يشكل إقليم سيدي بنور، المتواجد بقلب دكالة، واجهة حضارية وهوية ثقافية للمنطقة باعتباره يضم العديد من المواقع والفضاءات التاريخية التراثية، ويزخر بالعديد من الصناعات والحرف التقليدية، إلى جانب ممارسة ساكنته لعادات وتقاليد متجذرة تغني تاريخ المنطقة.

ويواصل أبناء هذه الربوع حرصهم للحفاظ على التقاليد العريقة والتراث الثقافي الغني والمتنوع بهذه المنطقة، وكذا مقاومتهم للتغيرات التي طرأت على المجتمع المحلي بحكم التمدن والتغيرات السوسيو-ثقافية المتسارعة، إيمانا منهم أن هذا الإرث يشهد على غنى وتنوع التراث الثقافي لمنطقة دكالة.

وعلى الرغم من أن المنطقة عرفت، على غرار باقي مناطق المملكة، عدة متغيرات أفرزتها التطورات التكنولوجية المتسارعة، فإن ساكنة سيدي بنور ما زالت تعض بالنواجد على بعض العادات والتقاليد العريقة وتحافظ عليها من الاندثار.

وتجمع المنطقة ما بين الحداثة من حيث العمران والإرث التاريخي الذي ورثته عن أقوام مروا من هناك، منهم البرتغاليون والفرنسيون على الخصوص، حيث لا زالت العديد من الآثار قائمة وشاهدة على الفترة التي استوطنوها.

وتتمتع المدينة بتراث أثري غني، حيث تضم العديد من المواقع والمعالم التاريخية من قبيل القصبة القديمة ومسجد سيدي بنور وبقايا فيلا رومانية، إلى جانب حفاظ سكانها على مجموعة من الحرف التقليدية كالفخار والمنسوجات التقليدية التي لها تاريخ طويل يعود إلى القرن الرابع عشر، فضلا عن الأهازيج والأغاني الشعبية المعروفة بالمنطقة.

وتتشبث ساكنة سيدي بنور بكل ماهو تراثي من عادات وتقاليد غذائية وطقوس خاصة تتميز بها الأعراس والمناسبات ومواسم التبوريدة، إلى جانب مبادرات لحفظ الذاكرة الشفهية عبر تنظيم مهرجانات ذات طابع تراثي من قبيل “مهرجان الماية”، الهادف إلى تطوير الموروث الثقافي لدكالة، خاصة الموسيقى التقليدية، والتراث الشفوي، أو التراث المتناقل، أو المتوارث أبا عن جد، عن طريق الذاكرة الجماعية للقبيلة.

كما تظل ساكنة إقليم سيدي بنور حريصة على ممارسة طقس قديم وهو الصيد بالصقور، الذي يعد تراثا مغربيا أصيلا وتقليدا عريقا يمارس منذ قرنين تقريبا بمنطقة دكالة.

ومن أجل ضمان استدامة هذا التراث، طفحت مبادرات محلية ووطنية للحفاظ على هذا التراث الثمين، حيث يعمل عدد من الفاعلين في المجال الثقافي والنسيج الجمعوي، يدا في يد، من أجل حماية هذا التراث وتعزيزه، على الرغم من الإكراهات والتحديات المطروحة.

وفي هذا السياق، يؤكد الأستاذ والكاتب إدريس المرابط، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “دكالة، بأغانيها وصناعتها التقليدية وعاداتها، تشهد على تاريخ غني ومتنوع“.

وأوضح المرابط أن من العناصر الأساسية لهذا التراث، الغناء النسائي التقليدي الذي يطلق عليه “اللعابات” أو “العونيات” اللواتي لا زلن حاضرات في البوادي، مضيفا أن هذا النوع من الفنون، التي غالبا ما تمارس في مختلف المناسبات والاحتفالات، تشكل جزء لا يتجزأ من الثقافة المحلية”، معربا، في الوقت ذاته، عن أسفه لأن “هذا اللون الغنائي في طريقه للاندثار في المناطق الحضرية“.

كما استحضر جانبا آخر من التقاليد المحلية، منها على الخصوص، موكب الأطفال الذين يحملون ألواحا مزينة بآيات قرآنية، وهو مشهد لا يزال حاضرا بقرى هذه المنطقة، مشيرا إلى أن هذه التقاليد، التي يتعين الحفاظ عليها والعمل على استدامتها، تشكل رموزا لحياة مجتمعية تتمحور حول التربية الدينية والقيم الاجتماعية.

من جانبها، أكدت محافظة مدينتي الجديدة وأزمور بالمديرية الإقليمية لقطاع الثقافة بالجديدة، نسرين الصافي، على أهمية حماية والحفاظ على المعالم التاريخية والتراث الثقافي للجهة، مشددة على أن الحفاظ على هذا التراث أمر ضروري لصون الهوية الجماعية.

ولتحقيق ذلك، أشارت الصافي، في تصريح مماثل، إلى ضرورة دمج عملية الحفاظ على هذا الموروث في إطار تنموي محلي وتحسيسي للساكنة بأهمية هذه الجهود من أجل الحفاظ على تراث المنطقة.

وأكدت، كذلك، على ضرورة اتخاذ مبادرات من أجل ضمان هذه الحماية، مضيفة أنه ينبغي على فعاليات المجتمع المدني أن تضطلع بدور رئيسي في الرفع من مستوى الوعي بين الشباب، والدعوة إلى وضع برامج ملموسة بشراكة مع القطاع الخاص.

وفي نفس السياق، أكد رئيس جمعية البريجة للثقافة والفنون، خالد الخضري، على ضرورة الحفاظ على الألوان الفنية والثقافية المهمة مثل “العيطة الحصباوية” وأغاني “الحضرات” وعروض الصيد بالصقور للقواسم لأولاد فرج.

ومن هذا المنطلق، دعا الخضري إلى إعادة إحياء مهرجان “الماية”، الذي كان يقام سابقا بمنطقة أولاد عمران بسيدي بنور، من أجل الاحتفاء بالتراث الشفهي والموسيقى التقليدية، والذي لم ينظم منذ سنة 2009.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *