر الاستثمار وإعداد الاتفاقيات المتعلقة بها، وتعزيز تتبعها للمشاريع الاستثمارية.
وتحقيقا للتفاعل السريع والاستجابة الفورية لطلبات المستثمرين، تقرر تفويض البت في ملفات الاستثمار المتراوحة قيمتها ما بين 50 و250 مليون درهم إلى المستوى الجهوي، بعدما تم تمكين اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار من مختلف الآليات للتسريع بالمصادقة على ملفات ومشاريع الاستثمار في آجال معقولة.
وإيمانا منها بأهمية مواكبة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، بما فيها المقاولات الصناعية الصغرى، تعمل الحكومة على استكمال الإطار القانوني الخاص بتفعيل نظام دعم الاستثمار الموجه لهذه الفئة الحيوية من النسيج الاقتصادي الوطني، والتي تعد محركا أساسيا لدينامية التشغيل.
كما ستواصل الحكومة مجهوداتها في هذا السياق، للتعريف بالمؤهلات الاستثمارية للمغرب على الصعيد العالمي، خاصة بالعمل على تعزيز دور المغاربة المقيمين بالخارج، الذين نطمح إلى أن يشكلوا، من خلال استثماراتهم وخبراتهم، قاطرة لتنمية القطاع الصناعي ببلادنا.
حضرات السيدات والسادة؛
إن المنحى الإيجابي الذي يشهده قطاع التصنيع، يفرض علينا مواكبة التطورات العالمية التي يعرفها القطاع.
وفي هذا الإطار عملت الحكومة على تعزيز عنصر “الابتكار والبحث والتطوير” الذي أصبح عاملا رئيسيا لخلق القيمة المضافة، وتطوير الاندماج المحلي، وتعزيز السيادة الصناعية للمملكة.
حيث قمنا بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بإحداث برنامج طموح ومتكامل لدعم الابتكار الصناعي، لمساندة مشاريع الابتكار والبحث والتطوير لتعزيز القدرة التنافسية للمقاولات وتحسين مستوى أدائها.
وقد تم التوقيع على الدفعة الأولى من عقود تمويل تهم 108 مشروعا ابتكاريا بتكلفة إجمالية قدرها 615 مليون درهم، بلغت فيها مساهمة الدولة 264 مليون درهم، همت مختلف القطاعات الصناعية والمجالات التكنولوجية.
وعلاوة على ذلك، تواصل الحكومة دعم البنيات التحتية التكنولوجية المتمثلة أساسا في المراكز التقنية الصناعية وأقطاب التنافسية والابتكار.
ووعيا منها بأهمية تسريع تحقيق رهان الإنتاج الخالي من الكربون لتعزيز تنافسية الإنتاج الصناعي، أطلقت الحكومة المشروع الاستراتيجي والنوعي المتعلق بإنجاز خط كهربائي من فئة الجهد جد العالي بين جنوب ووسط المملكة، على طول 1.400 كيلومتر بقدرة 3 جيغاواط.
كما حرصت الحكومة على دعم المقاولات الصناعية، من خلال المحافظة على استقرار أسعار الكهرباء، رغم ارتفاع تكلفة إنتاجها إلى مستويات غير مسبوقة، عكس ما تم العمل به في مجموعة من الدول. هذا الإجراء الذي تحملت الدولة تكلفته المالية، مكن المقاولات الصناعية الوطنية من المحافظة على تنافسيتها.
وبالإضافة إلى ذلك، تم تفعيل الاتفاقية المتعلقة بتمكين الصناعات من الولوج لاستعمال الطاقات المتجددة ذات التوتر المتوسط بأسعار تنافسية.
وفي نفس السياق، تسعى بلادنا إلى الاستفادة من مكتسباتها وإمكاناتها الطبيعية الكبيرة لتطوير منظومة صناعية منخفضة الكربون، ذات قدرة تنافسية عالية، تستجيب للتطلعات فيما يخص المعايير الدولية مستقبلا.
حيث اتخذت خيارا واضحا للانخراط في التحول الطاقي لتقليص الاعتماد على الطاقات التقليدية وتعزيز الطاقات المتجددة، من خلال استراتيجية تستهدف وصول الطاقات المتجددة إلى 52% من إجمالي القدرة المركبة بحلول عام 2030.
وأمام هذا التفوق المغربي في مجال الطاقات النظيفة، تواصل المملكة تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، فبأمر من جلالة الملك نصره الله، أطلقت الحكومة “عرض المغرب”، الشيء الذي مكن من كسب ثقة عدد من الفاعلين الدوليين.
حيث تلقت الوكالة الوطنية للطاقة المستدامة MASEN أكثر من 40 طلبا للاستفادة من الفرص الاستثمارية التي بات يوفرها المغرب في هذا المجال الاستراتيجي.
ومن شأن الاستراتيجية الوطنية “المغرب الرقمي 2030” أن تشكل عنصرا فاعلا وحاسما في تطوير الاستثمار الصناعي سواء من خلال أهدافها الرامية إلى رقمنة الإدارة وتسهيل الخدمات أمام الفاعلين، أو عبر تنمية الاقتصاد الرقمي وخلق فرص الشغل.
ولتنزيل هذه الاستراتيجية رصدت الحكومة ميزانية تصل إلى 11 مليار درهم ما بين 2024 و2026، غايتنا في ذلك خلق 240.000 منصب شغل مباشر في أفق 2030، ومساهمة الاقتصاد الرقمي بــأزيد من 100 مليار درهم في الناتج الداخلي الخام.
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
بفضل التوجيهات الملكية السامية، وما تنعم به المملكة من استقرار سياسي وماكرو-اقتصادي، استطاعت الصناعة المغربية، التموقع في صدارة مهن وتخصصات على درجة عالية من الدقة وأن تواكب مهن المستقبل، مما جعلها محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي والإنتاج والتصدير.
فعلى مستوى قطاع السيارات، وبفضل المجهودات الحكومية أصبحت بلادنا مركزا مهما لصناعة السيارات في إفريقيا، محتلة بذلك المرتبة الأولى على مستوى القارة، بطاقة إنتاجية سنوية تقارب 700.000 مركبة.
كما تمكنت بلادنا من تصدير السيارات لأكثر من 70 وجهة عبر العالم، بمعدل إدماج محلي يعادل 69%، بفضل نسيج صناعي قوي يتكون من أكثر من 250 موردا لأجزاء السيارات، علما أن الحكومة ملتزمة برفع معدل الإدماج المحلي ليصل ما نسبته 80%.
وقد مكنت هذه القفزة النوعية في القطاع من بلوغ صادرات السيارات 148 مليار درهم سنة 2023، أي بزيادة قدرها 28% مقارنة بسنة 2022 و82% مقارنة بسنة 2019، مما يؤكد التطور الملموس والمتواصل الذي يشهده القطاع.
وتواصل صادرات صناعة السيارات مسارها التصاعدي بتحقيق عائدات تجاوزت 115 مليار درهم، إلى حدود نهاية شهر أكتوبر 2024، بزيادة قدرها 7% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023.
ومن جهة أخرى، وفي إطار التحول الذي يشهده العالم نحو “التنقل الكهربائي”، عملت الحكومة على مواكبة هذه التغيرات لجعل المغرب رائدا في تصنيع السيارات الكهربائية، حيث يتم حاليا ببلادنا تصنيع ثلاثة أنواع من هذه السيارات.
وفي ذات السياق، عملت الحكومة على إبرام مجموعة من الاتفاقيات مع مجموعات رائدة في مجال “التنقل الكهربائي” لتطوير سلسلة قيمة البطاريات الكهربائية، والتي ستمكن المغرب من التموقع ضمن الخريطة العالمية للدول الكبرى في هذا المجال.
وبالموازاة مع ذلك، وفي إطار مواكبة التطور الهام الذي يشهده قطاع الطيران على المستوى العالمي، بذلت الحكومة جهودا كبيرة لدعم وتطوير هذا القطاع، وهو ما مكن بلادنا من تعزيز موقعها كفاعل مهم في سلاسل القيمة العالمية لصناعات الطيران.
حيث تمكن هذا القطاع الاستراتيجي من جذب أكثر من 150 مقاولة، على غرار بوينغ (Boeing)، وإيرباص (Airbus)، وغيرها من الشركات العالمية الرائدة التي اختارت المغرب لتوسيع استثماراتها، آخرها شركة سافران (Safran)، التي عززت نشاطها بالمغرب، بعدما وقعت بمناسبة الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إلى المغرب، أمام أنظار جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، على شراكة جديدة، تشمل تطوير شبكة الصيانة وإصلاح المحركات.
وبفضل هذه المجهودات حقق قطاع الطيران نموا مهما، حيث بلغ رقم معاملات صادراته ما بين يناير وشتنبر سنة 2024 حوالي 20مليار درهم، وهو ما يشكل ارتفاعا بــ 20% مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2023.
هذا، وشكلت التجربة الناجحة لبلادنا في صناعة السيارات وأجزاء الطائرات، دافعا حقيقيا للدخول إلى مجال صناعة القطارات باعتبارها العمود الفقري للحركية في بلادنا، ورافعة أساسية للدينامية الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المملكة.
وفي هذا الإطار نهجت الحكومة سياسة لتعزيز التصنيع في القطاع، حيث عملت على وضع خارطة طريق تتوخى الرفع التدريجي لنسبة الاندماج الصناعي المحلي للسكك الحديدية.
فضلا عن ذلك، سجل قطاع الصناعة الكهربائية والإلكترونية أداء متميزا خلال السنوات الأخيرة، وعرف حجم صادرات القطاع ارتفاعا ملحوظا، بلغ خلال سنة 2023 مستوى قياسيا يقدر بــ 19 مليار درهم، أي بارتفاع نسبته 21% مقارنة مع سنة 2022 و99% مقارنة بسنة 2019.
وفي الوقت الذي يواجه قطاع النسيج والجلد تحديات هامة على المستوى العالمي، استطاع هذا القطاع ببلادنا أن يتكيف مع مختلف التحولات، حيث بات يتوفر على أكثر من 1.500 شركة، مساهما في ذلك بنسبة 23% من مناصب الشغل الصناعية، إذ يوفر أكثر من 243.000 منصب شغل.
وتجدر الإشارة إلى أن النمو المهم لقطاع النسيج مرتبط أساسا بنجاحه في كسب ثقة سلسلة القيمة العالمية، حيث أضحى يشكل منصة صناعية للعلامات التجارية الدولية في مجال الألبسة والجلد.
فقد حققت صادرات القطاع خلال سنة 2023 أزيد من 46 مليار درهم، ما يعادل زيادة بنسبة 5% من حجم الصادرات الوطنية مقارنة بسنة 2022، وزيادة بنسبة 25% مقارنة بسنة 2019.
وعلى مستوى الصناعات الغذائية لا سيما في ارتباطها بالسيادة الغذائية كما وجه بذلك جلالة الملك، تواصل الحكومة دعم ومواكبة هذا القطاع الذي يضم حوالي 2.000 مقاولة، ويشغل ما يفوق 200.000 شخص، محققا سنة 2023 رقم معاملات يناهز 185 مليار درهم.
وكما لا يخفى عليكم فإن التحولات العميقة والصعبة التي تعيشها المنظومة الغذائية العالمية وما رافقها من صدمات على مستوى سلاسل الإنتاج، تفرض علينا أكثر من أي وقت مضى اتخاذ كل التدابير والإجراءات القادرة على إشباع الحاجيات الوطنية في مجال الغذاء وبأسعار معقولة.
وهذا الأمر يفرض الحاجة الملحة إلى اعتماد نموذج تصنيعي مستدام يحمي البلد من الأزمات الغذائية المستوردة أو المرتبطة بالتقلبات المناخية التي أصبحت معطا هيكليا.
كما تعمل الحكومة في إطار استراتيجية الجيل الأخضر على مواصلة تنفيذ المشاريع الاستثمارية الخاصة بتطوير الأقطاب الفلاحية Agropoles.
حيث سجلت أقطاب مكناس، بركان، اللوكوس، سوس، وبني ملال نتائج جد مهمة بمعدل تسويق إجمالي بلغ 70% أي ما يعادل 213 هكتار تحتضن 387 مشروع في مجالات التحويل الغذائي والتلفيف والدعم اللوجيستي.
وارتباطا بالصناعة الصيدلانية، وفي إطار تنفيذ رؤية جلالة الملك، الرامية إلى جعل المملكة قطبا بيوتكنولوجيا رائدا على المستوى الإفريقي والعالمي.
تم إحداث وحدة لتصنيع وتعبئة اللقاح، تحتوي على ثلاثة خطوط صناعية تبلغ قدرتها المشتركة للإنتاج 116 مليون وحدة.
حضرات السيدات والسادة،
يحق لنا، خلال هذه المرحلة التي تعرف تحولات تاريخية في منظومتنا المجتمعية والاقتصادية، أن نفتخر بما تحققه الصناعة الوطنية من مساهمة متصاعدة في النسيج الإنتاجي وفي تحسين الأداء الاقتصادي للمملكة، من خلال جعل القطاع الصناعي رافعة أساسية للاقتصاد في ظل الإكراهات والتحديات الهيكلية التي أصبح يواجهها القطاع الأولي.
هذا الافتخار يعكسه اليوم تطور القيمة المضافة للصناعة التحويلية، التي شهدت ارتفاعا بنسبة 2.7% سنة 2023 مقارنة بسنة 2022، واستمر أداؤها في الارتفاع خلال سنة 2024، مسجلا خلال الربع الثاني من السنة الجارية نموا بنسبة 2.9%.
ويحتل فرع صناعة وسائل النقل، الذي يضم بشكل خاص صناعة السيارات ارتفاعا في قيمته المضافة، مسجلا نموا بــ 15% في عام 2023، وزيادة بنسبة 23% في الربع الثاني من 2024.
في الوقت الذي شهدت الصناعات الكيميائية ارتفاعا ملحوظا في قيمتها المضافة بنسبة 10.7% في الربع الأول من عام 2024 و23% في الربع الثاني.
أما بالنسبة لفرع صناعة المعدات الكهربائية، فقد سجلت قيمته المضافة ارتفاعا بنسبة 11.7% عام 2023 مقارنة بعام 2022.
كما عرفت القيمة المضافة لصناعة منتجات البلاستيك ارتفاعا بنسبة 6% في الربع الثاني من عام 2024.
ونفس الأمر بالنسبة للصناعة الصيدلانية التي عرفت قيمتها المضافة نموا ملحوظا سنة 2023 نسبته 12% مقارنة بعام 2022.
إن نجاحات المملكة في مجال التصنيع والتصدير، تعكسه كذلك مؤشرات التصنيع التي عرفت نموا لافتا تجلى في تحقيق رقم معاملات بلغ 800 مليار درهم سنة 2022، أي بزيادة نسبتها (+22,7%) مقارنة بسنة 2021.
كما باتت القطاعات الصناعية قاطرة لصادرات المملكة، حيث عرفت تركيبة الصادرات المغربية تحولا جذريا بفضل المنحى التصاعدي الذي عرفته الصادرات الصناعية، التي سجلت خلال 2023 مستوى يقارب 377 مليار درهم، أي ضعف الصادرات الصناعية المسجلة سنة 2015، التي تقدر ب 184 مليار درهم.
وقد مثلت الصادرات الصناعية السنة الماضية ما يمثل 87% من إجمالي صادرات السلع، وذلك بفضل الأداء المتميز لجميع القطاعات الصناعية، مسجلة بذلك زيادة نسبتها (33%+) مقارنة بسنة 2021.
كما واصلت مسارها التصاعدي سنة 2024، حيث حققت الصادرات الصناعية إلى غاية نهاية شهر شتنبر الماضي قيمة صادرات إجمالية تقدر بــ 291 مليار درهم.
السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
إن الحكومة تعول على تطوير أداء القطاع الصناعي باعتباره رافعة أساسية لإنعاش التشغيل المنتج والمستدام، كونه يشكل أولوية حكومية. لاسيما وأن المؤشرات الأخيرة للقطاع جد مشجعة.
ذلك أن القطاع الصناعي مكن منذ بداية الولاية الحكومية، وإلى متم يوليوز الماضي، من خلق أزيد من 125.000 منصب شغل.
وفي إطار دعم تطوير القطاع الصناعي، تلتزم الحكومة بتنزيل عرض جيد للتكوين المهني يتماشى مع حاجيات المقاولات، وذلك عبر استكمال إنجاز مدن المهن والكفاءات.
وتجدر الإشارة إلى أن الدراسة انطلقت في 7 مدن للمهن والكفاءات، بكل من جهات سوس ماسة، والشرق، والعيون الساقية الحمراء، والرباط سلا القنيطرة، وطنجة تطوان الحسيمة، وبني ملال خنيفرة، إضافة إلى جهة الدار البيضاء سطات.
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
وفي الختام، لا يفوتني التنويه بمختلف الفاعلين في قطاع التصنيع، سواء المحليين منهم أو الأجانب، وأثمن الأدوار التي لعبوها تماشيا مع المجهودات الحكومية للصمود أمام تداعيات الأزمات المركبة التي واجهناها جميعا.
كما أدعو جميع الفاعلين العموميين والاقتصاديين للمزيد من التعبئة وتضافر الجهود لتطوير الصناعة المغربية، وتعزيز مكانتها الوطنية والدولية.
وأدعو المؤسسات البنكية إلى مواصلة دعم المبادرات الصناعية، من خلال مواكبة المستثمرين المغاربة والأجانب في إنجاز مشاريعهم.
كما أهيب بمختلف المتدخلين، لتعزيز انخراطهم في هذه الدينامية التي يقودها بحكمة جلالة الملك، دام له النصر والتمكين، لإبراز مقومات بلادنا كمنصة صناعية تمكنت من اكتساب تنافسية عالمية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته