داخل عالمه الخاص، يجلس الخطاط المغربي محمد بوخانة في مكتبه الصغير مرتديا زيه التقليدي، يداعب بخفة ورشاقة أقلامه وحبره، يجذب إليه كل مار من أمام الرواق المغربي بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، مثيرا فضولهم لاستكشاف كواليس وخفايا هذا الركن، وما تحمله لوحاته بين حروفها قبل أن تخرج في صيغتها النهائية.
حاملا معه هويته المغربية وأسلوبه الفريد، يقدم بوخانة البالغ من العمر 54 عاما، وهو أستاذ للفنون الجميلة وفن الخط، لزوار معرض الشارقة، ورشات تعريفية خاصة بفن الخط المغربي، وأنواعه وأساليبه، إلى جانب الفنون الحرفية والزخرفة، وذلك في إطار البرنامج الثقافي الذي تقدمه المملكة، ضيف شرف الدورة الحالية.
وفي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أوضح الخطاط المغربي أن هذه الورشات يستفيد منها زوار المعرض من كافة الأعمار، على فترتين صباحية وأخرى مسائية، يتعرفون من خلالها على شروحات حول تقنيات إعداد الأحبار وأدوات الكتابة، كما يطالعون فيها مستخرجات من لوحات ومخطوطات بالخط المغربي.
وتطرق الحائز على جائزة محمد السادس التكريمية في فن الحروفية لعام 2022، إلى الأنماط الفريدة للخط المغربي، منها المبسوط، والمجوهر، والثلث والكوفي بأنواعه، مؤكدا أن هذه الأشكال تجسد ميزة الهوية الخطية الثقافية للممكلة المغربية، التي تتميز بالتفرد والتجديد والانتشار.
وتابع مدير مؤسسة “أرطولوجيا” للتنمية الذاتية بتمارة، أن التراث الخطي المغربي، بلغ مع توالي القرون ازدهارا جسد طابعه الخاص وقدرته على استيعاب وتطوير الخطوط القادمة من المشرق العربي، من منظور محلي صارت له ملامحه وأشكاله الخاصة.
ويتجاوز شغف بوخانة بالفن ما هو أبعد من ممارسات، فهو يؤمن أيضا بالقوة العلاجية للخط، وكيف يؤدي انغماس القلم في الحبر إلى شعور بالسلام والاختلاء بالنفس والإبحار بين الحروف وتحويلها إلى لوحات فنية، كل شخص يفسرها من منظوره وخلفيته.
وفي إطار تأثر الخط بالتقدم التكنولوجي وتقنيات الكتابة بالذكاء الاصطناعي، قال الفنان إن الخط سيظل تراثا ثقافيا حيويا رغم التقدم التكنولوجي، مشيرا إلى أن له دورا مقدسا، خاصة في الكتابات القرآنية، ولا يمكن للآلات الحديثة أن تنافس دقة واتقان الخط اليدوي.
من جهة أخرى، دعا بوخانة إلى الاهتمام بالتراث الخطي والحفاظ عليه عن طريق تشجيع الأطفال، خطاطي المستقبل، على الارتواء من منابعه والتشبع بجماليته، مشيدا بالعديد من المبادرات التي ات خذت في هذا المجال، منها إحداث جائزة محمد السادس لفن الخط المغربي التي أعطته قيمة إضافية، وبرزت من خلالها كفاءات فنية عالية، ثم إحداث مجموعة من الش عب الخاصة بفن الخط بمجموعة من الأكاديميات والمعاهد الخاصة بالفنون التقليدية.
ويعد محمد بوخانة ابن مدينة وجدة، واحدا من رواد الخط المغربي والعربي، وهو حاصل على الإجازة في الخط المغربي سنة 2007، وأستاذ فن الخط وتصحيح الخطوط بمعهد بن مبارك بالرباط لمدة عشر سنوات، وكذا أستاذ لفن الخط العربي بكلية علوم التربية بالرباط.
كما يقدم دورات تكوينية ومحاضرات وورشات حول فنون الخط للعديد من الطلبة من جنسيات مختلفة عبر العالم، وله معارض جماعية وفردية داخل وخارج أرض الوطن.