لم يسبق لنيويورك، في التاريخ المعاصر للسياسة الأمريكية، أن “استسلمت” للمعسكر الجمهوري سوى مرة واحدة. في سنة 1984، تمكن الرئيس الأسبق رونالد ريغان من إحداث رجة في القواعد الليبرالية للولاية التي تدين بالولاء للديمقراطيين.
آنذاك، تمكن مرشح الحزب الجمهوري، الذي قضى فترة رئاسية أولى، من الفوز في نيويورك على منافسه الديمقراطي والتر مونديل، حيث حصل على 53.84 بالمائة من الأصوات الشعبية مقابل 45.83%.
هذا الفوز “الاستثنائي” يعود للواجهة اليوم، إذ يعتقد العديد من الجمهوريين والملاحظين أن المرشح الحالي للحزب الجمهوري برسم الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من نونبر، دونالد ترامب، قادر على تكرار هذا الإنجاز في مواجهة كامالا هاريس، في هذه الولاية التي أثبتت، في مناسبات عديدة، تشبثها بالقيم التقدمية التي ينادي بها الحزب الديمقراطي.
كما أن ترامب يؤمن بقدرته على تحويل مسار التوجه السائد في نيويورك، حيث يتوفر على عدد كبير من الاستثمارات، خاصة في جزيرة مانهاتن. وخلال تجمع انتخابي مؤخرا في لونغ آيلاند، التي أظهرت في السنوات الأخيرة ميلا واضحا نحو الجمهوريين، تحدث الرئيس الأمريكي السابق عن فرصة “حقيقية” للظفر بالفوز في هذه الولاية.
وفي هذا السياق، يراهن الملياردير أساسا على استغلال “عدم كفاءة” القيادة الديمقراطية “التي كلفت الولاية والحاضرة الكبرى غاليا، خاصة ما يتعلق بالأمن والاقتصاد وتدبير قضية الهجرة.
تحدث المرشح الجمهوري مخاطبا قاعدة أنصاره في نيويورك قائلا: “انظروا ماذا يحدث. الشركات تغادر، والأموال تتبخر من ولايتكم، ومئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين يستنزفون مواردكم العامة“.
في هذا الصدد، تعتبر صحيفة الكونغرس، “ذا هيل”، أن كبار المسؤولين الديمقراطيين في نيويورك، لاسيما الحاكمة كاثي هوكول وعمدة المدينة إريك آدامز، يثيرون إحباط الناخبين بشكل خاص بسبب “عدم الكفاءة” في تدبير عدة ملفات هامة، فضلا عن العديد من المتاعب القانونية.
تعتبر الصحيفة أن نتائج الانتخابات السابقة في الولاية وفي المدينة تثير قلق الديمقراطيين، مذكرة بأن ترامب استطاع، في انتخابات سنتي 2016 و2020، تحسين أداء المرشحين الجمهوريين السابقين. ثم شهدت سنة 2022 تحولا هاما، عندما نجح مرشحو الحزب للكونغرس في انتزاع عدة مقاعد في نيويورك، مما كلف الديمقراطيين أغلبيتهم في مجلس النواب.
وبرأي “ذا هيل”، فإن هذا التوجه ينذر بأن يتجلى بشكل أكبر في المستقبل، في حال لم يشرع القادة الديمقراطيون في الولاية والمدينة في تسوية القضايا التي تستأثر باهتمام الناخبين.
يتقاسم ترامب هذا التفاؤل مع رئيس الحزب الجمهوري في نيويورك، إد كوكس، الذي ربط بين الظروف التي أدت إلى فوز الجمهوريين في عام 1984 والظروف الحالية للانتخابات العامة.
وقال كوكس: “في فترة (رونالد ريغان)، كان التضخم والاقتصاد مشكلة كبرى في نيويورك، واليوم تنضاف إلى ذلك الهجرة”.
وأضاف “بسبب كل هذه العوامل، نحن نقوم بعمل جيد هنا في نيويورك“.
بيد أن العديد من المحللين يخففون من هذا التفاؤل، مستبعدين أي مفاجأة في تحويل “قلعة الليبرالية” إلى ولاية محورية، على غرار بنسلفانيا وجورجيا وميشيغان وأريزونا ونيفادا وويسكونسن ونورث كارولاينا.
يرى ستيفن غرينبيرغ، من كلية سيينا التي تجري استطلاعات رأي دورية حول فرص المرشحين للرئاسيات الأمريكية، أن نيويورك تظل “زرقاء بشكل متين”، في إشارة إلى لون الحزب الديمقراطي.
وأشار إلى نتائج استطلاع حديث للرأي أظهرت أن كامالا هاريس تتقدم على منافسها الجمهوري بفارق 12 نقطة في نيويورك (52 بالمائة مقابل 40 بالمائة)، مذكرا بأن الانتخابات الرئاسية الستة الأخيرة شهدت فوز الديمقراطيين بنيويورك بنسبة 18 بالمائة على الأقل.
ويعتبر آخرون أن التعليقات المثيرة للجدل، من قبيل تلك التي أدلى بها الممثل الكوميدي توني هنتشكليف خلال تجمع جمهوري في حديقة “ماديسون سكوير” بنيويورك، ضد بورتوريكو واللاتينيين الذين يشكلون قاعدة انتخابية كبيرة في الولايات المتحدة، تهدد بنسف هذه “الفرصة الحقيقية” التي يعول عليها ترامب من أجل ولوج هذه “القلعة” الديمقراطية.
كريم اعويفية